اعلم جيداً أن موضوع سيدة المطار قد أخذ اكثر من حقه و لكنني لم استطع الا و أن أتوقف امام دلالاته، لانه في حقيقة الأمر هو مشهد يعكس لنا الواقع المصري بكل ابعاده المأساوية و بدون أي رتوش أو تجميل لذالك ظهر قُبح الواقع معلنا عن نفسه و أماط اللثام عن حقيقة كل مشاكل مصر المُزمنه، السياسية منها و الاجتماعية و ايضا الثقافية ، فهذا الحدث قد اظهر أول ما اظهر لنا هو عُمق أزمة التعليم في مصر و ذالك بانه اثبت ان كل مستويات التعليم في مصر الخاص قبل الحكومي ما هي الا مجرد وسيله للحصول علي شهادة تتفاخر بها و يا حبذا لو تكلفت أموالا طائلة للحصول عليها فعلي الفور توضع في برواز أنيق علي الحائط و لكن من الملاحظ و المؤسف ان هذه الشهادة ليس لها اي اي تأثير فعلي علي درجة التحضر و رقي السلوك و عمق المعرفه و التثقيف و من ثم النهوض بدرجة الوعي في المجتمع بشكل عام و لهذا فهي في رأيي قد فقدت نصف قيمتها .
و ايضا قد اثبت حدث المطار ان سيطرة رأس المال علي الحكم هي ثقافة مصرية اصيلة و لم تستطع كل ثورات مصر منذ عام ١٩٥٢ حتي ٣٠ يونيو السيطرة عليها بل قد ازدادت عدة مرات أضعاف ما كانت عليه ايام الإقطاع و الملكية و قد أزاد الطين بٓله بعدها عصر الانفتاح و ما احدثه من شروخ و تقاسيم و اتساع الفجوه بين التركيبه المجتمعيه مما أدي إلي انقلاب الهرم الاجتماعي ، و اصبح معه الفساد ثقافة عامة و حالة سرطانية منتشرة في كل اجهزة و أعضاء المجتمع و انحدر المستوي المجتمعي العام سواء في قمة الهرم أو في القاعدة ، ثم أضف إلي ذالك الطين بُله اخري عندما تم زواج المال بالسلطة الذي كان عماد السياسات الاقتصاديه لحقبه مبارك و لمدة ثلاث عقود ، لهذا فعبارة ” انت ما تعرفش انا ابقي مين ” هي اكلشيه مصري صميم لا تجده إلا علي ضفاف النيل في مصر المحروسة
اما علي المستوي السياسي فقد اظهر حدث سيدة المطار ان ترسيخ مفاهيم الديموقراطية لدي المجتمعات لا تتحقق فقط بحزمة من القوانين و التغيرات حتي لو كانت تغييرات في ابو القوانين و هو الدستور فان لم يكن هناك حالة من الوعي العام بفهوم حدود الحقوق و الواجبات لدي كل من السُلطه و الشعب فلن تكون هناك ابدا ديموقراطية كما هو متعارف عليها في العالم المتحضر و التي هي اهم احد أركانها هو حرية التعبير ، فمازال الوعي العام المصري لا يستطيع ان يرسم خطوطا لتحدد ضفافاً لهذه الحرية و قد كان مشهد سيدة المطار معبرا عن احدي الخطوط التي وضعها وعي مواطنة مصرية تلقت اعلي مستوي من التعليم و لم تعاني يوما ما من الفقر و الجهل او المرض بل علي العكس تماماً في تعتبر من ” النُخبة ” في المجتمع ان جاز التعبير حيث ان تعبير النُخبه قد اختلف تعريفه تبعا للحقبة التي كانت عليها مصر ، فمن الخمسينيات و حتي نهاية السبعينيات كان يقصد بالنخبة هي النُخبة المثقفة اما بعد هبوب رياح البترودولار المحملة بتلوث هباب النفط متوازية مع انفتاح السداح مداح مع إطلاق يد الاصولية الدينية لتعبث بالمنظومة الثقافية المصرية ،، فكل هذا في نهاية الامر قد أدي لوضع تعريف و مفهوم جديد للنخبه كالذي رأيناه في مطار القاهره، فالنخبه المصرية هنا كانت تُعرِف نفسها في مشهد درامي سياسي بديع يصلح للسينما و الإذاعة و التليفزيون و هو مشهد المواجهة بين السُلطه التنفيذية و سطوة رأس المال ” انت ما تعرفش انا ابقي مين ” !! فقد لخصت الجملة خلاصة ٧٠ عاما من العك السياسي و التدهور المجتمعي المتواصل حتي هذه اللحظة .