أعتقد أنّ ماحدث فى المنيا بتعرية امرأة عجوز وغيرها من الأحداث العديدة أخيراً (بغض النظرعن أية تفاصيل) يضع مصر فى مفترق طرق: إما سبيل النهضة أو الانقراض مثل الديناصورات، لأنّ ردود أفعال أجهزة الدولة كانت إعادة إنتاج ما قاله المسئولون منذ سنوات، سواء فى الإعلام أو فى مؤسسة الكهنوت الإسلامي، حيث صرّح موظفو هذا الكهنوت، أنّ ((الحادث فردى)) وقال كبيرهم ((إنّ آحاد الناس من المُـتعصبين لن يُـغيـّـر من العلاقة بين عنصرىْ الأمة) وهنا وقع سيادته فى ثلاث مغالطات الأولى: معلوماتية حيث أنّ الذين اشتركوا فى الهجوم على أبناء القرية المنكوبة كانوا بالمئات، لدرجة أنّ أحد أبناء السيدة التى عرّاها الغزاة المُــتوحشون ، اضطرّ للفرار من القرية ، فكيف يكون هؤلاء الأصوليون الغزاة بالآحاد ؟وليته قال بالعشرات. المغالطة الثانية: تعبير (عنصرىْ الأمة) فشعبنا شعب واحد وإنْ اختلفتْ الأديان والمذاهب. وهو تعبير يـُـردّده – حتى المُـتعلمون المحسوبون على الثقافة السائدة . وهذا التعبير يرجع إلى الجذر التاريخى الذى فرّق بين المسلمين وغير المسلمين ، وتوارثه موظفو الكهنوت الإسلامى واقتنعوا به ، رغم أنّ عمره أكثر من14 قرنــًـا وتجاوزته التشريعات التى كتبها المؤمنون بالإنسان وكتبوها بدمائهم . والمُـغالطة الثالثة وصفه للغزاة بأنهم (من المُـتعصبين) بينما هم يستشهدون بالقرآن والأحاديث وسيرة الرسول.
أعتقد أنّ شعبنا الآن لا ينقسم بين مسلمين وغير مسلمين، وإنما بين مؤمنين بمصر فى مواجهة (جيتو إسلامى) وهذا الجيتو يتزعمه الكهنوت الأزهري وكهنوت العصابات الإسلامية التى يعمل أعضاؤها فى تنظيمات سرية/ تحت الأرض ، وانضمّ إليهم متعلمون محسوبون على الثقافة السائدة مثل د. العوا الذى كتب ((تطبيق الشريعة فيه أمان للمسلمين والمسيحيين والليبرالين والعلمانيين) (المصرى اليوم 31/7/2011) وإذا كان الإعلام البائس منحه لقب (المفكر) فهو لا يختلف عن الدكاترة الشيوخ مثل ياسر برهامى الذى ذكر أنّ وضع غير المسلمين كان دائمًا أفضل حالا فى الدولة الإسلامية (الدستور25/7/2011) وإذا كان العوا يتصوّر أنّ جمهوره من السذج أمثالى ، فإنّ الفريق المُـتسق مع نفسه ويرفض الغش ويرد عليه بالآيات القرآنية 17، 51، 72، 73 / المائدة ، 28، 59/ آل عمران ،16/ الفتح ، 29/ التوبة إلخ تلك الآيات التى تُـناقض كلامه بلا أدنى لبس. وكان د. أحمد عمرهاشم صريحًا ومتسقــًـا مع مرجعيته الدينية عندما كتب ((الإسلام لايمنع التعامل مع غيرالمسلمين، لكن يمنع المودة القلبية والموالاة، لأنّ المودة القلبية لاتكون إلاّ بين المسلم وأخيه المسلم)) (اللواء الإسلامى– العدد 153) وهل نسى شعبنا أعضاء حزب (أختي كاميليا) التى لم تكن أختهم قبل إشهارإسلامها. وقال عادل عفيفى رئيس حزب الأصالة الدينى إنّ عدد الأصوليين فى ميدان التحرير تجاوز4مليون. وكانوا مثل الأسود يُردّدون بصوت عالى (وا إسلاماه) فهرب الجرابيع (الليبراليون واليساريون والعلمانيون) من الميدان وأضاف (القوة الإسلامية بدأتْ متحدة. فقد كشفنا للناس قوتنا الحقيقية. وهذا إنذارلكل القوى السياسية نقول لها: انتبهوا هناك قوة ضخمة اسمها التيارالإسلامي والبرلمان المقبل سيكون إسلاميًا) (المصرى اليوم 31/ 7/2011)
الجيتو الإسلامي لم يكتف بتجريح وإقصاء كل مختلف معه، وإنما تجاوز ذلك إلى إقصاء مصر (الدولة) كلها عندما رفع أصحاب الجيتو العلم السعودى وشوّهوا العلم المصرى. فلماذا تجاوزالمسئولون عن هذه (الجريمة)؟ وهل لهذا (الصمت) علاقة بالسماح بأحزاب دينية رغم مخالفة ذلك للقانون الصادرفى 28/3/2011؟ وهل لهذا علاقة باختياراللجنة التى وضعت التعديلات الدستوية برئاسة طارق البشرى المُـتحوّل من مؤرخ محايد إلى داعية إسلامى ومعه صبحى صالح القيادى الإخوانى؟ وهل لهذا الصمت علاقة بما أعلنه محمد حبيب (مرشد) الإخوان أثناء افتتاح مدرسة (الصلح) التابعة للجماعة لتخريج دفعة جديدة تضم 110من (القضاة العرفيين) فى الشرقية وكفرالشيخ ليتولوا رئاسة جلسات فض المنازعات بين الخصوم؟ أى التمهيد لإلغاء القانون الوضعي والقضاء الطبيعي وهوما يتطابق مع أصحاب الجيتو الإسلامى الذين منحهم الإعلام السائد البائس صفة (السلفيين) رغم أنّ الدكاترة الشيوخ أعلنوا أنّ المسلم (الحق) سلفي بالضرورة. نفس الخطأ فعله (الإعلام) عندما وصف الإخوان المسلمين ب (الجماعة المحظورة) رغم نجاحها الساحق فى احتلال عقول شعبنا من خلال منابرهم وفضائياتهم إلخ. القضاء العرفي(الأصولي) يتواكب مع (وثيقة) منسوبة لمصريين وصفوا أنفسهم ب (طلبة العِلم السلفي) جاء بها (السلام الوطنى حرام وتحية العَلم شرك. وكل ما عدا عيد الفطروعيد الأضحى مثل شم النسيم إلخ باطلة. الموسيقى والتصوير حرام والمعابد الأثرية دياركفر. كرة القدم حرام. عدم معاملة النصارى إلاّ للضرورة ويجب أخذ الجزية منهم) (محمد شبل- جريدة القاهرة 5/7/2011) أوفصل ذلك عن تصريح د.العوا الذى وصف المختلفين معه بأنهم (شياطين الإنس) وقال إنّ (الاعتصام مخالف للشريعة الإسلامية) (خالد البرى- صحيفةالتحرير15/7/2011)
الأمة المصرية فى مواجهة الفاشية الدينية. فى إسرائيل فاشية دينية يقودها الإخوان اليهود الذين يُعارضون أى حق للشعب الفلسطينى، ويُحرّمون المسرح والسينما وحمامات السباحة وضد المرأة. وأنّ الدين اليهودى ((كما يهتم بشئون العبادة فإنه يُنظم شئون الدولة أيضًا، فليس هناك فصل بين الدين والدولة)) (د. رشاد عبدالله الشامى- القوى الدينية فى إسرائيل بين تكفيرالدولة ولعبة السياسة- عالم المعرفة الكويتى– عدد186ص92) الفرق أنّ التيارالعلمانى الإسرائيلى يتصدى للإخوان اليهود، بينما المسألة مختلفة فى التصدى لأصحاب الجيتوالإسلامى فى مصر. لواستسلمنا للفاشية الدينية فإنّ قادتها سينعمون بالتكنولوجيا الحديثة ويُحرّمونها على شعبنا، فلاتليفزيون ولاnet ولامسرح إلخ أى غلق الطريق أمام أية (عصرنة) لمصرنا وبالتالى لانهضة علمية ولاتقدم صناعي ولاحرية فكرية. وهل سيختلف الأصوليون المصريون عن الطالبانيين؟
قد تكون هذه قراءة تشاؤمية، ولكن أليس التشاؤم هو مرآة نرى فيها العكس؟ ألم يُخاطب الفيلسوف الألماني نيتشه شعبه قائلا ((عليكم أنْ تستشعروا الخطر دائمًا حتى تتقدّموا ولاتتخلفوا)) الأمل فى توحيد صفوف القوى الوطنية (ليبرابيين وعلمانيين ويسار) ووأد التشرذم ونبذ مغازلة الأصوليين خاصة بعد درس (الجيتوالإسلامي) فهل يستعد المؤمنون بمصر وبشعبها للتحدى القادم، ومعنا سلاح المعرفة الذى ينص على أنّ شعبنا شديد الإيمان بالتعددية. وأنّ (الأحادية) قشرة يسهل إزالتها لوامتلكنا الإرادة والوسائل. شعبنا جدل التعددية بالتدين الصادق. فهل تعلــّـم النظام من درس الماضى؟ أم أنه مُـصر على مُـغازلة الكهنوت الإسلامى؟