ليسوا مجرد أرقام، كما تسردها وسائل الإعلام، فهم بشر، لهم كل حقوق الإنسانية، والحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية والوطنية. كل منهم ينتمي لأسرة، يشعر أعضاؤها أيا كان صفته: زوجة أوزوج، أم أو أب، أبن أو أبنة، أخ أو أخت، أنهم حزاني بسبب فقدان شهيد غالي عليهم. 2016 شهيدا مدنيا هى حصيلة العدوان الإسرائيلي لقطاع غزة.
الأهمية ليست في الأعداد، رغم ضخامتها، ولكن في دلالاتها، ومدى الحزن الذي يخيم على الشارع الفلسطيني الغزاوي، والمستقبل المظلم لأجيال من الأطفال والشباب. فكما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية فإن 2016 فلسطينيا استشهدوا في العدوان الإسرائيلي، بينهم 541 طفلا و250 سيدة و95 رجلا مسنا، بينما أصيب 10196 فلسطينيا آخرين بجروح.
مخطط إسرائيلي أميركي لتقسيم المنطقة
لا ينفصل العدوان الإسرائيلي، عن حلقات الفشل المتتالي لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما خارجيا، والتي تأكدت داخليا بمظاهرات العنف الداخلي وعدم الاستقرار في ميسوري وفيرجسن. لقد تكشف أن العدوان الإسرائيلي علي غزة، جزء من المخطط الأميركي الإسرائيلي لإعادة صياغة المنطقة الشرق أوسطية. وتبقي قوة القضية الفلسطينية في مواجهة العدو الإسرائيلي رهينة بالتكاتف العربي خلف فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية من فتح وحماس وبقية الفصائل إعلاء للشأن الوطني الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
هنا تبرز أهمية قيام العواصم العربية الفاعلة مع القاهرة بلعب دور محوري لمواجهة التحركات القطرية التركية، التي تمثل غطاء للأجندة الأميركية، الساعية لتقسيم المنطقة، تحت مسمي ثورات الربيع العربي الإسلامية، عبر توفير الدور التمويلي والدعم اللوجسيتي والضغط الإعلامي والغطاء السياسي، لجماعات في دول عربية، أصبحت تعاني وعانت من صراعات وانقسامات، وصلت لحد الحروب الداخلية والإنقسامية الجغرافية للدولة الواحدة، في اليمن، وسورية، وليبيا. ولكن تكسرت المؤامرة على صخرة مصر وجيشها الوطني، بسبب هيمنة جماعات عنيفة، مغلفة بمسحة الإسلام السياسي.
فتيل الحروب الطائفية في المنطقة
لقد حاولت تل أبيب وواشنطن القضاء على القضية الفلسطينية نهائيا، والتخلص من فكرة المقاومة الوطنية لتقرير حق المصير الوطني الفلسطيني. ولم تكتف مؤمرات الإدارة الأميركية بذلك، بل عملت على إذكاء واشعال فتيل الفتن الطائفية في المنطقة، لتشتيت قوى الجيوش الوطنية في المنطقة، حيث ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، المعروف بشوفانيته ودمويته الطائفية في العراق وسورية، والذي دعمته دول عدة من بينها دول مجاورة ذات مصالح ضد الشعبين العراقي والسوري، ولكن سرعان ما انقلبت داعش عليهم وهددت حدودهم وأمنهم الوطني. وهنا تبرز أهمية دور الإعلام العربي، لتوعية الرأي العام بالمؤامرة الأميركية الإسرائيلية، لتصفية القضية الفلسطينية، وتشتيت قوى الجيوش الوطنية العربية، بحروب داخلية وإقليمية، على أسس دينية وطائفية.
يبدو أن المخطط الأميركي الإسرائيلي كان ساذجا، لأنه افترض غياب الذكاء عن الشعوب العربية، في أن الفارق كبير بين السعي لتحقيق الحرية والديمقراطية وتقرير المصير من ناحية، وبين تقسيم المجتمع الواحد لفرق متقاتلة على أسس طائفية وعرقية. لكن في السياق الغزاوي، فإن الأمر يتطلب التنسيق بين باقي فصائل وحركات المقاومة الوطنية، الساعية لاسترداد الحق الفلسطيني.
وفي هذا السياق، أكد خالد البطش القيادي في “حركة الجهاد الإسلامي” وعضو الوفد الفلسطيني المفاوض إلى القاهرة أن المقاومة مستعدة للذهاب إلى حرب إستنزاف طويلة الأمد مع إسرائيل. مجددا رفض المقاومة التوقيع على اتفاق لا يلبي مطالب الشعب الفلسطيني.
راهنت حماس، على تحالفها مع قطر، التي تفتقد للخبرة التاريخية والسياسية في التعامل مع القضية الفلسطينية ومعادلاتها المعقدة. هنا نذكر أن مصر قدمت مبادرة للصلح والتهدئة، لكن الدوحة ضغطت على حماس لرفض المبادرة. وكانت مصر على قدر المسؤولية، ولم تسحب المبادرة رغم موافقة تل أبيب عليها. وفضحت المؤامرة الأميركية، عندما حاول جون كيري زيارة مصر، ومعه ممثلين من قطر وتركيا، للجلوس على مائدة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القاهرة، لكن الأخيرة رفضت استقبالهم، لأن هذا الأمر يمس سيادة القاهرة، وتضحياتها التاريخية للقضية الفلسطينية، ويجعل الصورة تخرج كما لو أن قطر وتركيا هما الوحيدتين اللتين تعملا لمصلحة القضية الفلسطينية. في هذا السياق وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاقتراح المصري بأنه لا يرضي تل أبيب ويهدد بعدم مواصلة وقف النار والشروع في حرب استنزاف ضد إسرائيل.
نزع سلاح المقاومة خيانة
مع الغزو البري الإسرائيلي للقطاع، تأكدت حقيقة أن المقاومة الوطنية، الرشيدة سياسيا والبرجماتية ميدانيا، هى التي تحقق المصلحة الوطنية الفلسطينية. وحماس في النهاية، شأن باقي فصائل المقاومة، حركة فلسطينية، تسعي لتحقيق الهدف الأسمي، وهو إعلان الدولة الفلسطينية. وهنا شدد عباش زكي عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” على وجوب انتهاج سياسة فلسطينية جديدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وتم الاتفاق داخل القيادة الفلسطينية على أن “نزع سلاح المقاومة خيانة”.
الدور المصري الخليجي
لا يخفي على أحد حالة محورية الدور المصري الخليجي في القضية الفلسطينية، قضية كل العرب. ولهذا تعمل القاهرة على محورين الحفاظ على أرواح المدنيين الفلسطينيين قدر الإمكان، مع خلال مبادرات التهدئة، والأمر الثاني يتعلق بأن القاهرة مستعدة أن تفتح بصورة منتظمة معبر رفح، على أن يكون ذلك بإشراف مصري فلسطيني مشترك، على أن يكون الحرس الجمهوري الفلسطيني هو المشرف علي المعبر من ناحية غزة.
تتعاطف وتعمل بالطبع القاهرة والعواصم الخليجية لحماية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني الأعزل. من هنا كانت مبادرات بعض الدول ومنها مصر وبعض دول الخليج، لدعم حق الشعب الفلسطيني المدني في الحياة الآمنة، ولهذا فتحت مصر نقاط المرور والمعابر مع قطاع غزة للقوافل الطبية والإنسانية والغذائية. لكن الدمار النفسي والمعنوي كبير للغاية، فالحزن يخيم على كل أرجاء القطاع وفلسطين.وقدرت الخسائر الأولية للعدوان الإسرائيلي على غزة بما لا يقل عن 6 مليارات دولار وحدود 8 مليارات دولار، حسب تصريحات مفيد محمد الحساينة وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني.
هذا وتدرك عدد من العواصم العربية، حقيقة الدور التركي في المنطقة، وحنينها لمحاولة استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية في المنطقة. إذ يذكر أن الاحتلال البريطاني انتزع غزة من أيدي الأتراك عام 1917 قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى، لتكون بذلك من أكبر الانتصار ات، التي حققتها بريطانيا، وأكبر المشكلات، التي تواجهها في نفس الوقت. وكان أول ظهور للدبابات الإسرائيلية في غزة عام 1956، كجزء من التحركات في إطار أزمة السويس الكارثية، على الرغم من أن إسرائيل أعادت الأرض إلى مصر بعدها بعام واحد. وفي حرب الأيام الستة عام 1967، عادت إسرائيل واحتلت غزة وسيطرت على الحياة بها، ولا زالت تفعل ذلك حتى الآن.
المقاومة سند قوة للمفاوض الفلسطيني
في هذا السياق، لا يجب أن يغيب عنا أن قضية فلسطين، هي قضية كل العرب، وليس قضية الفلسطينيين فقط. ومن ثم فإن أى هزيمة لفلسطين هي هزيمة للعرب والمسلمين، والعكس صحيح. إن غياب هذه المسلمة عن ذهنية صانع القرار، سيمثل ضررا بالقضية أكثر من دعمها، وسيقدم خدمة تاريخية للعدو الإسرائيلي، لأنه سيضعف المقاومة الوطنية، ويجعل إسرائيل تعربد في الأراضي العرب، التي من حق شعوبها العربية الإستقلال وتقرير المصير.
هنا تبرز أهمية احياء قيم ومبادئ وقيم المقاومة الوطنية، التي تحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، وليس فصيل أو جماعة ضيقة، بحيث يمثل اصطفاف فصائل المقاومة الفلسطينية بنيانا قويا، وحائط صد وطني عتيد ضد عربدة المستعمر الإسرائيلي، وانتهاكاته المتكررة، ضد شعب مدني أعزل، تحميه العناية الإلهية، وتكاتف العرب، وتوحد حركات وفصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية، لإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب أن تمارس الدول العربية الفاعلية، نوعا من الضغط السياسي المخطط والهادف، بغرض فك الارتباط بين حماس والدوحة وأنقرة وكلاء أميركا في المنطقة. وأن تعيد هذه الدول حساباتها تجاه الإدارة الأميركية الحالية، وتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
ويتطلب هذا الأمر، قيام القاهرة بفتح قنوات الحوار والتواصل والوساطة مع مختلف فصائل المقاومة الوطنية في فلسطين، خاصة وأنها تاريخيا علي علاقة عميقة مع القاهرة. والإعلان عن خطة عربية موحدة، تقودها مصر بدعم عربية، وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة الوطنية لبحث سبل تلبية الاحتياجات الإنسانية والضرورية للشعب العربي الفلسطيني.
مسؤولية عربية لدعم فلسطين والمقاومة
كما يجب على العواصم العربية أن تقدم سياسات وسلوكيات واقعية تؤكد استمرار إيمانها بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الحصول علي دولته المستقلة ذات السيادة، وبما يقود إلى تكذيب بعض وسائل الإعلام، التي تبث أن العربدة الإسرائيلية في غزة، بتنسيق وموافقة ضمنية من بعض العواصم العربية.
إن الانقسام الفلسطيني يقوي من موقف إسرائيل وعربدتها في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، ويخدم المشروع الأميركي المتآمر على تقسيم المنطقة العربية. ومن المهم أن تعي العواصم العربية الفاعلة أن تقوية ودعم حركات وفصائل المقاومة الوطنية، يعني دعما للموقف الفلسطيني على مائدة المفاوضات، لأن تل أبيب لن تقدم أى تنازلات لمفاوض ضعيف، وقوة المفاوض الفلسطيني تأتي من قوة حركات المقاومة، التي تنسق معه، لتحديد الخطوط الرئيسية للمصلحة الوطنية الفلسطينية، لتتوحد غالبية، إن لم تكن كل حركات وفصائل المقاومة تحت راية مقاومة وطنية واحدة، تعبر عن حزمة قوية ومتماسكة من المطالب والأهداف الشعبية والوطنية الفلسطينية.
وعلي المفاوض الفلسطيني أن يعي جيدا أن تكون هناك يد على السلاح، وعين تراقب الأعداء، وعزيمة مقاومة تتحدى نقص الإمكانات وقلة الإمداد، فسلاح المقاومة هو ما سيضغط على المفاوض الإسرائيلي لتقديم التنازلات. وهذا ما تؤكده كتائب الشهيد جهاد جبريل الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، التي شاركت في التصدي للتوغل الإسرائيلي في المناطق الشرقية جنوب قطاع غزة.
على أن يتوازى هذا مع مشاركة قوية من الدول العربية بمؤتمر إعمار غزة، المزمع تنظيمه في القاهرة، مطلع سبتمبر القادم، فور التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق نار دائم بين إسرائيل والفلسطينيين. ويأتي إعلان النرويج -التي تترأس لجنة تنسيق المساعدة الدولية للفلسطينيين، قبل فترة حساسة، حيث تجرى جولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القاهرة برعاية مصر. وأكد بورغي بريندي وزير الخارجية النرويجي أن الأموال التي سيتم جمعها، ستوضع تحت تصرف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بهدف إعادة اعمار غزة.