بعد رحلة عطاء طويلة، امتدت لنحو 93 سنة، رحل عن عالمنا نيافة الأنبا ميخائيل (1921- 2014م) مطران أسيوط بصعيد مصر.
لقد كان الأنبا ميخائيل وحسب كثيرين ممن عاصروه وعايشوه واقتربوا منه رجل محبة وسلام، تميز بالتواضع والقلب الكبير الذي يتسع ليشمل الكل بمحبته، كما كان أحد دعاة الوحدة الوطنية في مدينة أسيوط، إذ كان مُحبًا للكل ومحبوبًا من الكل، حتى لقد أصبح نيافته رمزًا من رموز أسيوط، على الرغم من أنه من مواليد محافظة قنا.
لقد عاش عمرًا طويلًا بمقاييس عصرنا، قضاه في رعاية شعبه وخدمته بأمانة وبر، حتى أن البعض يلقبه بأسد أسيوط- أسد الصعيد- أسد سبط يهوذا.
ترهب بدير الأنبا مقار بصحراء وادي النطرون وعمره أقل من عشرين عامًا تقريبًا باسم الراهب متياس المقاري، وكان شجاعًا، دائم الدفاع عن الحق، مما جعله يصطدم بممارسات رئيس الدير آنذاك، فعنفه الراهب متياس للإقلاع عن سلوكه بكل وداعة، لكن رئيس الدير قرر أن يتخلص منه فأصدر قرارًا بطرده من الدير، وفي ذلك الوقت سمع البابا يوساب الثاني عنه وقام برسامته أسقفًا على مدينة أسيوط والتي كان كرسيها شاغرًا، وكانت رسامته في 25 أغسطس من عام 1946م.
وقد لاقى الأنبا ميخائيل معارضة شديدة من باشاوات أسيوط في بداية الأمر، بسبب صغر سنه، لكنه مع الوقت اكتسب محبة الجميع وتقديرهم له.
وفي وقت لاحق ترأس الأنبا ميخائيل دير أبو مقار، إلى جانب رعاية شعبه بمدينة أسيوط، لكنه قدم استقالته لقداسة البابا شنودة الثالث من رئاسة الدير بسبب ظروفه الصحية.
في أسيوط شارك نيافة الأنبا ميخائيل بشجاعة في مواجهة الإرهاب والتطرف، وغيرها من الشائعات التي تفشت منذ السبعينيات وحتى التسعينيات.
ومن المعروف عن نيافة الأنبا ميخائيل علاقته الوطيدة بالسيدة مريم العذراء التي كثيرًا ما تظهر في عدد من كنائس وأديرة أسيوط، وهو ما يعتبره كثيرون سبب بركة لمدنية أسيوط وشعبها من مسيحيين ومسلمين، بل سبب بركة لمصر كلها.
ويعتبر الأنبا ميخائيل أكبر مطران في مصر وفي تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حتى ان البعض يدعوه بشيخ المطارنة وكبيرهم، إذ ظل أسقفًا ومطرانًا لمدينة أسيوط نحو 68 سنة، وقد عاصر الأنبا ميخائيل عبر حياته، من الميلاد إلى النياحة، سبعة من الآباء البطاركة هم: البابا كيرلس الخامس- البابا يؤانس التاسع عشر- البابا مكاريوس الثالث- البابا يوساب- البابا كيرلس السادس- البابا شنودة الثالث- البابا تواضروس الثاني. وعاصر من الرؤساء: الملك فؤاد الأول- الملك فاروق- ثورة 1952م- محمد نجيب- جمال عبد الناصر- محمد أنور السادات- محمد حسني مبارك- ثورة 25 يناير 2011م- المجلس العسكري- محمد مرسي- عدلي منصور- عبد الفتاح السيسي.
قال عنه نيافة الأنبا موسى- الأسقف العام للشباب- عند نياحته: “تنيح اليوم الأب الحبيب كبير المطارنة نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط بعد خدمات جليلة لسنوات طويلة قدم فيها خدمة مثمرة وعطاءً متميزًا”، ويضيف “عشن ابنًا لنيافة الحبر الجليل الأنبا ميخائيل على مدى أكثر من 60 عامًا نلت فيها بركة نيافته مرات عديدة وربطتني به محبة وثيقة وأحاديث مفيدة”.
إلى فردوس النعيم يا نيافة الأنبا ميخائيل طالبين صلواتك لأجل الكنيسة والوطن وعالمنا الإنساني.