هذا المقال بمناسبة عيد الأم
كثيراً من الرجال يعتقدون أن طهو الطعام وغسل الأطباق ونظافة المنزل هو من عمل المرأة فقط، وأنه عيب على الرجل أن يفعل ذلك، وهذا مفهوم خاطئ تماماً، فالأدوار الاجتماعية حددها الانسان نفسه، وما كان يصلح للزمن الماضى قد لا يصلح لزماننا، فالرجل زمان كان يعمل ويكد وحده والمرأة لاتعمل وتظل فى البيت وعليها مسئولياته كاملة، أما الآن فقد تعلمت المرأة وخرجت الى العمل، وهى تعمل مثل الرجل تماما بل أحيانا تعمل أكثر، من هنا يجب أن نغير هذه المفاهيم التى عفا عليها الزمن، وهناك طباخون كثيرون من الرجال وأبناؤنا كانوا يسافرون إلى أوروبا لغسل الأطباق فى الفنادق، وهم يفعلون ذلك فى فنادقنا الآن.. يجب أن نعرف أن العمل، أى عمل، هو شرف وضرورة، وأعمال المنزل لا ترتبط بالنساء وحسب، فليس من المعقول أن يعمل الزوج مع زوجته فى عمل واحد، وساعات معينة، ويكونا متخرجان من كلية واحدة ودرجتهم الوظيفية واحدة، وربما تكون الزوجة فى درجة أعلى، ويعودا الإثنان من عملهما فى نفس الوقت، ثم يجلس الزوج واضعا ساقاً على ساق ويشخط وينطر فى زوجته لإحضار الطعام بسرعة، وهو فى سلبية تامة، تماما زى سى السيد الذى إنتهى زمانه!
لابد للزوج أن يكون عنده دم لا مؤاخذه ويساعد زوجته ماذا لو أعد هو حجرة الطعام ووضع الأطباق وأدوات المائدة؟ ماذا لو حمل أطباق الطعام من المطبخ إلى حجرة المائدة؟ ماذا لو وضع الخبز فى جهاز التسخين ثم حمله إلى المائدة؟ ماذا يعيب الرجل فى أن يعد طبق السلاطة على مزاجه؟
أكثر من ذلك أريد أن أسأل الرجل لماذا لا تساعد زوجتك مثلا فى غسل الأطباق مرة أوعدة مرات فى الأسبوع؟ هل هذا عيب؟ إنها الشهامة والرجولة الحقة أن تساعد زوجتك وتدخل مطبخك وتنظمه وترتبه لأن زوجتك تعمل مثلك ثم تعود إلى المنزل لتعد الطعام وترعى الأبناء وتشرف على كل شئ فى المنزل، وهى إنسانة مثلك تحتاج إلى الراحة والاستجمام.
وحتى لو كانت الزوجة لا تعمل ومتفرغة للبيت تحتاج لمساعدتك حتى تشعر أنها شريكة حياتك وليست الخادمة التى أحضرها بابا لسيادتك! إننا يجب مساعدة زوجاتنا حتى تسير العملية الإنسانية والحياة الزوجية فى مسارها الطبيعى لترفرف السعادة على الأبناء والزوجين والبيت كلة.. أعرف أن هناك زوجات لا يرغبن فى مساعدة أزواجهن لهن، وهن يطلبن ذلك، وفى هذه الحال فان الرجل قد تصرف التصرف المتحضر فى إبداء رغبته فى مساعدة شريك حياته فى مهامها الكثيرة فى البيت، وهى وإن رفضت فستشعر بتقدير زوجها لها كإنسانة وزوجة.
هناك من الشباب والرجال من يفعل ذلك فعلا ولكن عددهم قليل.
وقد تسألنى صديقى وصديقتى القراء هل تفعل أنت ذلك؟
وأجيبك بصراحة.. نعم أفعل ذلك بل إننى وزوجتى نتسابق فى غسل الأطباق والحلل كل يوم! وكاتب هذه السطور لو دخل حمام بيته ولم تعجبه نظافته فانه يأتى بالمقشة وأدوات النظافة ويقوم بتنظيف حمامه.
وأنا أعتبر هذا واجب ومسئولية وليس مجاملة لأحد أو فنتظية، فالزوجة إنسانة عليها مسئوليات كثيرة ويجب أن تشعر أن زوجها يقدر ذلك ويساعدها فعمل المنزل والمطبخ ليس وقفا عليها.
بل يجب أن يساعدها فى ذلك كل أفراد المنزل الزوج والأولاد والبنات لأن هذه حياتنا ويجب أن نحياها، وكلنا نعلم إن الخادمات أو المربيات أو مديرة المنزل تتقاضى اليوم مرتب موظف درجة أولى أو مدير عام!، ولذلك لا يستطيع الكثيرون إحضارها ومن هنا يجب أن نتعود على أن ندخل المطبخ ونغسل الأطباق ونرتب حجرات المنزل فهذا ليس عيبا بل هو واجب كل إنسان نحو نفسه، والعيب الحقيقى أن يجلس الرجل أو الأبناء فى بيت غير نظيف بسبب عدم قدرة الزوجة والأم على القيام بكل الأعباء مع العمل فى الخارج أو السهر ليل نهار للعمل فى البيت، وأذكر جملة كانت والدتى- رحمها الله- تقولها لى عندما أكثر من طلباتى لها فى طفولتى، كانت تقول:
يا أبنى أصبر هو أنا عندى ميت إيد..
من الطبيعى أن بعض الرجال الذين لا يريدون مشاركة زوجاتهم فى عمل البيت وكذلك الأبناء يتحججون بأنه ليس لديهم وقت لذلك مع أن الإنسان بشئ من التنظيم يمكن أن يجد وقت لكل شئ، وأبسط مثل على ذلك أن الزعيم الهندى(غاندى) 1869-1948م والذى هزم الإمبراطورية البريطانية فى عز مجدها بفلسفته اللاعنف، هذا الزعيم كان يجد وقتا لمساعدة زوجته فى أعمال المنزل بل ساعدها مرة فى الولادة عندما تأخرت المولدة وأضطر لأن يولد زوجته بنفسه، وهناك موقف آخر لغاندى يذكرله، فأثناء المؤتمر الهندى الأول الذى عقد سنة1901 فى الهند دخل حمامات المؤتمر فلم تعجبه نظافتها فطلب أدوات النظافة وقام هو بتنظيف الحمامات وهو رئيس المؤتمر نفسه.
زمفكرنا العملاق (عباس محمود العقاد) كان عندما تزوره صديقته سارة يغلق باب بيته ويساعدها فى تنظيف البيت وإعداد الطعام.. وعالم العلماء( ألبرت أينشتين) 1879-1955 م صاحب نظرية النسبية وغيرها كان يساعد زوجته فى أعمال المنزل وكان يعتز ويفخر بهذا.
عزيزى الرجل كن شجاعاً وأدخل مطبخك مع أبنائك وساعد زوجتك فأعمال البيت مشاركة وجدانية وإنسانية، ورياضة بدنية، وصحة وعافية، وأولا وأخيرا فانت تخدم نفسك.
العاشق يحب العمل، أى عمل، ويتفانى فيه ويستغرق لدرجة أنه ربما ينسى نفسه من أجل الآخرين.