تمر الأيام والسنون وتأتى ذكرى واحد من أهم الأبطال المصريين خلال شهر يونيو، وللأسف لا يتذكره إلا القليل من الناس ومن المفكرين.
انه الشهيد البطل الدكتور فرج فودة الذى حذرنا مما حدث لنا من مصائب وحرب شرسة ضد الارهاب ومن الفكر المتطرف الذى يتشدق بالإسلام وهو جاهل به، وقف الدكتور فرج على فودة أمام الرئيس الأسبق المخلوع حسنى مبارك يقول له بصيحة تحذير وحب وخوف على مصر العظيمة.. أين هيبة الدولة يا ريس؟
كان الرجل بفكره الثاقب الراجح، وبوعيه الوطنى المتحمس يخاف على بلده مصر مما حدث لها، للأسف، بعد موته، كانت رسالته واضحة ضد المغالاه فى الدين والتطرف ومغازلة السياسة للدين، كان يتحدث فى كل المناسبات والندوات، وشارك فى بعض المناظرات مع الشيخ الغزالى وغيره وأفحمهم جميعا، بل أضحك عليهم القوم، وكان يكتب فى الصحف مقالات من نار، وكذلك أصدر عدة كتب لتحقيق رسالته فى التنوير ومحاولة إنقاذ الوطن مما يحيك به من أخطار، ومن كتبه:
النزير.. و.. قبل السقوط، حوار حول العلمانية.. حتى لا يكون كلاما فى الهواء.. والحقيقة الغائبة ..وزواج المتعة ..والملعوب.. و.. نكون أو لا نكون.
ترك الشهيد البطل فرج فودة عمله الرئيسى، وكان حاصلاعلى درجة الماجستير فى العلوم الزراعية وعلى درجة الدكتوراه فى الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس، وعمل كأستاذ جامعى لكنه ترك كل هذا ليتفرغ لقضيته الكبرى وهى إنقاذ مصر من الإسلام السياسى الذى كان يعمل على تدمير مصر وتحويلها إلى مجرد جزء أو إمارة إسلامية، حاول الرجل وأخذ ينشر فكره المستنير فى كل مكان، بل وكان يصرف على نشر كتبه من جيبه وماله الخاص، وكنا نخاف عليه كثيرا من شجاعته وجرأته فى تناول موضوعاته وعدم خوفه من أحد، مع أن المتطرفين الفاقدين لعقولهم هددوه كثيرا، كنت أقول له، وكان صديقا عزيزا وأخا كريما.. [ يا دكتور فرج حاول أن تكون هادئا مع هؤلاء، أنهم لا يعرفون العقل ولا يؤمنون إلا بالقتل، ونحن نريدك أن تعيش بيننا فأنت قيمة إنسانية وفكرية كبيرة نعتز بها..].
وفى هدوء كان يرد على قائلا:
[ اسمع يا أخى فايز أنا سأموت فى يوم ما، وأنت كذلك بل وكلنا كذلك، وأنا لا أريد أن أكون جبانًا، من هنا فأنا أقول كلمتى حتى الموت فى شجاعة لإنقاذ بلدى وأمتى لو إستطعت.. ].
كان فرج فودة متواضعا للغاية، كنا نجلس فى صالون المستشار جمال عبد الحليم حسن، رئيس محكمة أمن الدولة سابقا، كل يوم أربعاء، وكان ينضم لنا الأستاذ الدكتور وسيم السيسى صديقنا المشترك، ونستمع لرأيه فى المشكلات الإجتماعية، وكذلك كان الأستاذ الدكتور وسيم السيسى يقدم لنا معلومات ذهبية عن تاريخنا المصرى القديم الذى نعتز به، وكنا أيضا نستمع لبعض الأغنيات، وكان يطلب دائما أغنية الفن للموسيقار محمد عبد الوهاب، ويتغنى بها مع المطرب، كان الدكتور فرج يهدينا كتبه المستنيرة الفكرية القيمة ويكتب لنا اهداء متواضع جدا فيقول إلى أستاذى.. وأقول له أنت الأستاذ وحرام عليك تكتب كده، فيقول يا أخى هذا رأيى!.
ونتيجة رسالته وشجاعته خسر الكثير بالنسبة لأبنائه وهم ولدان وابنتان، وبالنسبة لشخصه ورزقه، وفى النهاية استطاده رصاصات الغدر والجهل فى الساعة السادسة والربع مساء 8 يونيو 1992 م فى القاهرة أمام مكتبه فى مدينة نصر وهو فى عمر الزهور 47 سنة!.
ترى لو كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك قد اهتم بفكر ونذير الدكتور البطل الشهيد فرج فودة فى حينه وقضى على هذا الطاعون فى حينه، ألم نكن قد وفرنا على أنفسنا هذا الذى حدث لنا فى السنوات العجاف السابقة، ولكنا الأن فى حال أفضل بكثير مما نحن عليه الأن؟!
ثم ألا يستحق فرج فودة أن نحتفى بذكراه كل عام وأن نقيم له تمثالا فى أكبر ميادين مصر؟
للأسف الإرهاب مازال بيننا يتحكم فى شئوننا ويعطل مسيرتنا..
رحم الله الشهيد البطل الصديق فرج فودة.