الله الواحد الأحد، سبحانه وتعالى، قبل الأديان وفوقها وبعدها والى أبد الآبدين، وقد خلق العالم الواسع الجميل البديع لنا، ثم خلقنا لنعمره ونجمله ونعمل على استمراره وسلامته وأمنه.
خلق الله الإنسان عى أحسن صورة، وأبدع فى خلقه حتى يتمتع بالصحة والعافية، ثم وهبه هدية قيمة ثمينة خصه بها دون غيره من الخلق وهى.. العقل.. الذى هو زينة الإنسان والموجه له طول الحياة، وعرفه الحكمة التى هى فلسفة الحياة الكريمة حتى يهتدى بها ويسير على نهجها، فالحكمة هى ابداع العقل والتفكير.. ولأن الإنسان وأخيه الإنسان، بل جعل الجميع سواسية فى كل شئ، ولأنه أب لكل البشرية فهو يشرق بنور شمسه وهدوء قمره على الجميع، ويمنح خيراته للجميع، ولا يريد من الناس إلا العمل على اعمار هذا العالم، والحب بين الجميع حتى يتم الاعمار والسلام.
الله قبل الأديان، فمنذ خلق الإنسان وهو يبحث عن الخالق العظيم الذى لا يعرفه، فظنه الرعد والبرقوالحيوانات القوية إلى أن ارتقى الفكر الإنسانى فظن أن هناك آلهة عديدة لهذا الكون، ومع الرقى اهتدى الانسان الى أن الخالق لابد أن يكون واحداً، كما قال أبو الفلسفة سقراط، وأرسطو الذى قال المحرك الذى لايتحرك، وهل ننسى أخناتون أبو التوحيد ونشيده، وحتى المفكرين الذين رفضوا الأديان والحياة الأخرى قديما لم ينكرو وجود خالق ومنظم لهذا الكون، فكونفوشيوس العظيم الصينى صاحب المذهب الأخلاقى الانسانى لم يكن يؤمن بالعالم الآخر أو بوجود إله ومع ذلك كان دائما يتحدث عن إرادة السماء. وهل إرادة السماء ما هى إلا ارادة الله؟ ان الانسان فى شوق لمعرفة الخالق العظيم، الله جل جلاله وعلى الرغم من تعرفه عليه خلال بحثه جل لا ان عظمة الله تجلت فى الرسالات السماوية التى فيها قدم سبحانه وتعالى نفسه للبشر ويأمرهم بالخير والحب،ومع إختلاف الرسالا السماوية إلا أن فلسفتها حدة، وهذا منطقى وطبيعى ألبس صاحبها ومرسلها واحد والخالق العظيم؟!.
جاءت الرسالات السماوية لتساعد الإنسان فى كل مكان على الحياة سليمة وتعلمه الايمان بالله وكيف يكون سعيدا فى هذه الحياة عن طريق القيم والفضائل التى قدمتها له، وكلها واحدة مشتركة ومع اختلاف الرسالات، فكلها تشجعه على الحب واحتام الانسان لاخيه الانسان، وتأمره: لاتقتل، لاتكذب، لاتضر بغيرك، لاتكن مغرورا ولا ضعيفا، استخدم عقلك هدية الله لك وهو يرشدك الى الصواب، الى آخر هذه التوصيات التى لايخلو منها دين سماوى أو دين وضعى أو أخلاقى.. هو دستور للإنسان حتى يكون إنسانا فعلاً.
من عجب أن يفهم بعض رجال الدين الرسالات السماوية فهماً خاطئاً محوراً، ويبتعدوا عن الجوهر الحقيقى والسامى لها، فيحدث الاختلاف فى التفسير، وليت الوضع يظل كذلك بل ينقلب الاختلاف إلى مناقشات حامية ثم معارك دامية تبعد الرسالات السماوية والدين عن اهدافه السامية فيقتل الأخ أخاه والابن أباه، وينقسم الدين الواحد إلى عدة مذاهب مثلما حدث مع المسيحية التى انقسمت بعد معارك وحروب دامية إلى المذاهب الثلاثة: الأرثوذكسية.. والكاثوليكية.. والبروتستانت أو الإنجليين.
ومازالت هذه المذاهب وإن هدأت المعارك وحل محلها المناقشات العقلية التى تفهم أهداف الدين الحقيقية.
وجاء الإسلام ليهدى الناس ويحرر العباد ويهديهم الى سبل الرشاد والحياة السعيدة الإنسانية. ومرة أخرى يقع المسلمون فى نفس الخطأ الذى وقع فيه المسيحيون من قبل، يختلف البعض فى فهم جوهر الإسلام وهدفه ويشطت البعض فى التفسير وتزداد المناقشة ثم فقدان العقل فيكفر المسلم اخاه بل ويحل دمه وتكون المصيبة والطامة الكبرى، وينقسم المسلمون إلى مذهبين رئيسيين سنة وشيعة، بل نجد مذاهب أخرى كثيرة لا حصر لها.
وتشتعل المعارك وتغرق الأرض بالدماء مع أن رسالة الإسلام رسالة سلام وحب واحترام للآخر فى جوهرها.
ألم يقل الإسلام: لكم دينكم ولى دين..و.. لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ..و.. المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.. وغيرها من المعانى الإنسانية السامية.
لماذا هذه الاختلافات والهرطقات والبعد عن جوهر الرسالات السماوية؟ أيرضى السيد المسيح وهو القائل: الله محبة أن يتقاتل المسيحيون بهذه الطريقة الشرسة وهو الذى نادا. على الأرض السلام؟! أيسر سيدنا محمد بهذه الحروب بين المسلمين وبين انفسهم وألوف القتلى وذبح الانسان كما الحيوان وهو الذى عرفنا بالأسماء الحسنى ومنها السلام رمز الله عز وجل؟! أيسعد بودا صاحب المذهب الاخلاقى المثالى بأن يقتل البوذيون المسلمين فى صيانمار دون سبب أو جريمة إلا أنهم مسلمون؟!.
هكذا فقد بعض المتدينون حكمتهم وصوابهم، وتحولوا من الإيمان بالله والقيم الإنسانية إلى التعصب والحقد والكراهية فساروا فى طريق الإرهاب والقتل والتدمير ونسوا أن الأديان والرسالات السماوية والوضعية تدعو إلى الرحمة والحب والتعمير، ولم يخلقنا الله لنتقاتل بل لنعيش فى سلام ونهمر الكون ونسبح بحمده وفضله علينا.
السؤال الذى يفرض نفسه علينا هو: لقد خلقنا الله شعوباً وقبائل مختلفة، حتى بصمة كل واحد من ملايين البشر تختلف عن الآخر، وهذه إرادته ومشيئته فكيف يجرؤ أحد أن يجعل الناس جميعاً على دين واحد وشكل واحد؟ إذا كنت تؤمن بالله فعلاً فيجب عليك أن تحترم مشيئته وتتعامل مع البشر كما خلقهم وأرادهم هو.
التدين الحقيقى أن تحب خليقة الله كلها وتتعامل معها وتحترمها وتساعدها على الحياة السعيدة وتنشر الحب والعمار والسلام. والسذاجة كل السذاجة أن تحاول بالقوة والإرهاب والقتل أن تجعل الجميع على دين واحد، وأن تمنع غير المسلمين أن يرددوا كلمة ولفظ الجلالة، لأن الله ملك الجميع، وهو قبل الأديان وفوقها وبعدها وإلى الأبد، وهو أب كل البشر، وهو السلام الذى يحميهم، والخالق الذى يضع مصائرهم.