– فوق .. اتنين .. تلاتة .. أربعة
– تحت .. اتنين .. تلاتة.. أربعة
الفناء الواسع يبتلع في جوفه العميق تلاميذ المدرسة، يمارسون التمارين الصباحية بملل وأبخرة كثيفة تنطلق من أفواههم الصغيرة، يصنعون أمواجا من التراب مع إيقاع أقدامهم المنتظمة .
يتسلل وسط زملائه بجسده النحيل وحقيبته المثقوبة .. يحرص ألا يشاهده أحد من المدرسين .. داخل جيوب الجاكت القديم يخفى يديه الصغيرتين .. يصعد إلى الفصل .. يزاحم زملائه فى الجلوس متجنبا المسامير المزروعة في المقعد.
يشارك زملائه فى إحداث الضوضاء العادية قبل دخول مدرس الرياضيات للفصل .. يضحك على صديقه صاحب الجسد الممتلىء عندما يسقط على الأرض . يجرى نحوه يساعده على النهوض ينظف مريلته .. يجلس بجوار النافذة المكسورة، يضع فمه بين قبضة يده، ينفخ بقوة لمواجهة الصقيع دون فائدة .
“الضرب بمجرد النظر” .. كتبها على السبورة المدرس صاحب الشارب الكثيف والبطن المنتفخ ليسود هدوء تام .
فى الآفق البعيد طائرة ورقية ملونة ، يحلم أن يمسكها .. يصعد إلى فوق ليغيب عن الزحام والمكان، فى الفسحة القصيرة يلعب الكرة .. يقاوم مخاوفه على حذائه القديم .. يستسلم لرغبات أصدقائه .. يشاركهم اللعب، تصل الكرة إلى صديقه، يسددها بقوة لتهبط فى المدرسة المجاورة، يطلب منهم أن يحملوه .. فى لمح البصر يصعد السور .. قفزة واحدة يصبح داخل فناء المدرسة الأخرى.
عالم آخر يهبط إليه للمرة الأولى ، ينبهر من نظافة المدرسة ، كلمات كثيرة بالإنجليزية فشل فى قراءتها، الأشجار المنتظمة تحتل مساحات كبيرة ، مقاعد منتشرة فى كل مكان ورائحة عطر لم يستنشقها من قبل، وأطفال يلعبون بملابسهم الموحدة النظيفة في الفناء المفروش بأرضيات لامعة .
يد غليظة تمسكه بعنف
– “إيه اللى جابك هنا يا حيوان”
يرتبك ، يحاول أن يجرى دون فائدة
– “أنت حرامى .. أنا هاندهلك الأمن”
– والله يا أبله .. أنا جاى اخد الكرة بتاعتى وبس
يلتف التلاميذ من حوله، يتطلعون إليه، يشاهدونه، ضربات عنيفة تسقط على جسده النحيل وشتائم تلعنه واهله ومدرسته معا .. يتوسل للعاملة أن ترحمه دون نتيجة .
فتاة جميلة بأسنانها البيضاء المنتظمة وشعرها البنى الناعم تتابعه باهتمام، يسوقونه إلى مكتب المديرة .. وقف أمامها يمسح بكفه الصغير دموعه المتلاحقة على وجهه الشاحب.
يفكر في العقاب المنتظر والفتاة هناك على الجانب الآخر تقف خلف النافذة الواسعة.. يدخل مدير مدرسته و3 من أساتذته، يقدمون الإعتذار لها والصغيرة تنظر إليه بعينيها اللامعتين لتشجعه فى حماس تجاوز معه صعوبة اللحظة.
فى حصة الرسم .. يمسك القلم ، يرسم وجوها كثيرة لا يحبها وباللون الأحمر يحرك القلم بعشوائية مقصودة كمن يشعل النيران .. وفي الجانب الآخر من الورقة رسم فتاة صغيرة وفتى ذو جسد نحيل يقدم لها طائرته الورقية الملونة.