“الإيقاعات المصرية في النشيد” هو عنوان الندوة التي قدمها الدكتور فتحي الخميسي أستاذ المخطوطات الموسيقية للفلاسفة العرب بالمعهد العالي للموسيقى، والتى استعرض فيها فن النشيد باعتباره أحد الأشكال التسعة التي تمثل ثروة مصر في الموسيقى، وهذه الأشكال هى: “الموال ، الموشح ، القصيد ، الدور ، الطقطوقة، التقاسيم ، التحميلة ، النشيد ، الحوار الغنائي”.
هذا ويعد النشيد هو الطريقة الوحيدة -ضمن هذه القوالب الموسيقية- الجماعية، حيث يمتاز النشيد بالشد والجدية والتراص لأنغام غير قابلة للارتجال والاطالة، فالصوت فيه غير منسوب لأحد، فكله عمل جماعى.
وبدأ الدكتور فتحى كلامه عن نشأة النشيد فقال: نشأ فن النشيد -في العالم كله وليس فى مصر فقط- مستقياً من “المارش العسكري”، فيسير الجنود ويصطفوا وينتظموا ويغنوا النشيد، إن كان له كلمات، أو يحيوه وينتطموا سيرًا به إن كان بدون كلمات ويسمى “مارش”، وبالتالي يعد النشيد هو وليد “المارش العسكري” أى أنه ابن التنظيمات العسكرية التى تم تأليفها لتنظيم الجنود والجيوش النظامية فى العالم كله.
وتحدث دكتور فتحي عن شروط النشيد، قائلا: أن يكون به “تربيعة” نظامية شرط لبناء اللحن، وهي البطل الموسيقى في النشيد، إذا تراخى عنها فقد النشيد كل قوامه. ويعد نشيد جيش محمد علي باشا الذي أطلق عام 1820م هو اول نشيد رسمي فى تاريخ مصر المعاصرة.
نشيد الجيش المصري أيام محمد علي باشا
كلمات رفاعة الطهطاوي
ننظم جندنا نظمًا عجيبًا يعجز الفهم
بأسد ترعب الخصم فمن يقوى يناضلنا
رجال مالها عدد كمال نظامها العدد
حلاها الدرع والزرد سنان الرمح عادلنا
وهل لخيولنا شبه! قرائنما بها شبه
اليها الكل منتبه وهل تخفى اصائلنا
لنا في الجيش فرسان لهم عند القاء شان
وفي الهيجاء عنوان تهيب به صواهلنا
لنا الرؤساء أبطال رجال غيرنا جالو
بصولة عيلما صالو يفوق الحد صائلنا
لنا في المدن تحصين وتنظيم وتحسين
وتأييد وتمكين منيعات معاقلنا
[T-video embed=”hDZCfBMI3aw”]
استكمل “الخميسى”: ولكن مع مرور الزمن، ضعف النشيد، وبدأ يتراخى فى تاريخ مصر، وبالتالى بدأت مصر تفقد فن “النشيد”، وللأسف لا يوجد في يومنا هذا من يستطيع أن يؤلف نشيدًا، على الرغم من سهولته!!
وقام سيد درويش بعمل نشيد من نوع خاص، فلم يصطحب الإيقاع “المربع” إنما اصحطب “نصفه” فقط، حيث جزئه إلى نصفين، حيث ابقى على النظامية المربعة ولكن بشكل مقسم، وهو ما يسمى فى الموسيقى بـ”تنصيص الإيقاع”، فهذه تعد نظامية من نوع خاص. وشدد بقوله “إن تصوغ هذه النظامية، التى صاغها سيد درويش، بتلك السرعة، فهى بالفعل نظامية لا يستطيع أحد أن يفعلها إلا إذا كان متمكناً من أدواته. وهو أيضاً ضمن التفعيلة العامة للنشيد، وهذا ما نراه فى النشيد الآتى:
يا مصر يحميكي لأهلك
يا مصر يحميكي لأهلك مانشوف ليكي إلا أيام سعدك
نموت ونحيا إحنا في حبك زينة الدنيا ولا فيش بعدك
نيلك دا فاض الخير عنه وإبنك مافيش أكرم منه
خيرك على نساك ورجالك وعلى اللي راح واللي جالك
فلتحيا مصر يا ناس وتعيش
[T-video embed=”Ngx2GRlUMHM”]
واستعرض “الخميسى” عدة أمثلة للنشيد، فمنها نشيد اسلمى يا مصر، (والذى كان النشيد الرسمى فى الفترة من 1923 وحتى 1936م، وهو من كلمات مصطفى صادق الرافعي، وتلحين صفر على).
اسلمي يا مصر
إسلمي يامصر إنني الفدا زي يدي إن مدت الدنيا يدا
أبدا لن تستكيني أبدا إنني أرجو مع اليوم غدا
ومعي قلبي وعزمي للجهاد ولقلبي إنت بعد الدين دين
(لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي
إن رمي الدهر سهامه أتقيها بفؤادي وإسلمي في كل حين)
أنا مصري بناني من بني هرم الدهر الذي أعيا الفنا
وقفة الأهرام فيما بيننا لصروف الدهر وقفتي أنا
في دفاعي وجهادي للبلاد لا أميل لا أمل لا ألين
(لك يا مصر السلامة وسلاما يابلادي…)
ويك يا من رام تقييد الفلك أي نجم في السما يخضع لك
وطن الحر سما لا تمتلك والفتي الحر بأفقه ملك
لاعدا يا أرض مصر فيك عاد إننا دون حماك أجمعين
(لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي…)
للعلا أبناء مصر للعلا وبمصر شرفوا المستقبلا
وفدا لمصرنا الدنيا فلا نضع الأوطان إلا أولا
جانبي الأيسر قلبه الفؤاد وبلادي هي لي قلبي اليمين
(لك يا مصر السلامة وسلاما يا بلادي…)
[T-video embed=”Mhob6S1kwfA”]
كما استعرض الدكتور فتحى نشيد “دع سمائى” وهو من تلحين “علي إسماعيل” وكلمات “كمال عبد الحليم” والذي غنته المطربة “فايدة كامل” عام 1956 إبان العدوان الثلاثى على مصر.
دع سمائى
دع سمائي فسمائي مُحرقهْ دع قناتي فمياهي مُغرِقهْ
واحذر الأرض فأرضي صاعقه دع سمائي . . .
هذه أرضي أنا وأبي ضحّى هنا وأبي قال لنا مزقوا أعداءنا
أنا شعبٌ وفدائيٌّ وثورهْ ودمٌ يصنع للإنسان فجْرهْ
ترتوي أرضي به من كل قطره وستبقى مصرُ حره مصر حره
دع سمائي فسمائي مُحرقه..
هذه أرضي أنا وأبي ضحى هنا وأبي قال لنامزقوا أعداءنا
أنا عملاق قواه كلّ ثائر في فلسطين وفي أرض الجزائرْ
والملايو وشعوب كالبشائر تنبت الأزهار من بين المجازر
دع سمائي فسمائي مُحرقه..
هذه أرضي أنا وأبي ضحى هنا وأبي قال لنامزقوا أعداءنا
دع سمائي فسمائي مُحرقه..
[T-video embed=”8kToIOATOGo”]
وتأكيداً على إن النشيد هو “ابن” المارش العسكرى، وأيضاً أن هذا الأمر فى العالم كله، وليس من ابتكار المصريين فقط، فقد عرض الدكتور الخميسي النشيد الرسمي لدولة فرنسا، تأكيدًا على أن “التربيعة النظامية” هى قانون عام، ولكنه شدد بقوله: أنه كلما تقدمت الدولة، كلما حاولت إخفاء تلك التفعيلة النظامية.
[T-video embed=”PIQSEq6tEVs”]
وأكمل “الخميسى” قائلاً: كل الأناشيد السابقة، بما فيها “المارسليز” (النشيد الرسمي الفرنسي)، كلها أناشيد نظامية، أى مقترن “بالتفعيلة الرباعية”، و لكن مضت الامور إلى أن يأخذ النشيد شكلاً أخرًا! حيث ابتدأ الموسيقار محمد عبدالوهاب أن ينحرف قليلاً بالنشيد، فهو يعتبر أكبر المتصرفين فى القواعد الموسيقية، كما يعد من المغرمين بتحريك القواعد، حيث نجد هذا فى أغنيته الوطنية “يا نسمة الحرية”، وبالتالى فهذه تعد أغنية وطنية، وليست نشيدًا.
[T-video embed=I7bgOKYoAhU”]
أضاف الدكتور فتحى أن عبدالوهاب لم يخرج عن القواعد الموسيقية بسبب ضعفه فى معرفة القواعد الموسيقية، والدليل على ذلك النشيد الذى ألفه، وهو نشيد “أقسمت باسمك يا بلادي” حيث التزم “بالتفعيلة الرباعية” فى ذلك النشيد.
[T-video embed=FjNCpQLcTQs”]
دكتور فتحى الخميسى فى سطور:
- درس بقسم البيانو بالكونسرفيتوار بالقاهرة، ثم التحق بمنحة دراسية بالاتحاد السوفيتى السابق، وانتظم فى صفوف المرحلة الثانوية الموسيقية بكونسرفيتوار موسكو.
- انتقل إلى المرحلة العالية مؤلفًا موسيقيًا ثم إلى مرحلة الماجستير، ليحظى بدراسة النظريات ويحصل على الماجستير، ثم يكتب الدكتوراه عن “النهضة الموسيقية المصرية والمسرح الغنائي فى القرن العشرين”، حيث حصل على الدكتوراه عام 1986.
- عاد “الخميسي” إلى القاهرة استاذًا ثم رئيسًا لقسم علوم الموسيقى العربية بالمعهد العالي للموسيقى العربية باكاديمية الفنون المصرية.
- قدمت له دار الأوبرا المصرية السيمفونية الاولى، حيث يعزفها أوركسترا القاهرة السيمفوني فى المسرح الكبير في مقدمة موسم “سيمفونيات مصرية عظيمة” مقدمًا فى ذلك سيمفونيته الأولى “غضب النيل”.
- وضع المؤلف موسيقى عدد من المسرحيات والأفلام والمسلسلات منها فيلم: “ست الستات”، وكذلك موسيقى لمسلسلات عديدة مثل: “الجنة المحرمة، إرم ذات العماد، امرئ القيس، صلاح الدين الأيوبي، وغيرها”. كما وضع موسيقى مسرحيات عديدة مثل: “يوليوس قيصر، الطاعون، حسن ونعمية، خافية قمر، الشجرة”، أيضاً “الذباب” لسارتر، وكذلك مسرحية “الطريق” للمؤلف (ول سوينكا) الحائز على جائزة نوبل.
- صدر له كتابه “أزمة الموسيقى المصرية وأزمة المقامات” والمكون من جزئين، عن المجلس الأعلى للثقافة.
- شارك فى مؤتمرات عديدة وكان قاضياً ضمن لجنة الحكام فى مهرجان موسيقات الشرق بدولة أوزباكستان، ومؤتمرات دولية أخرى.
- يعد ناقدًا موسيقيًا وكاتبًا بجريدة الأهرام، عاملًا فى قضايا الفكر الموسيقى.
- محاضرًا شهريًا ومعداً لندوات صالون الخميسى.
- عمل أستاذًا محاضرًا بالمعهد العالى للموسيقى العربية للمخطوطات الموسيقية للفلاسفة العرب، ومازال يعمل د.الخميسى بهذه الحقول معًا في تواز.