رغم تكرار الدعوات الإعلامية والتصريحات الحكومية للحرب على الإرهاب منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم ، إلا إننا لم نلمس هذا فعليا على أرض الواقع ، فلم يعد يمر يوما على مصر إلا ونترقب جديدا على الساحة الإرهابية ، وأصبحنا من تكرار الحوادث الإرهابية لا نستطيع حصرها ولا يمكننا أن نجزم فعليا بتوقيت إيقافها .. أصبحنا نعيش في حالة من عدم الأمان وعاد إلينا الخوف من جديد وسط أصوات الإنفجارات والقنابل المروعه … وأصبح المصريون ينتظرون يوم الجمعه من كل أسبوع مهمومين و قلقين على أنفسهم وأبنائهم .. فنجد بعض الأسر تمنع أبنائها من الخروج بعد صلاة الجمعه من كل اسبوع تحسبا للحشد الإخواني المستمر لدعم الشرعية وما ينجم عنه من قتلى لأطفال لا يعرفون معنى كلمة السياسة وليست لديهم أطماع أو طموحات في الحياه سوى أن يجدوا الأمان .. وضحايا تزهق أرواحهم هباءا دون ثمن أو ذنب ارتكبوه .. وهذا هو حال المجتمع المصري .
إن كانت مصر أعلنت الحداد ثلاثة أيام لمقتل شهداء حادث التفجير الإرهابي في سيناء … فهذه ليست المرة الأولى لحادث إرهابي ….. وليست المرة الأولى لإعلان الحداد … وللأسف لن تكن الأخيرة طالما أن هناك ضعف وتقصير شديد من جانب أجهزة الدولة الأمنية.
إننا مغيبين تماما عن معرفة الدور الوقائي لأجهزة الأمن في التعامل مع الكوارث قبل وقوعها ، وتكرار هذه الحوادث أسبوعيا يعلن عن وجود خلل جسيم في أسلوب التخطيط لمواجهة الجريمة، وطالما أن الحوادث الإرهابية الماضية مرت دون دراسة جادة لأسبابها وعدم محاسبة المقصرين فيها ، فلا مانع من الوصول إلى ما نحن فيه الآن … أمهات تصرخ وأطفال يبكون ومجتمع بأكمله يتألم … والإرهاب مستمر.
إننا اليوم نعلن الحداد ليس فقط على شهدائنا من الجنود المصريين ولكن أيضا على عقولنا وأفكارنا التي شاخت وأصبحت غير قادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية وجعلتنا نعيش حالة من الفزع والرعب اليومي لما يحدث من حولنا .
إن الوضع المؤسف الذي آلت إليه مصر الآن يجعلنا نعيش حالة حداد على وطن ضاع منا وحكومة هشة ضعيفة غير قادرة على إدارة شؤون البلاد والخروج بها إلى بر الأمان .. لقد فشلت الحكومة فشلا ذريعا في التعامل مع الأزمات الراهنة رغم أحلامها الوردية عن المستقبل والإنجازات … أي إنجازات تحقق في وطن يسيطر عليه جماعات مسلحة ، وتغيب عنه أجهزة الدولة لحماية مواطنيها ، وأي مكان يتطلع فيه البشر للعمل والنجاح وهم مهددين بحياتهم طيلة الوقت . أين أنتم يا أصحاب العقول المفكرة ؟ أين التخطيط الجيد لمواجهة الإرهاب ؟ وأين دور الشرطة وأجهزة المخابرات ؟ إنها كارثة حقيقة أن تتكرر هذه الحوادث بهذا الأسلوب المؤسف .. والكارثة الأكبر أننا في كل مرة نبحث عن المجرمين ولا نجدهم .. وننتظر التحريات والتقارير الجنائية عن أسباب وقوع الحادث ولا نتعلم منها درسا جديدا لمواجهة أي خطر قادم.
كنت أتمنى أن يطلع علينا وزير الداخلية ليخبرنا بأنه تم القبض على هؤلاء المجرمين قبل تنفيذ العملية الإرهابية ، لم يعد لدينا طاقة أمل في الإصلاح .. ولم يتبقى لنا كثيرا من العمر لنضيعه في البحث عن وهم الأمان المفقود .. ولم يعد لدينا وقتا لننتظر الحكومة الجديدة للتغير والبناء.
إننا نهدم أكثر ما نبني وإن كانت هناك أيد واحدة ترغب في البناء فهناك مئات الأيادي ترغب في الهدم وعدم الإستقرار .
سيدي الرئيس لقد آمناك على أرواحنا وحياتنا عندما إنتخبناك رئيسا لنا ، وخرجنا وقلوبنا تملؤها الفرحة والأمل في الإصلاح والتغيير ، ووعدتنا من خلال لقائاتك الإعلامية أن الملف الأمنى هو الهدف الأكبر لك منذ لحظة توليك منصب رئيس الجمهورية ، وعندما خرجوا الملايين يستنجدون بك في الشوارع والميادين من بطش الإرهاب اللعين .. ساندتهم في أصعب المواقف الحرجة وأيدتهم في مواجهتهم للعنف الإخواني ..وضعنا كل ثقتنا فيك ورمينا بثقل أحمالنا على أكتافك لتحملها معنا لنعبر معا إلى بر الأمان … ونحن اليوم نطلب منك من جديد أن تنظر إلينا كما عاهدناك قائدا أعلى للقوات المسلحة .. قائدا للجيش يرتدي بدلته العسكرية ويخوض الحرب الشرسه على الإرهاب …. ليس لنا سبيلا سوى تدخلك القوي لوقف المجازر اليومية للأبرياء من أبناء الوطن ..
لقد تعبنا من تصريحات وشعارات المسؤولين وسادت بيننا حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل في القضاء على الإرهاب .. ليس لدينا سلاحا نحمي به انفسنا وليس لدينا من يحمينا في غابة ساد فيها قانون البقاء لمن يمتلك السلاح .. فهل هذا هو المستقبل الذي تمنيناه معك وحلمنا به يوما ؟
لم يعد أمامنا وقتا ليخيب أمل الشعب في قياداته .. ولم يعد هناك وقتا للبكاء والإدانة والإستنكار، ولم تعد هناك أما لم ينفطر قلبها على ولدها ، وأبا ندم على يوم أنجب فيه ابن .. وطفلا حرمته الأيدي الآثمة من أحضان أبيه …. وإن كنا غير قادرين أن نرد لكل أم ولدها ولكل اب أبنه … وإن كنا غير قادرين أن نجفف بكلماتنا ومواساتنا وعزائنا دموع هؤلاء .. ولكننا لابد أن نكون قادرين على عودة مصر من جديد … ما حدث ويحدث كل يوم على أرض مصر يحتاج حدادا لأيام وأسابيع وشهور طويلة ولن ينتهي الحداد إلا عندما ينتهي الإرهاب .
سيدي الرئيس لا تتخلى عن شعب قهرته السنين وعذبه الظلم … شعب جاع وتعرى ومرض وتألم وقهر طيلة السنوات الماضية .. لقد أصبحنا نبحث عن الحياة ولا نجدها حتى امتلأت صدورنا وقلوبنا مرارة وحزنا .. ظللنا صابرين ومتحملين الفقر والبطالة وتردي مستوى المعيشة والمحسوبية والفساد ولكننا اليوم لا نستطيع تحمل هذا الإرهاب …
إننا اليوم لا نريد إصلاحا إقتصاديا ولا نريد مشاريع عملاقة ولا نريد إنجازات مستقبلية .. إننا نبحث فقط عن أمننا وأماننا وسلامتنا .. نريد أن نداوي جراحنا ونطوي صفحات امتلأت بدماء شهدائنا .. لا نريد شهداء جدد ولا نريد أن تسفك قطرة دم غالية على أرض هذا الوطن .. وإن كنا نحن أبناء الوطن الواحد نقتل بعضنا البعض .. فأنت القادر على إصدار حكمك العادل … وحماية هذا الشعب المسكين الذي يدعو لك في صلواته بكنائسه ومساجده، فلا تخيب رجاء شعبك فيك ولا تضيع ثقتهم فيك .
سيدي الرئيس متى ستجف دموع المصريين؟ ومتى سيزول الألم من صدورنا ؟ ومتى تعود مصر إلينا من جديد ؟