أصبت بورم فى الرقبة ، وذهبت إلى الطبيب لأكتشف أنه ليس إلتهاباً فى الغدد كما توقعت، وقال لى طبيبى الإنسان الدكتور حسن شاكر: الآشعة غيرت ظنوننا،أنت محتاج لطبيب متخصص فى الأوعية الدموية ، وأنا أرشح لك الدكتور طارق عبد العظيم، وفى نفس اليوم والساعة ذهبت إلى المتخصص، وشاهد الآشعة وكانت المفاجأة غير السعيدة، قال لى الدكتور طارق:
هناك ورم على الشرايين السباتية التى تغذى الوجه والمخ بالدم، هذه الشرايين موجودة فى الرقبة وهى واضحة من الورم الذى فى رقبتك، نحتاج إلى عملية جراحية لإزالة هذا الورم، وقبل العملية نحتاج لأشعة أخرى بالصبغة على شرايين الرقبة (السباتية) وهى آشعة دقيقة لكنها ضرورية قبل العملية لتحديد مكان الورم.. خرجت من عند الطبيب وأنا فى حالة من الضيق والإحباط والدهشة.. ورم فى رقبتى! وعلى الشرايين التى تغذى المخ والوجه !.. يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.. هذه بداية النهاية.. جالك الموت يا تارك الصلاة.. لقد حان الوقت إلى الذهاب فى رحلة طويلة مجهولة لا عودة بعدها!.. إظلمت الدنيا فى وجهى، ودار حديث وحوار مع نفسى:
أأترك الدنيا فجأة دون استعداد؟
ومن ترك الدنيا وهو يعلم قبلها موعد رحيله؟!
لكنى لم أحقق كل ما أريد فى هذه الدنيا..!
ومن الذى حقق كل آماله وطموحه فى هذه الدنيا ألم يصفوها بأنها دنيا غدارة خادعة لذلك؟!
لكننى..
لكنك ماذا يا أنا؟ من أنت حتى تعترض على المرض وتعترض على الموت؟
ألم يمت كل الأنبياء والعباقرة والملوك والأباء هل اعترض أحدهم أو قدم إلتماساً لكى تستمر حياته حتى تنتهى مشروعاته ويحقق كل أحلامه إنك غريب عجيب يا أنا! ما هذا الغروب الذى تعيش فيه ويستغرقك تماماً؟
أنك إنسان كأى إنسان، وأنت تعلم منذ البداية النهاية، وأنك ستموت ككل البشر، ألم يقل أيوب النبى الذى علمنا الصبر: عرياناً خرجت من بطن أمى، وعريانا أعود إلى هناك..
كن واقعياً وعملياً وموضوعياً، يا أنا، وتقبل الموضوع بروح رياضية، فأنت إنسان، والإنسان لابد أن يموت، فكل نفسى ذائقة الموت.. وأنت قد وصلت إلى فوق السن القانونية.. أنت فوق الستين، وقد حققت فى حياتك كثير من الانتصارات، ألم تصل فى عملك إلى منصب نائب مجلس إدارة المؤسسة التى تعمل بها، ووكيلاً للوزارة؟ هناك من زملائك من لم يصل إلى هذا المنصب، فلماذا إلا ترضى عن حياتك وتسلم أمرك إلى الله؟ وتقول: إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، إن عشنا وإن متنا فنحن للرب.. لقد عشت.. يا أنا وخبرت الحياة وتمتعت كثيراً، وشاهدت أحفادك ولعبت معهم، وحققت نجاحاً فى عملك، وفى مجال الأدب والصحافة، وقمت بزيارة دول عديدة..
لقد عشت، يا أنا إلى هذه السن الجميلة 62سنة وأكثر وأنت متمتع بالقدرة على العمل والعطاء، والفكر والذكاء، فماذا نريد أكثر من ذلك؟! ألا تذكر أستاذك وصديقك أبو الفلسفة سقراط، عندما عرضوا عليه الهرب من السجن ومن حكم الإعدام، ورفض قائلا:
ماذا تضيف لى سنوات العمر القليلة التى سأهرب من أجلها؟ إنها لهب سيلسعنى كلما تذكرت هروبى لا تكابر يا أنا، ولا تخرج عن إنسانيتك ودورك فى الحياة الذى رسمه لك الخالق سبحانه وتعالى..
وتقدم إلى العملية الجراحية، التى قد تكون خطيرة، فإن عشت بعدها، فإنه مازال فى العمر بقية.. وأن مت فالى رحمة الله، فى طريق الأرض كلها.. وتذكر كلماتك التى كنت تكتب وترددها دائماً لتبعت الأمل فى نفوس الضعفاء والمغبونين والمكتئبين، ألم تقل:
تفاءل حتى الموت، بل تفاءل من الموت ذاته.. والموت ليس النهاية، بل هو بداية رحلة جديدة نتمنى أن تكون سعيدة هنيئة رائعة.
تذكر يا أنا كلمات شاعرك الفيلسوف إيليا أبو ماضى فى قصيدته الرائعة فلسفة الحياة.. فى قوله:
أنت للأرض أولاً وأخيراً كنت ملكاً أم كنت عبداً ذليلاً
لا خلود تحت السماء لحى فلماذا ترواد المتحيلاً؟
كل نجم إلى الأفول، ونكن آفة النجم أن يخاف الأفولا.
——————————-
هذا المقال كتبته منذ عشر سنوات تقريباً، ولم أنشره وعثرت عليه هذه الأيام بين أوراقى، وأشعر أن ممن حق القراء الأعزاء أن يقرءوا مشاعر وأحاسيس كاتبهم ليتعرفوا عليه أكثر، فأنا عاشق للحياة محب لها ومن هنا أقتحم الحياة دائماً ، اقتحم الصعاب والأمراض والمشاكل، وهذا الاقتحام فى حد ذاته يسعدنى، فقد تقدمت لهذه العملية الخطيرة واستمر الطبيب يجربها لى مدة ست ساعات، والحمدلله نجحت وتركت أثاراً بسيطة، وأصدرت بعدها ست كتب، ومازال فى العمر بقية.