اهتمت وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية بقضية العنف داخل الجامعات المصرية ، وأكدت من خلال تصريحات المسؤولين عن وجود قوانين رادعة سوف تطبق على أي طالب يلجأ للتظاهر أو ممارسة الشغب داخل الحرم الجامعي ، على إعتبار ان الجامعة مكانا للعلم وليس التظاهر وممارسة العمل السياسي .
ورغم هذه التصريحات والمحاولة المستميته للإعلان عنها قبل بداية العام الدراسي الجديد ، إلا أنه يبدو لنا أنها أصبحت سرابا لا وجود لها فعليا .. إن ما نشهده اليوم من تظاهر طلاب الإخوان في معظم جامعات مصر هو دليل قاطع على استمرار الحشد وارتكاب العنف من جديد داخل هذه الجامعات .
كيف يمكن أن تستقر الدراسة بهذه الجامعات طالما أن حالة الفوضى والشغب مستمرة ولماذا لم تطبق اللوائح الجامعية منذ اليوم الأول بمعاقبة هؤلاء الطلاب بتوجيه إنذارا لهم بالفصل من الجامعه ليكونوا عبرة لغيرهم من أعضاء الجماعة الإرهابية ؟ وكيف يتسنى للطالب المسالم الذي ذهب إلى الجامعة بحثا عن العلم أن يأمن على نفسه وحياته وسط هؤلاء الغوغائيين ؟
إن فكرة تواجد شركات الأمن لحماية الطلاب والمنشآت الجامعية ليست كافية لتأمين سير العملية التعليمية داخل الجامعات وخير دليل على ذلك هروب عدد من أفراد الأمن إثر حدوث شجار بينهم وبين عدد من طلاب الإخوان في الأسبوع الأول من بداية العام الجامعي ، إصابة آخرين إثر فض اشتباكات بين الطلاب ، لقد توقعنا أن التصريحات والقوانين الصادرة لوقف العنف والتظاهر بين طلاب الإخوان كافية لمنعهم من ارتكاب أي سلوكيات منافية للقواعد والقوانين الجامعية ، لكن اكتشفنا بعد أيام قليلة من هذه التصريحات عودة الشغب والتظاهر من جديد من منطلق شعار ” نحالف دعم الشرعية ” إلى متى سيستمر هذا التيار الفكري في تخريب وتدمير ليس فقط عقول الشباب الذين هم ضحايا له ،إنما أيضا تخريب المنشآت التي تتكلف الدولة ملايين لتجهيزها وإعدادها.
لم يكتفوا طلاب الإخوان بالقتلى الذين سقطوا خلال العام الجامعي الماضي والبالغ عددهم وفقا لتقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير أربعة عشر طالبا ، ولم ترهبهم قرارات رؤساء الجامعات بالفصل النهائي من الجامعه ؟ فماذا إذن ننتظر من هؤلاء الطلاب المغيبين فكريا والذين ينفذون مخططا للجماعة الإرهابية في إرهاق أجهزة الدولة وخاصة الجيش والشرطة للتصدي لشغبهم وعنفهم .
ومن هنا يؤسفني القول إننا ندور في حلقة مفرغة ، فإذا كان أفراد شركات الأمن مدربين ومؤهلين لتفتيش الطلاب والطالبات فهم غير مؤهلين لمواجهة أي سلوك شغب أو عنف من أي طالب جامعي وليس لديهم أي صلاحيات في التعامل مع الأزمات الفعلية ، لأن موظف الأمن في النهاية هو مواطن مثله مثل أي طالب عادي ، لا يمكنه عمل تحريات عن الطلاب أو متابعة سلوكهم داخل الجامعه أو القبض على أي طالب في حوزته أسلحة أو مواد متفجره .
ولذلك نعود للوراء من جديد ونتساءل الآن عن دور وزارة الداخلية ؟ لقد أخطأ رؤساء الجامعات عندما طالبوا القضاء الإداري بمنع وجود حرس جامعي من وزارة الداخلية داخل الحرم الجامعي ، وهذه هي أكبر كارثة دفع ثمنها الطلاب الضحايا خلال العام الماضي ، وبذلك جاءت الفرصة على طبق من ذهب لطلاب جماعة الإخوان في ممارستهم للأعمال الإجرامية .
والعجيب أننا بهذا الحكم القضائي والذي اعتقدنا من خلاله أننا نحافظ على ممارسة حرياتنا الفكرية داخل الجامعة ، فقدنا من خلاله حرياتنا أيضا … وأصبحنا جميعا مقيدين ومرهوبين من إنتشار الأفكار المضادة لنا من الجماعات الإرهابية .
لقد تعلمنا في الجامعات المصرية لسنوات وسنوات لم نشهد يوما طالب تعدى على زميل له أو أستاذ جامعي أو أي أثاث داخل الجامعة، بل الجميع يهابون الإقدام على أي تصرف قد يضيع عليهم الفرصة في التعليم .
إن قوة القانون هي من ترهب الطالب وتجعله يخشى الحبس أو السجن ، وليس التصريحات الصادرة من المسؤولين ، لقد تجاهلنا وجود أجهزة الشرطة القوية لسنوات طويلة وكانت نتيجتها فوضى ودمار للمنشأت الجامعية وعدم قدرة أعضاء هيئة التدريس على القيام بمهامهم التعليمية ونفقات عالية تتكبدها الدولة لإصلاح ما أفسده العابثين .
إلى متى سنظل نبحث عن طريق النجاه وهو أمامنا ولا نراه ؟ ولماذا الإنتظار ؟ ولماذا نغامر بأرواح أبنائنا وطلابنا بالجامعات لتجربة فكرة شركات الأمن لحماية الجامعات؟ إننا نضيع وقتا وندفع أموالا لهذه الشركات دون الوصول إلى ما نريد ؟ ليس هناك ما يمنعنا من الإعتراف بأخطائنا عندما قبلنا ترك الجامعه بدون حرس جامعي … وسعينا وراء القضاء رافعين شعارا وهميا وهو استقلال الجامعات المصرية .. والآن يا رؤساء الجامعات المصرية هل حصلتم على الإستقلال الذي ناديتم به ، وهل تحقق هدفكم في عزل الداخلية عن ممارسة أعمالها داخل الحرم الجامعي ؟ أيهما كان أفضل بقاء ضباط الداخلية أم بقاء البلطجية ؟؟
لقد ظللتم تنادون ولفترة طويلة أن الحرم الجامعي هو مكانا مقدسا و منبرا للعلم ، لابد أن يتمتع فيه الطالب بحرية الفكر والتعبير عن الرأي حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن .
قد نخطيء في حياتنا عندما نتخذ قرارات متسرعة وغير مدروسة ، ولكن الخطأ الأكبر هو الإستمرار في طريق عواقبه وخيمة..لابد من مراجعة أنفسنا وتصحيح مسارنا حتى لا تزداد الأزمة تفاقما ويحدث ما لا يحمد عقباه .