المُـتعلمون المصريون المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة، عند تعرّضهم للدستور، ومناقشة المادة التى نصـّـتْ على أنّ الشريعة الإسلامية المصدرالرئيسى للتشريع، يتجاهلون التعرض للتعريف القانوني لمفهوم (الدولة) State حيث أنّ الدولة فى التعريفات القانونية (شخصية اعتبارية) مثلها مثل الشركات والهيئات والوزارت..إلخ، وأنّ الشخصية الاعتبارية ليس لها دين ولاتتعامل بالدين، لأنها تختلف عن (الشخصية الطبيعية) مثل عادل، جرجس.. إلخ حيث أنّ الشخص الطبيعى له حرية اعتناق ديانة مُـعيـّـنة (سواء بحكم الميلاد وتبعيته لوالديه، أوبإختياره عندما يكبر) بينما الأمرشديد الاختلاف مع الشخصية الاعتبارية، فإنها تتعامل مع المواطنين بشكل مُـجرّد بعيدًا عن ديانة من تتعامل معهم، فمصلحة الضرائب (كمثال) تفرض الضريبة على جموع المواطنين بغض النظرعن دياناتهم، والمعيارهونوع (الشريحة) حسب نشاط (المُـموّل) وحجم دخله أونوع وظيفته.. إلخ، ونفس الشىء تفعله مصلحة الجمارك، وهيئة الكهرباء والمياه.. إلخ وتبعـًـا لذلك فإنّ ما ينطبق على أية مصلحة حكومية ينطبق على (الدولة)
فلماذا تجاهل المُـتعلــّـمون المصريون تلك الحقيقة القانونية (البديهية) وتعمّـدوا تجنبها عند مناقشة تلك المادة الدستورية (الكارثية) التى تــُـقسّـم أبناء الوطن الواحد إلى (شعبيْن) بينما (كما هومُـفترض) أننا شعب واحد، ونخضع لقوانين الدولة (المُـوحـّـدة) والتى تــُـخاطب الجميع دون تفرقة، كما هومُـتعارف عليه فى كافة الأنظمة القانونية. كما أننا نخضع لما تفرضه علينا الشركات والهيئات وكافة المصالح الحكومية، بما يُـشبه (عقود إذعان) دون تفرقة بين (مسلمين وغير مسلمين)
والسؤال الثانى: (وفق قانون الاحتمالات) أنّ المُـتعلمين المصريين كانوا على علم بالتفرقة بين الشخصية الاعتبارية والشخصية الطبيعية، فلماذا كان (رعبهم) ورفضهم التعرض لتلك البديهية القانونية؟ وماتفسيرذاك الرعب وسببه؟ وهل معناه الانحيازللأغلبية (السكانية/ الدينية)؟ وهل هذا الانحيازعن تملق لتلك الأغلبية؟ أم عن توافق مع معتقدها الدينى؟ أم أنّ السبب الحقيقى هوالانحيازلمؤسسة (الدولة) التى أصرّتْ على تمريرتلك المادة المُـرسّـخة للعنصرية الدينية؟
كما غاب عن جميع مؤيدى تلك المادة الكارثية فى الدستور(من إعلام وتعليم ومُـتعلمين كبار) تحليل (المضمون) حيث أنّ نتائج تلك المادة (بفرض حــُـسن نية من صاغها ومن أيـّـدها) سوف تؤدى إلى ترسيخ المعانى التالية: 1- أنّ الدولة مُـنحازة لفئة من المواطنين بحجة أنهم يُـمثلون الأغلبية الدينية، فى مواجهة فئة أخرى بحجة أنهم يُـمثلون (أقلية دينية) وأنا هنا لا أهتم بما يـُـكتب عن (عدد المسيحيين فى مصر) فلوأنّ العدد (واحد مسيحى فقط) فهوفى النهاية (مواطن) له حقوق (المواطنة) ناهيك عن أنّ العدد بالملايين 2- أنّ هذا الانحيازسيترتب عليه تكريس نظرة مؤسسات الدولة لغيرالمسلمين، فى كافة التعاملات، مثل التعيين فى وظائف معينة خاصة وظائف الدولة العليا، مثل رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة المخابرات.. إلخ وهوماعبـّـرعنه محمد حبيب (واحد من نواب مرشد الإخوان) حيث كتب ((حين تتسلم الجماعة مقاليد السلطة والحكم فى مصرفإنها سوف تــُـبـدّل الدستورالسارى حالـيًـا بدستورإسلامى، يـحرم بموجبه كافة غيرالمسلمين من تقلد مناصب عليا، سواء فى الدولة أوفى القوات المسلحة. وأنه من الضرورى أنْ نوضح أنّ هذه الحقوق إنما ستكون قاصرة على المسلمين وحدهم دون سواهم)) (جريدة الزمان17/5/2005) 3- ومعنى ذلك أنّ الدولة كانت على توافق مع الأصوليين الإسلاميين(مع الاختلاف فى الدرجة) 4- أنّ هذا الانحيازهوفتيل إشعال حرائق الفتنة الطائفية (وهوما حدث طوال السنوات الماضية) فعند حدوث أية مُـشاجرة بين مواطن مسيحى وآخرمسلم، تتحوّل إلى (حرب دينية) رغم أنها مُـشاجرة طبيعية حول سعرسلعة أوأجرة خدمة. أوقصة حب بين فتى مسيحى وفتاة مسلمة.. إلخ. والكارثة أنّ تلك المُـشاجرات يترتب عليها (تهجير) المسيحيين من قراهم.
كما غاب عن المُـتعلمين المصريين (الكبار) المغزى الخطيرالذى حدث عند صدور دستور سنة1971، حيث كان النص فى دستور سنة 1964((الإسلام دين الدولة)) (مادة رقم5) وهو نفس النص فى المادة رقم149فى دستور سنة1923فلما جاء السادات حدثت ْالكارثة فكان النص الجديد ((مبادىء الشريعة الإسلامية المصدرالرئيسى للتشريع)) وتم الاحتفاظ بهذا النص فى التعديل الصادرعام2007. وبهذا النص كان على القضاء الالتزام (بمبادىء الشريعة الإسلامية) فكان (قانون الحسبة) الذى أدى إلى فصل الزوج عن زوجته (نصرأبوزيد نموذجًا) وقانون ما يـُـسمى (إزدراء الأديان) إلخ.
وعندما تعرّض فضيلة مفتى مصر(د. شوقى علام) لموضوع الشخصية الاعتبارية، مشى وراء الثقافة السائدة وتجنــّـب التعرض للتعريف القانونى للدولة (أى دولة) وأنها شخصية اعتبارية، وبالتالى فإنها ليس لها دين ولاتتعامل بالدين، أى أنّ فضيلته- مثله مثل غيره- منالذين يـُـغرّدون خارج الموضوع (أنظرمقاله- أهرام 6مايو2016)
وإذا كان هذا هو موقف مُـفتى مصر، وموقف المُـتعلمين المصريين (الكبار) فإنّ مصطفى باشا النحاس (الذى شغل منصب رئيس وزراء مصرأكثرمن مرة) كان يرفض كتابة (باسم الله الرحمن الرحيم) على أى مستند حكومى، وكان يُـبرّر موقفه (بأسلوبه الرقيق الدبلوماسى) قائلا أنّ تلك الورقة قد يكون مصيرها (صفيحة الزبالة) وعندما أعلنتْ وزارة الأوقاف عن مُـسابقة لتعيين موظفين، تقـدّم للإعلان مسلمون ومسيحيون.
وعندما ظهرتْ النتيجة كان من بين الذين تـمّ قبول طلباتهم عدد كبير من المسيحيين، فألغى وكيل الوزارة نتيجة الامتحان، فإذا بمصطفى النحاس يـُـصدر قرارًا من بندين: الأول اعتماد قرار تعيين كل المقبولين بما فيهم المسيحيين، وكان تعليله (فى نفس القرار أنهم مصريون قبل أنْ يكونوا مسيحيين) البند الثانى: تحويل وكيل الوزارة للتحقيق معه. وهكذا كان المناخ السائد قبل يوليو 1952.