أحقاً كان لى أم فماتت
أم أنى خلقت بغير أم ؟.
هكذا عبر قداسة البابا الثالث مثلث الرحمات ( أغسطس 1923 – مارس 2012 ) فى صدر الشباب عن حزنه لفقدان أمه بالجسد فى قصيدة “أمى ” ، فقد مضت والدته بعد ولادته مباشرة بسبب اصابتها بحمى النفاس حيث تبادلت سيدات القرية (مسيحيين ومسلمين ارضاعه ..وبالتالى أصبح كثير من أطفال القرية أخوة له بالرضاعة ، من هنا بدأت نعمة الحب التى تمتع بها البابا شنودة وجعلها داخله للجميع طوال حياته حتى أن آخر كلمة فى رسالته التى ودع بها الناس كانت رسالة حب يدعو فيها الجميع أن يحبوا بعضهم ببعض …
ثم تولت شقيقته الكبرى رعايته مع أبيه الذى رحل أيضا بعد سنوات قليلة ، كما يذكر لزوجة الأخ الكبير روفائيل دورها فى رعايته عندما انتقلت الأسرة الى دمنهور ، فكانت بمثابة الأم الحنون التى تخدم وتسهر وتبذل شأنها شأن الأم الحقيقية ، أيضا نجد تأثير المرأة فى الحياة البابا شنودة عندما اكتنفته خادمة مدارس الأحد بالرعاية الروحية وهو لازال صغيرا …
ومن المفارقات التى تدعو للتأمل أن تتزامن ذكرى سفره للسماء مع عيدى الأم والربيع ، كما أن نشأة هذا الأب والمعلم العظيم رسخت
داخله معانى نبيلة عن المرأة والأم ، فنراه ينشد أيضا هذه الأبيات الشعرية قصيدة “أمومة ” عام 1949 والتى نشرت بين دفتى كتاب “انطلاق الروح ” لتجسد عمق الاحساس بالأم من قبل قديس عاش بيننا مفتقدا الى الأم الجسدية
من هذه الأبيات:
نام في أمن ولكن قد سهرت
في ارتياح ما شكوت أو وهنت
ما تركتيه علي مهده بل
ما تركتيه علي مهده بل
قد ضممت الطفل حبا واحتضنت
أنت يا اختاه سر غامض
أنت يا اختاه سر غامض
أنت نبع من حنان حيث كنت
ويحكى البابا شنودة نفسه فى أحد البرامج التليفزيونية عن طفولته فيقول: كنت طفلاً وحيداً ماتت والدته دون أن يرضع منها، وعاش فترة طفولته المبكرة بلا صداقة ولا لهو مثل أقرانه الأطفال، ولكن يبدو أن هذه الوحدة قد عادت عليه بفوائد كثيرة منها حبه للقراءة والتأمل والتفكير من سن صغيرة جداً … أيضا إن العطاء عند البابا شنودة وخصوصا فى لجنة البر كان بلا حدود مما ينعكس على كل قراراته فمثلا إذا كانت هناك عروسة من أسرة فقيرة، كان يعطى بسخاء عجيب جداً ويهتم بالعروسة و بعائلتها كلها وكان دائماً يقول الله هو الذى يعطى لدرجة الشبع …
يقول معلم الأجيال أن هناك نقطة مهمة في إكرام الوالدين. وهي المحبة والاحترام.
أول محبة يمارسها الإنسان هي محبته لأمه. ثم محبته لأبيه. وهي محبة طبيعية لا يبذل مجهوداً في اقتنائها. ولا يحتاج إلي مجهود في المحافظة عليها. وهي أيضاً محبة متبادلة. وأي انحراف عنها. هو شذوذ غير طبيعي!
هذه المحبة لها عنصران: أحدهما إيجابي والآخر سلبي.
أما العنصر الإيجابي: فهو عاطفة الحب التي يظهرها الابن نحو أبيه وأمه. وبذل كل ما يستطيع من جهد في إراحتهما وإرضائهما وكسب بركتهما ورضاهما. ويستمر هذا الحب وهذا الإرضاء طوال الحياة. وحتي بعد انتقالهما إلي العالم الآخر. يقيم الصلوات والذكري لأجلهما. وينفذ وصيتهما علي قدر طاقته.
وأما العنصر السلبي: فهو أن الابن لا يصح أن يغضب أحداً من والديه أو يثيره. أو يعامله ببغضة أو بقسوة. أو يتجاهل رأيه. ولا يصح للابن أن يرهق والديه بكثرة الطلبات. وبخاصة ما هو فوق قدرتهما. كما لا يصح أن يبدد ما لهما بعيش مسرف. ولا أن يضيع سمعة الأسرة بسلوكه في الفساد. وأكثر عقوق يصل إليه الابن. هو أن يتمني الشر أو الموت لأحد والديه..!
كتب معلم الأجيال أيضا عن إكرام الوالدين ومن يماثلهما فقال :
إنها وصية إلهية أن يكرم الإنسان والديه اللذين أنجباه بالجسد. وأن يحترمهما ويطيعهما ويحسن إليهما.
ثم اتسع مفهوم الوصية حتي شمل الأقارب بالجسد الذين هم في منزلة الأب والأم. كالعم والعمة والخال والخالة.. ثم اتسعت الوصية أيضاً حتي شملت كبار السن. الذين هم من جهة عمرهم في منزلة الأب والأم.
وازدادت الوصية في اتساعها حتي شملت الأبوة الروحية كالمرشدين والمعلمين. كما شملت أبوة المركز. ومن عليهم واجب الرعاية.
بل يزداد المفهوم حتي يصل إلي احترام النظام العام والقانون والدولة.