لولا الفن التشكيلي ما تواصلت الحضارات و ما استطاعت البشرية الحفاظ علي تراثها عبر العصور .. وبفضل الفن التشكيلي عاشت الحضارة الفرعونية و كشفت لنا عن كنوز من المعرفة و خلاصات التجارب الإنسانية العديدة في كل مجالات الحياة، فكل ما تراه العين من أشكال و ألوان له عدة جوانب ظاهرة و باطنة و الفن التشكيلي هو الذي يعيد لنا اكتشاف الواقع ممزجا بالخيال الذي يثير التأمل و التساؤل و يثري افكارنا و يسلط الضوء علي الكثير من جوانب الواقع الذي قد يبدو خفي ..
غدا – الاحد – يفتتح لأول مرة في الخامسة مساءا بقاعة الشهيد أحمد بسيوني بمقر كلية التربية الفنية بالزمالك معرضا يقدم لقطات من روائع السينما المصرية بحالة تعبيرية تجمع بين الصورة و الذاكرة بلغة تشكيلية للفنان الدكتور ايفان أديب ..
يجمع أديب العديد من المواهب الفنية منذ ان ابهرته الألوان التي كان يمسك بها في المرحلة الابتدائية فأنبثقت منها عبقريته في فن الرسم و قد لاقي تشجيع من والده و والدته داخل المنزل و من المعلمين بالمدرسة و من الاباء بالكنيسة، حتي صار اليوم فنان تشكيلي متنوع الانتاج و له أفكار كاد يتفرد بها من خلال إستخدامه للأدوات الفنية فيخلق حالة خاصة .. بارع في أعماله فلا يقدم عملا الا و يكون بدراسة مستخدما المراجع التاريخية و الفنية فتظهر اعماله بصورة راقية محتفظة بالفن الأصيل، و له إبداعات فريدة من نوعها تمكن من صياغة مكوناته بدقة عالية فيها و لمسنا هذا بديكوره في العمل الدرامي الشهير “هي و دافنشي” ، و العمل القبطي التاريخي “٤٩ شهيدا” و الذي كرمه فيه البابا تواضروس الثاني .. ها نحن اليوم معه ليقدم لنا صورة جديدة كما عودنا من خلال فنه صورة تجمع بين الواقعية و الخيال و نحاول معكم في هذا اللقاء ان نكشف عن بعض اسراره بعد ان اسرتنا ابداعاته ..
•• في البداية يقول .. اسمي بالكامل أيفان أديب كامل، مواليد 1982، من محافظة الجيزة، والدي فنان تشكيلى و اشتهر برسم قصص الأطفال التى كانت تصدر من مكتبة المحبة و كانت له موهبة فائقة، وايضا والدتي مدرسة تربية فنية، فمنذ طفولتي تعلمت الرسم قبل ان اتعلم الكتابة ، كانوا ينموا فينا انا واخي الجانب الفني تدريجيا إلى أن تدركت لموهبة الفن التشكيلي بالنسبة لي ، فبدأت احب التكوينات و لمست وقتها الجانب الفني وعلاقته بالديكور والألوان، واتذكر في المرحلة الإعدادية عندما كنت اسال عن رغبتي “ماذا اكون؟”، فكانت اجابتي محددة بأن أكون مهندس ديكور.
•• وتحدث عن دور الكنيسة: كنت اشترك في الكنيسة بمسابقات الأعمال الفنية واحصل على مراكز متقدمة وأقوم برسم اللوحات ، ونحت على الخشب ، وأعمال فنية بالجلود ، ومارست جميع أنواع الفن التشكيلي في وقت مبكر جدا، وغالبية الوقت كنت أرغب ان اشترك في الديكور وفي ذلك الوقت لم يكن متاح لطفل ، فكانوا يخصصون لى مجال الأعمال الفنية لكوني بالنسة لهم مازلت طفلا.. و قررت ان يكون الفن التشكيلى هو مجالي واشتركت في فرق مسرحية في الكنيسة بقسم الديكور وفي الثانوية كنت في مدرسة مسؤل عن تصميم الديكور و نفذت وقتها اكثر من 50 مسرحية على مستوى الادارة لتعلمية.
•• تابع قائلا .. بعد هذه المرحلة طلب مني القمص بولس سمعان كاهن كنيسة العذراء والانبا إبرام بفيصل ان اتولى أمانة خدمة المسرح، و اعترف ان ابونا و قرينته تاسوني سهير هما الذين نموا في الجانب الروحي وعلاقته بالفن.
•• و عن حياته الأكاديمية قال الفنان ايفان اديب: ألتحقت بكلية التربية الفنية لأنها تقوم بدراسة الفن بطريقة أشمل و كنت أرغب في دراسة كافة أنواع الفن و اختياري للكلية جاء في مرحلة الثانوية بعد ان تطلعت على كل الكليات الفنية باقسامها وموادها و وجدت في التربية الفنية دراسة كافة انواع الفن، ومن السنة الأولي في الكلية كنت مقرر و احلم بان أكون معيد لحبي في ان اعطي ما احصل عليه من معلومات ودراسة للغير ، وقد واجهتني صعبوات كثيرا جدا لاوصل الى هذه الرغبة و بعد كل مرحلة ترقية ازداد اشتياق للبحث خاصا بعد حصولي علي رسالة الدكتوراه ، فالفن لا نهاية له في بحر تعاليمه..
اعود بكم لهذه الفترة ايضا فبجانب حلمي الاكاديمي كنت ايضا ابحث في المجال العملى بان أكون مهندس ديكور سينما، و دراما و أحرص جدا دائما على اختيار العمل الذي اقوم يتصميم الديكور الخاص به بأن لابد ان يكون عمل له هدف او رسالة سامية، ولابد ان تكون له معايير فنية وانسانية، و ان لم تتوافر و ان لم اشعر بها فلن اقبل العمل فيه .
•• تابع حديثه قائلا: في المرحلة الجامعية وخاصة في العام الدارسي الثاني تعرفت على الاستاذ ماجد توفيق في عمل فني وبعدها بدات اعمل في تصميم ديكورات عدة افلام مسيحية، بعدها عملت في قناة سات 7 وتعتبر هذه هي بداية انطلاقى الحقيقي، عملت مع الاستاذ منير زخارى ويعتبر هذا الرجل من اعز الشخصيات في حياتي فأعطاني قدر كبير من الثقة وعملت اول برنامج “ميني ماتش” من اخراج مايكل بيوح و كان عمل ضخم مكون من ثلاثة اجزاء على مدار 5 سنوات، و برنامج قصاقيص اخراج اسامة عيسى، و مسابقة جنان اخراج شكري زكري، و عملت ايضا مع الاستاذ شريف وهبة مدير انتاج سات 7 ف اكثر من برنامج ، وعملت مع الاستاذة لوسي مرجان ، والاستاذ جوزيف نبيل في اكثر من عمل تلفزيونى و برنامج حارة كل الدنيا وشخابيط عمو منير و قومي استيري واعمال درامية وكليبات ، ومؤخرا فيلم “49 شهيداً .
•• و عن أهمية عمل الأعمال الفنية بالدراسات و الأبحاث قال: رسالة الدكتوراه التي قمت بها كانت لها علاقة بالكادر السينيمائي و تكوينه وعلاقة الألوان داخله ووضعت له اسس وقواعد وقمت بتطبيقها بالفعل وكان أول عملين بعد الدكتوراه هما مسلسل “هي ودافنشي” ، و فيلم” 49 شهيدا” ، و عملت حوالى 16 فيلم ديني قبلهما منهم “تماف ايريني ” الجزء الاول والثاني ، فيلم “الانبا كراس” ، “جبل الدم ” ، وغيرهم ، وبعد ذلك اتجهت لقناة سي تي في واغابي ومارمرقس وقناة الحرية وقناة معجزة.
•• عن تجربة فيلم “49 شهيدا” قال: يعد مرحلة هامة جدا في حياتى ، وكان له معي جوالات ، فقد كانت مدة تحضيره عامين ونصف وكان له طابع خاص ذات دراسة تاريخية نموذجية وكل جزء بالفيلم كان له مرجع تاريخي موثق سواء للملابس او النقود او المشاعل ، و لاني كنت مهتم اني اقدم مرجع تاريخي موثق خلال هذا العمل ، كما ان الانتقادات التى وجهت للديكور والملابس نتيجة لعدم ثقافة المتلقي بهذا العصر و لكننا قمنا بتفصيل الاكسسوارت والملابس خصيصا طبقا للمراجع التاريخية لهذا العصر ، حتى ان طابقت صورة الملك ثيؤدسيوس بنفس الصورة الاصلية له و تجده تماما مطابق لملابس الفنان هاني رمزى الذي قام بدوره ، اما بالنسبة للبس الرهبان ففي ذاك العصر لم يكن توحيد في زى الرهبان من الأساس لانه لم يكن نظام الشركة قد تاسس بعد ، حتى القلنسوة تاريخيا هي مستحدثة في عصر قداسة البابا شنودة الثالث فقبلها كانوا يرتدوا الزنار وفوقه العمة .. و كان عملا صعب للغاية لان المراجع المصرية القبطية قليلة جدا فاضريت الى ان احضر مراجع فرنسية والمانية وقمت بترجمتها لنصل إلى الشكل الأقرب لديكور وملابس الفيلم ، وانا شخصيا تعلمت الكثير من الدراسات القبطية من خلال هذا العمل .. فهو فيلم يمثل لي شخصيا نقلة على المستوى العملى والفنى وعلى مستوى الصورة و على اللوكيشن والملابس والمراجع واعتبر اني قدمت للكنيسة ولكل من يعمل في هذا المجال مرجع تاريخي به زخم من المعلومات التاريخية التى شملت هذه الحقبة التاريخية في القرن الرابع في كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، و هو ايضا اول فيلم في مصر يستخدم الجرافيك فيه بفريق مصري وذلك لنصل الى الشكل الاقرب للقصور في هذا العصر بعد ان قمنا بمعاينة كثير من المناطق في انحاء مصر لن نجد ما يطابق الشكل، وشجعني على فكرة الجرافيك المخرج جوزيف نبيل ونشكر ربنا التجربة نجحت ونالت اعجاب كثير من المحترفين في هذا المجال وبالرغم من الانتقادات التى وجهت للجرافيك ولكن يعتبر سبق لاول مرة فى تاريخ الانتاج المصري.
•• وأعتبر تكريم قداسة البابا تواضروس الثاني عن فيلم 49 شهيدا من اجمل أيام حياتي، وقد تقابلت مع قداسته اكثر من مرة من قبل و المس في تعامله معنا كأب حقيقي، وله اهتمام بالفن ووالاعلام و بالرسالة الفنية و يؤمن ان الفن له دور هام في توصيل قيم او معاني اسهل من ان تقدم خلال وعظة طويلة.
•• اما بخصوص معرض ستوديو مصر الأول من نوعه الذي يفتتح غدا قال: المعرض هو أول معرض لي بعد فترة انشغال كبيرة بالعمل الأكاديمي كنت مشتاق لهوايتى الأساسية وهي الرسم ، وقررت ان أعرض فني في اللوحات الفنية ، فالمعرض بمثابة تكريم للسينما المصرية من خلال المعرض والذي يشمل لوحات لكادرات من الافلام المصرية التي اثرت فينا وعشناها حولتها للوحات مثل فيلم الكيت كات ، و رسمت كادر للفنان محمود عبد العزيز، ولأنى عملت في مجال السينما لكوني فنان تشكيلي شعرت انه لابد ان أعمل دمج بين الحالتين واخرج بحالة جديدة وهى فكرة هذا المعرض وحتى الاعمال القادمة سوف استوحيها من السينما المصرية ، فانا عاشق للسينما المصرية وعاشق للافلام فكان هدفي ان اخرج من اعمال السينمائية بلوحة فنية مثل ما يحدث طبقا للوحات المستوحاه من التراث سواء كان قبطي او اسلامي او فرعوني كذلك السينما تعتبر حاليا تراث ولها اعمال خالدة مثل الثلاثية لنجيب محفوظ ، ودعاء الكروان وعرق البلح ، عندنا افلام كثيرة ومخرجين عظماء ، وانا اخصص تكريم للفنان يوسف شاهين و شادي عبد السلام الذي يعد لى مثلى الأعلى، فهو أول من لقب بالارت دايريكتور ويعد هذا المصطلح من المصطلحات المستحدثة لم يعرفها الكثير وهو المسؤل على الأربعة عناصر الأساسية في الصورة السينمائية، وهم الديكور والملابس والاكسسوارات وتسريحة الشعر وله عمل فني رائع هو فيلم المومياء وكان يرسم كل اسكتشاته ويحولها لمشاهد واتمنى ان اكون مثله ، ايضا لوحات لفنانين مصريين كثيريين اتمنى من كل الناس ان تأتي ، هدفي من المعرض هو تكريم للسينما المصرية سيحمل المعرض اسم “ستوديو مصر” و يعرض فيه ١٨ لوحة اتمني ان ينال اعجاب كل من يزوره.