فقدت مصر وأسرة الفنانين التشكيليين والصحافة يوم 16 أغسطس 2014 فناناً وعلماً من أعلام فن الكاريكاتير في مصر والعالم العربي هو الفنان مصطفى حسين (1935 – 2014) ذلك الفنان المبدع الأصيل.. حيث عطاؤه يحدثنا.. ويسجل شهادة عصر بأكمله عاش أحداثه وأرخ لتطوراته .. حتى إستطاع أخيراً أن ينطلق إلى العالمية في فن الكاريكاتير الهادف.. في لغته التعبيرية الرمزية .. ورؤيته الخاصة التي تمثل مصير الإنسان .. تفوح رسوماته برائحة الكرامة المصرية .. التي عبر بها عن آرائه في الحياة السياسية والإجتماعية في مصر طوال أكثر من 55 عاماً.
أصبح فناننا الراحل مصطفى حسين من رواد فن الكاريكاتير والرسم الملون .. بالإضافة إلى خبراته في الصحافة والإعلام .. فكان صاحب رسالة في مجال الفن .. واشتهر بشخصياته الكاريكاتورية العديدة التي عبر عنها.. منها فلاح كفر الهنادوة .. عبده مشتاق .. الكحيت .. عبده بك الأليت.. ومطرب الأخبار.. وعلي الكوماندا..وقاسم السماوي.. فأثرى الحياة الفنية بما قدمه من إبداع نلمس فيه قيم الجمال من أجل تعميق رسالة الفن.. ومفهومه في تنمية الذوق العام.
ولد مصطفى حسين عام 1935 في حي الحسين العريق.. وإلتحق بمدرسة جامع البنات ثم مدرسة الجمالية الإبتدائية.. حيث قابل الأستاذ عدلي مدرس الرسم الذي إكتشف تميزه في الرسم عن زملائه.. فكان هو بداية مشواره الفني.. إذ طلب منه المدرس أن يرسم حي الحسين التاريخي.. بما فيه من آثار وعبق الزمن القديم.. فرسم بانوراما لمشاهد تلك البيئة الشعبية والأثرية في عدة لوحات.. بموهبته التلقائية البريئة.. فأعجب بها المدرس وزين بها جدران فصل المدرسة.. ليعلن على ميلاد فنان سيكون له شأن عظيم.
ومن وقتها بدأ يمارس فن الرسم.. لكي يلتحق بكلية الفنون الجميلة.. ومنذ بدأ دراسة الفن، أختير هو وزميليه إيهاب وناجي شاكر للعمل معاً في دار الهلال عام 1952.. وبعدها عمل في مجلة “الأثنين والدنيا” .. ومن خلال خطوطه وألوانه الجريئة.. إختاروه المسئولين لرسم غلاف المجلة.. وكان عبارة عن الكرة الأرضية مقسومة نصفين.. أحدهما أمريكا والأخرى الإتحاد السوفيتي.. بإعتبارهما قطبي العالم.
إنتقل عام 1956 للعمل رساماً للكاريكاتير في صحيفة المساء مع الأستاذ خالد محيي الدين، وظل بها حتى عام 1963.. ثم عمل مع الأستاذ والأديب يوسف السباعي في مجلة التحرير.. وشارك في تأسيس مجلة كروان عام 1964.. وقدم رسوم لعدد كبير من المجلات والصحف منها الأخبار.. ومجلة حواء.. والمصور.. والكواكب.. وسمير وغيرها.
وإلتحق بصحيفة أخبار اليوم ومجلة آخر ساعة من عام 1974 حتى رحيله.. وكانت أخبار اليوم مدرسة للإعلام على يد مصطفى وعلي أمين.. وكانت فلسفة هذه المدرسة أن يجتمع الكتاب الساخرين مع رسامي الكاريكاتير لطرح الأفكار وطرق معالجتها.. وبدأ الإبداع المشترك مع الكاتب الساخر أحمد رجب.. وأصبحا ثنائي فني، ومن هنا جاءت الرسومات الكاريكاتورية التي مست قلوب الناس.. وبعض الحلول لمشاكلهم السياسية والإجتماعية.
وراحلنا مصطفى حسين حياته قصة درامية تستحق أن تروى للأجيال ليتعرفوا على واحداً جاء من بين الشعب المصري وعاش مشاغله.. وآلامه وعالجها بأسلوبه الساخر اللاذع.. قام بالرسم لحمل همومهم اليومية إلى المسئولين في محاولة لإيجاد حلول لكي يعيش الشعب في حرية ويرى مستقبل أفضل.
والراحل الفنان مصطفى حسين له إبداعات فنية يعتز بها مثل مجموعة من اللوحات تعبر عن مشاعره تجاه العمال والفلاحين وغيرها من فئات المجتمع.. بالإضافة إلى بعض المناظر في القرى والسواحل .. كما أبدع عدد كبير من البورتريهات لشخصيات شهيرة في الفن والأدب والسياسة.. مع بورتريهات شخصية ولوحات له هو وزوجته وغيرها من الشخصيات المحببة إلى نفسه.
ومن خلال إبداعاته نستشعر مدى إستفادته من التراث الفرعوني والقبطي والإسلامي.. مع إيقاعات البيئة المصرية والشعبية.. حيث رسم إنطباعاته عن العديد من العادات والتقاليد الشعبية.. نلمس فيها الأسلوب والتكنيك الذي تميز به الفنان من اللون والخط.. حيث الألوان عند فناننا تسبح في نسيج اللوحة بالحيوية والسخونة مع الألوان الباردة.. تترجم تدفق أحاسيسه ومقدرته الفنية في إخراج إبداعاته.
لذلك يعتبر الراحل مصطفى حسين من الفنانين القلائل الذين يتمتعون بالشمولية في الفن.. التي تتميز بالتنوع والوضوح والروح المصرية.. في التأكيد على إبراز ما في وجوههم من سمات مثل شفاة غليظة تتدلى.. أو حاجب كثيف أشعت أو أنف معكوف أو كرش مضحك وغيرها من صفات الشخصية المرسومة.. حيث تميزت بالمعالجة اللونية التي أتت بتأثيرات زخرفية مختلفة مندمجة في العمل الفني.. تتمشى في اللوحة مع العناصر الأخرى.. كالإنسان وحوله موتيفات في مساحات متفرقة.. فنجد تكوينات معاصرة في حوار بألوانه الواضحة.
مثل مصر في كثير من المعارض المحلية والدولية.. منها معرض الرسوم الصحفية الدورة الأولى بقصر الفنون بأرض الأوبرا مارس 2004.. ومعرض ضمن مهرجان الإبداعات التشكيلية الموجهة للطفل بقصر الفنون يناير 2006.. ومعرض لفن الكاريكاتير بمركز محمود سعيد للفنون بالأسكندرية عام 2008.. ومعرض بالمتحف القبطي في مصر القديمة ديسمبر 2009.. ومعرض 100 سنة كاريكاتير بمركز رامتا ن في متحف طه حسين يناير 2011.. ومعرض الكاريكاتير والثورة بقاعات جمعية محبي الفنون الجميلة بجاردن سيتي أكتوبر 2011.. ومعرض “هم يضحك” والتي نظمته الجمعية المصرية للكاريكاتير بالتعاون مع بنك التعمير والإسكان مايو 2012.. ومن المعارض الجماعية الدولية معرض إبتسامات مصرية في بلغاريا مايو 2007.
نشرت إبداعاته بالعديد من دول العالم منها فرنسا وروسيا.. ووصفه فنانو الكاريكاتير بأنه من أهم وأفضل رسامي الكاريكاتير في العالم كما قدم العديد من رسوم كتب الأطفال في مصر والعالم العربي.. وصمم الأفشيات منها أفيش الدورة السادسة والعشرين لمهرجان الأسكندرية السينمائي الدولي.. ونال الكثير من الجوائز والتكريمات.. منها جائزة علي ومصطفى أمين كأحسن رسام صحفي مصري عام 1985، وجائزة الدولة التشجيعية لرسوم الأطفال عام 1976.. وجائزة الدولة التقديرية عام 2003، ثم توج بجائزة مبارك للفنون “النيل” عام 2010 وحصل على درع من جامعة المستقبل مايو 2011.
والفنان الراحل كان قيمة فنية كبيرة.. تركت بصمة واضحة المعالم سواء كان فناناً تشكيلياً وصحفياً.. وخاصة فن الكاريكاتير والبورتريه.. كما نجح على مدى دورتين (2002 – 2010) في قيادة نقابة الفنانين التشكيليين.. وحقق العديد من الإنجازات سواء للنفابة أو الفنانين وجعل فئات المجتمع يحرص على متابعة رسومه اليومية بالأخبار.
وكان الفنان الراحل إنسانا على مستوى يفوق الوصف.. فرغم شدة مرضه الذي بدأ من عام 2007.. وأخذ يصارعه بكثرة إبداعاته .. مع التفاؤل بالشفاء.. فكان يحرص على تلبية الدعوة لإفتتاح أي معرض أو ندوات فنية سواء بالقاهرة أو في أي محافظة.. لأنه كان شديد الإهتمام بقضايا الوطن.. حيث أثرى بريشته وأسلوبه الساخر لفن الكاريكاتير.. وجعل المجتمع المصري والعربي يستوعبه بسهوله فهو أحد أهم رسامي الكاريكاتير السياسي والإجتماعي في العالم.. فكان نموذجاً للفنان المبدع وناقداً بناء للأوضاع الموجودة داخل وخارج البلاد.. قدم حصاد فلسفته وفكره الفني الذي يعتبر علامة مميزة في فننا المصري المعاصر.. الذي يفيض مهارة وأستاذية.. كما يحمل رسالة الحق والجمال والخير.