تأتي ذكرى الأربعين يوم 18 برمهات 1731 شهداء الموافق 27 مارس 2015.. للشهداء الأقباط الذين سالت دماؤهم على شاطئ ليبيا.. بعدما مروا بعذابات وغدر.. وكانوا ثابتين على إيمانهم .. فأضاءوا أمامنا طريق الحق والإيمان الحقيقي.. مثلما قال مخلصنا الصالح “ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه”.
هكذا قدم يسوع المسيح “الذبيحة” التي علقت على الصليب من أجل خلاص البشرية من خطيئة آدم وحواء.. وهزم الموت والظلمة.. وأقام معه الأبرار من القبور بنوره الإلهي.. لأنه هو نور العالم.. هو نور يضيء طريق الأجيال.. ونار تحرق أعداء الحرية والإيمان الحقيقي.
هذا النور إنعكس على نفوس الشهداء الذين كانوا في سلام نفسي وهم يتعذبون لأنهم رأوا أمامهم المسيح في مجده يستقبل أرواحهم الظاهرة بين ذراعيه قائلا لهم “تعالوا لترثوا الحياة الأبدية مع القديسين والأبرار”.
ولأن الفنان القبطي عبر العصور وفي العالم كله منفعلاً بالأحداث التي يعايشها مع مجتمعه.. ويشارك بإبداعاته الفنية في رسالة واضحة لتسجيل الحاضر.. وربطه بالماضي.. نجده إهتم بتخليد الشهداء.. كما نجدها في اللوحات المرفقة بالمقال للفنان فيكتور فاخوري.. ووجدي حبشي.. والمصري الأمريكي طوني رزق الموهوب فنيا.. نجدهم قد إشتركوا في رسوماتهم بالألوان المناسبة والمعبرة عن المضمون مع بعض الزخارف الأثرية برؤية كل منهم الذاتية في أشكال متنوعة في منتهى الدقة.. لتعبر في الدرجة الأولى عن العقيدة المسيحية.
ولوحة الفنان فيكتور فاخوري ذات تكوين مبهر توحي بالإطمئنان.. أن الله معنا .. ويعبر بنا إلى عالم أفضل مع ترانيم الملائكة فرسم الصليب بزخارف أثرية وبأسلوبه القبطي المميز المعاصر.. يعلوه الرب يسوع بأكليل الشوك باسط ذراعيه ليحمي أولاده الشهداء وعلى جانبيه ملاكان بأكاليل الإستشهاد.. والجزء الباقي من التكوين تحت مذبح الرب يسوع رسم الشهداء الواحد والعشرين باللون الأبيض رمز الطهر والنقاء، ويحملون على صدورهم الصليب باللون الأحمر.. يتطلعون إلى الأب الحنون الذي أسرع لنجدة أولاده.
وأما لوحة الموهوب طوني رزق والذي تأثر وإنفعل بما حدث للشهداء.. فرسمهم باللون البرتقالي المشرق.. وعلى صدورهم عباءة باللون الأحمر.. وهم يتطلعون نحو السماء حيث ظهر لهم الرب يسوع في دائرة نورانية زرقاء يستقبل أرواحهم للحياة الأبدية.. مع ترانيم ملائكية وأكاليل الإستشهاد مرسومة في الجزء الأعلى للشهداء بعددهم يفصل بينهم زخارف باللون الأزرق.. مع شريط باللون الأحمر رمز للدماء التي سفكت على الشاطيء.. وتكوين اللوحة متناسق الألوان في نسيج محكم رسمه الفنان طوني رزق بالرغم من أنه غير دارس للفن كما علمت.. إلا أنه رسم لوحته منفعلاً بالحدث الغاشم واللاإنساني متأثرا بأسلوب الأيقونات القبطية الموجودة بالكنائس الأرثوذكسية.
واللوحة الثالثة والتي يغلب على تكوينها غلالة من اللون الأبيض الذهبي الذي يدل على الصفاء النفسي والسلام يتسرب منها لمسات من اللون الأحمر والأزرق تظهر الرب يسوع له المجد وهو يحتضن أرواح الشهداء الأبرار وهم فرحين.. فاللون المرسوم يتحول إلى أحاسيس ومشاعر.. ويؤثر في النفوس.. فنشعر بالراحة والإيمان.
وهكذا نجد المعنى وراء لغة الألوان عميقا.. وتلك الإبداعات بمثابة إنتفاضة وإنفعال بالأحداث التي تؤرق العالم.. ولها أكثر من طابع.. وربما غلب عليها الطابع الديني.. والرمز الجمالي.. وإتسمت بالطابع الإنساني أولا في إصلاح الناس.. ثم الطابع الفني والأدبي.. وهذه اللوحات تعطي الشعور بالمحبة الفاعلة والإيمان القوي والإستشهاد هو برهان صدق الإيمان والحب برهان حقيقة الصليب.
وتلك الرسومات وغيرها من فنون الشعر والأدب والموسيقى.. تعمل على تنمية والإرتقاء بوعي الشباب.. وتوسيع إدراكهم بالمجتمع المحيط بهم.. وفي نفس الوقت بصمة وإشارة مثمرة للمستقبل وتأكيد دور الفن في محاربة الإرهاب بالفن والثقافة.. وتفيد شباب المستقبل في حياتهم العملية بالفكر المستنير.. فتعم المحبة بين أفراد المجتمع.. والسلام ينعكس ملامحه على العالم كله وتحمل الإنتصار والحكمة والحق والجمال بالرغم من القسوة والعنف والدمار الذي نشاهده ونعايشه هذه الأيام.
احفظ يارب مصرنا.. واعبر بنا من وسط هذه الأمواج والتيارات التي تعصف بنا في هذه المرحلة العصيبة من حياتنا.. والله موجود يصنع تدابيره التي تفوق العقل.. ويسمع صلواتنا مع صلوات جميع الشهداء والقديسين الأبرار.