صرخت الموظفة في المواطن أثناء قيامها بتصويره لإصدار بطاقة الرقم القومي “بلاش تضحك يا أستاذ دي صورة رسمية.. حضرتك مش طالع رحلة للقناطر”، سحب المواطن الابتسامة فوراً، فاستغلت الموظفة التكشيرة الواضحة على معالم وجهه وبسرعة شديدة جداًّ التقطت صورة البطاقة، في نفس اللحظة التي بدأ يحرك شفتاه ليسألها عن سبب عدم الابتسام في صورة رسمية مع بعض”الحولان في عينيه”– دون أن يحرك وجهه – كرد فعل طبيعي لفتح موظف آخر باب الغرفة ودخول نسمة هواء “نكشت” خصلة من شعره الطويل.. اعترض المواطن بشدة على أن تكون صورة بطاقته غير ملائمة متخيلاً شكله الذي سيثير السخرية، رفضت الموظفة وزميلها اعتراضه وصرخت فيه مرة أخرى قائلة:”اتفضل يا أستاذ مش فاضيين ورانا مواطنين غيرك”.. خرج المواطن حامداً ربه شاكراً فضله على تمكنه من إنجاز المهمة التي ناضل من أجل الوصول إليها نحو ستين يوماً؛ كل مرة يصل فيها للشباك بعد انتظار طويل استمر لساعات طوال “النور يقطع” قبل لحظة التصوير التاريخية الفاصلة الحاسمة، وابتسم لأنه أوفر حظاًّ من الكثيرين الذين عانوا سنوات من أجل إصلاح بعض الأخطاء المميتة في بياناتهم أولهم زوجته “مرثا” التي أصر موظف تسجيل المواليد أن الكتابة الصحيحة لاسمها “مرسى” بحرفي “السين والألف اللينة” ويومها أعطى – الموظف- لوالدها درساً في قواعد كتابة اللغة العربية، مشدداً على أنه تربية موجه عتيد وفحل من فحول لغة “الـ ض”، ولم تنتهِ المشكلة عند هذا الحد، لأن شيخ الحارة قرر أن يضع إبداعه الخاص فسجل اسم زوجته “مرسي” بحرف الياء فتحول اسمها لاسم رجل بالغ راشد، والنكتة التي تجعله يسخر من زوجته حتى الآن أن كتابة اسمها الخاطئة تسببت في طلبها للتجنيد.. ظل المواطن يفكر في طريق عودته لمنزله غير البعيد عن مصلحة الأحوال المدنية بالعمرانية الشرقية بالجيزة في أسباب إصرار الموظفة على عدم الابتسام، وكأنها تنفذ خطة فرض التكشيرة التي ستصبح شعاراً لشعب ظل على مدار تاريخه المديد يبتسم ويضحك ويسخر من كل شيء حتى من نفسه، ربما الموظفة نفسها خضعت “لكورسات” مكثفة لنشر ثقافة الكآبة وعدم الضحك وكذا تغير ثقافتها الأساسية، ففقدت قدرتها على الضحك وقبوله وكذا الإضحاك، صناع البهجة أحيانا يصابون بالاكتئاب فما بالك إذا تعرضت أمة كاملة للمنع من الضحك بل وتجريمه، وقد يصل الأمر إلى تحريمه.. في الطريق مر أمام مقهى المعاشات كما يطلق عليه شباب المنطقة، لاحظ أن والده وأصدقاءه توفقوا عن الضحك على غير عادتهم، صامتون منهم يقرأ الجريدة ومنهم من يلعب الطاولة بشكل آلي وآخر يتأمل لا شيء، تذكر زوجته التي تحولت ابتسامتها الملائكية إلى مظاهر للعصبية المستمرة وشيل الهموم التي لا تنتهي، نجحت ثقافة الكآبة في غزو الشعب الساخر من كل شيء، واحتلت التكشيرة الصدارة ضياع الضحك كسمة رئيسية للشعب، لا يعني سوى أن وطناً ضاع ونحن نعيش في مجرد “بدل فاقد”.