تزعجنى جداً جداً الفضائيات الدينية المنتشرة عبر الأثير والتى تقتحم بيتك بل وحجرة نومك سواء كانت قادمة من الخارج، أو من الداخل، وسبب الازعاج هو الكم الكبير لهذه الفضائيات، وهى بمثابة( بوفيه مفتوح) يحار الإنسان فى إختيار النوع الذى يناسبه، ويؤدى دوره الإعلامى الحقيقى فى التنوير والإرشاد، وتقوية علاقة الفرد بربه وبمجتمعه وأسرته، وبناء المواطن السوى الشخصية الذى يعيش سعيدا معافى متمتعاً بالصحة الجسمية والنفسية والروحية القوية.
هذه هى رسالة أى فضائية دينية ترسل من اى جهة فى العالم، كما اعتقد، أو كما يجب أن تكون، فالدين رسالة سامية تدعو إلى مبادئ الاخلاق، واحترام الآخر، بل واحترام الحيوان والنبات وكل شئ حى، وتنظيم علاقته بالآخرين.
الحقيقة أن فلسفة الأديان واحدة، والسبب واضح ايضا وهو ان الخالق العظيم، الله جل جلاله، واحدا، وهو يرسلها لنا لنهتدى ونعمل معا من أجل سعادة الإنسان فى كل مكان.
فعندما احترم الاخر احترم نفسى فى ذات الوقت، لأننى هو الاخر بالنسبة لغيرى، والاخر هو اخر بالنسبة لى، وكلنا مجتمع انسانى خلقنا الله لكى نعيش، ولم يخلق احدنا اعظم من الاخر، بل خلقنا جميعا بامكانيات واحدة، وجسد عبقرى ينمو ويقاوم الامراض، ثم توج ذلك كله بأن أهدانا هدية ثمينة جدا، تفوق اللألئ والمورجان والذهب والياقوت، هذه الهدية هى العقل، الذى يفرق بين الانسان وكل المخلوقات الاخرى.
المشكلة فى حياة الانسان انه احيانا ينسى او يتناسى او يهمل عقله، هذا هو السبب الرئيسى فى كل مشاكل الإنسان، أن ينسى أعظم هدية أهداه الله إياها وهى.. العقل.
أن ينسى نفسه كواحد فى المنظومة الإنسانية، واحد مثل الكل، والكل سواء، لكنه ينسى نفسه ويهمل عقله ويعتبر نفسه أفضل واعقل واقوى واخير من غيره، فيتصرف بعنجهية وعظمة، ويعتبر فكره وعقله احكم من الاخرين، ويضع نفسه فى مرتبة عالية بالنسبة للبشر، ومصيبة المصائب أن يعتبر فكره ودينه واعتقاده افضل من الاخرين، وتأتى الصدمة او النكبة من ان يعتبر غيره كافر، وانه المؤمن الوحيد، وبالتالى يريد أن يغير فكر الاخرين ومعتقداتهم واديانهم بالقوة والسلاح والارهاب. هذا ما نتعرض له هذه الايام من فكر ارهابى متسلط يدعى انه هو الاسلام، وغيره حتى المسلمين الاخرين ليسوا كذلك، فما بالك باصحاب الاديان الاخرى هذه مصيبة المصائب، وهؤلاء المرضى بالتعصب والذين يريدون ارهاب العالم ونشر افكارهم واديانهم بالقوة والسلاح والقتل والفضائيات الدينية الفاشلات والتى تدعو الكراهية والبغض والتدمير ليست دينية ولا تعرف حقيقة وفلسفة الدين الاسلامى، او اى دين اخر، فالدين ماهو الا مجموعة قيم ومبادئ اخلاقية تنشر الحب والسلام والعمار بين البشر، لأن الله خلق الانسان ليعمر هذا الكون لا يدمره ويحرقه ويقتل الانسان نفسه كما ينادون، وكما يفعلون ويرتكبون الجرائم كل يوم..
ياسيدى الشيخ الجليل الذى تحقر من شأن اصحاب الاديان الاخرى انت للاسف لست رجل دين ولا تعرف دور ومهمة رجل الدين الحقيقى فى نشر الحب والسلام والعمار فى العالم بل انت تنشر الحقد والكراهية والقتل والتدمير ولن تستفيد شيئا إلا الخراب.
هذا الكلام ليس لرجال الفضائيات الاسلامية المسمومة والتى تهاجم المسيحية وغيرها يوميا كل ساعة، بل اننى هنا اهاجم ايضا اى كاهن قبطى او واعظ مسيحى يهاجم الاسلام او عقيدة انسانية اخرى، لان الواقع ان فلسفة الاديان واحدة، والاخلاق والسلوك والفضائل التى يدعو اليها اى دين او عقيدة اخرى لا تخرج عن احترام الانسان وصونه ونشر الحب مع الاخرين، والعيش بالعمل الصالح وتجنب الرزيلة والبعد عن الجريمة، واحترام الانسان اساسا لانه انسان بغض النظر عن اللون واللغة والجنس والدين واى اختلافات اخرى، لانه لو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، لكن إرادته ارادت هذا التغيير والاختلاف وليس لأى انسان الحق فى الاعتراض على مشيئة الله سبحانه وتعالى.
من انت ايها الانسان مهما بلغت من قوة وجاه وسلطة؟. من انت لكى تعترض على الله وعمله وخلقه للبشر؟!.
انك ساذج ونسيت انك خلقت من طين وستعود فى النهاية إلى الطين، يقول الشاعر ايليا ابوماضى:
انت للارض اولا واخيرا كنت ملكا او كنت عبدا ذليلا
لا خلود تحت السماء لحى فلماذا تراود المستحيلا؟
كل نجم إلى الافول، ولكن افة النجم ان يخاف الافولا
يا اصحاب الفضائيات الدينية اسلامية او مسيحية او غيرها تعلموا الاخلاق والفضائل من دينكم، واعرفوا ان فلسفة الاديان واحدة، ولا تحقروا او تهاجموا اصحاب الديانات والعقائد الاخرى، لان الجميع يعبدون الله.
واذا اردتم ان تقدموا خيرا للبشرية والانسانية فعلموا اصول الدين الذى تمثلوه وفضائله وفرائضه لتباعكم وعندئذ ستخدمون الدين فعلا، وابتعدوا عن التعصب الذى هو ضد اى دين حقيقى، فالدين بل والاديان تحث على الحب والتقوى والبر والرحمة، وتحرم الحقد والكراهية والقتل والتدمير.
يا رجال الدين فى كل العالم اتقوا الله الذى تعبدوه وارحموا الانسانية من هفواتكم وشطحاتكم وتعصبكم الاعمى واتركوا العالم لخالقه فهو اولى منكم به.