الكل يتحدث عن حياتها ونضالها بالتوازي مع أعمالها الأدبية، منهم الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي الذي قالك إن الراحلة رضوى عاشور تجربة حياتية قبل ما تكون تجربة أدبية، بل يصفها البعض بأنها “زهرة جيل الستينات”، الجيل الأعظم في الفنون والآداب.
رحلت رضوى عاشور الروائية والناقدة والأستاذة الجامعية عن عمر 68 عاماً، نتيجة مرض لعين، وقد وصفت رحلتها مع المرض في كتابها الأخير ” أثقل من رضوى”، الصادر عن الشروق، وهو مقاطع من سيرة ذاتية، ويبدو أن هذا الكتاب كان المأدبة التي قررت رضوى أن تجمع حولها أحباءها تمهيدا لرحيلها، الذى كانت تعلم بحدسها أنه سيكون بالغ الألم، فاستبقت الألم بوقفة “لا أحتاج في حالة كتابة السيرة الصريح الذي أكتبه سوى النظر حولي وورائي وفي داخلي لأرى أو أتذكر” تقول صاحبة السيرة.
السيرة الذاتية لرضوى عاشور، برغم ما بها من حكايات عن المرض، وعمليات جراحية صعبة، ولحظات ضعف، إلا أنها في مجملها معركة تفاؤل تطل بوجه صبوح، معركة تصلح لأن تقتدي بمفرداتها النضالية “هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا”.
في حفل توقيع هذه السيرة قال الشاعر الكبير أمين حداد – الذي جلس إلى جوارها في المنصة – واصفاً “أثقل من رضوى” ب “آلة ذات دفع رباعي، بدءاً من رضوى عاشور الأديبة التي أثرت حياتنا الأدبية منذ أواخر السبعينيات، إلى رضوى الأستاذة الجامعية التي تخّرج على أيديها أجيال وأجيال، وأصبح أغلبهم من مريديها بعد ذلك، وكذلك المناضلة التي لم تتنازل ولم تدخر جهداً لمقاومة الظلم والإستعمار وإسرائيل ودافعت عن استقلال الجامعة، وأخيراً دورها كزوجة وأم لأسرة حجزت في المكتبة العربية عشرات الكتب الأدبية بمختلف أصنافها”.
وتناغُم سيرة رضوى عاشور بين الحكي العفوي والسرد التاريخي والتكوينات الإنسانية المتداخلة، ليس غريباً على عالم رضوى الإبداعي ومشروعها الكتابي، الذي كان في مجمله صيحة تحرر إنساني.
استدعت رضوى رائعتها ” ثلاثية غرناطة” التي انتهت بالمقولة الآسرة “لا وحشة عند قبر مريمة”، استدعاء وإحالة لعالم بطلتها “مريمة”، التى خصصت جزءاً كاملاً من ثلاثيتها بإسمها ( غرناطة – مريمة –الرحيل ) ، “مريمة” المفعمة بالحكايات، والمسكونة بثنائي الحكمة والضمير الحي، مريمة التى عاشت منسية وماتت حسرة خلال ترحيل العرب من غرناطة “قام عليّ، أدار ظهره للبحر، وأسرع الخطى ثم هرول ثم ركض مبتعداً عن الشاطئ والصخب والزحام.. التفت وراءه فأيقن أن أحداً لم يتبعه، فعاد يمشي بثبات وهدوء، يتوغل في الأرض، يتمتم: لا وحشة في قبر مريمة!”
وتردد رضوى في “أثقل من رضوى” الوصية قبل الرحيل “أنا مُدرسة، أرى في رسائل التشاؤم فعلاً غير أخلاقي، قلت ذات مرة إن كل كتاباتي الروائية محاولة للتعامل مع الهزيمة، قلت: الكتابة محاولة لإستعادة إرادة منفية.. أنهيت رواية “ثلاثية غرناطة” بعبارة “لا وحشة في قبر مريمة” وعلقت في محاضرة لي على ذلك قائلة: ثلاثية غرناطة لها طعم المراثي، يسري فيها خوف امرأة من القرن العشرين، دارت عليها وعلى جيلها الدوائر، فشهدت نهايات حقبة من التاريخ هو تاريخها، ولكن التاريخ لا يعرف الخوف، إنه صاحب حيلة ودهاء، له مسار بُه وديامسُه ومجاريه، لا شيء يضيع، هكذا أعتقد، ولذلك أفهم الآن لماذا تنتهي روايتي بوصف قبر مريمة”.
رضوى عاشور مولودة عام 1946، حصلت على الماجستير في الأدب المقارن من كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، نشرت أولى أعمالها عام 1977 وهو عمل نقدي حمل اسم “الخروج إلى الخيمة الأخرى”، واستمرت في الكتابة حتى نشرت عملها الأدبي الأول “حجر دافئ”، وهي رواية صدرت عام 1985، وكانت على مشارف الأربعين، وأصدرت بعد ذلك عدة روايتها مهمة مثل سراج وأطياف وفرج وثلاثية غرناطة وتقارير السيدة راء وقطعة من أوروبا، ويتوقف رصيدها عند 8 روايات ومجموعتين قصصتين، وعدد من الدراسات الأدبية والنقدية وكلذلك الترجمات. وهي زوجة للشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي وأم للشاعر الشاب تميم البرغوثي.