الموعد الصباحى المعتاد لخروجى من المنزل ،أدير السيارة واستعد لانطلاقة فى الغالب مزعجة ،أتوجس خيفةً من حادث فى الطريق ،أو لجنة مرور تعطل الدائرى،أو أى عبث يقود إلى توقف حركة السير ،المتعة الوحيدة هى فى الانتقال ما بين محطة إذاعية وأُخرى ، ولإن “اللى يخاف م العفريت يطلع له” كان الطريق مأساوياً لسبب عبثى لم أكتشفه،فلا حادث ولا لجنة مرور،وغالباً فإن السبب الوحيد هو هكذا يجب أن تسير الأمور فى مصر .
المهم..مارست متعتى الوحيدة فى رحلة العذاب اليومية ، متنقلةً ما بين محطةٍ وأُخرى ،حتى توقفت أمام البرنامج الصباحى الذى يقدمه ماركو على “ميجا إف إم”، كان الضيف خبيراً فى العلاقات الأسرية،يقدم نصائح للمتزوجين من خلال التعليق على اتصالات المستمعين ، الاتصالات كلها مناسبة لمتزوجين شباب ،مشكلات تبدو تقليدية،حتى جاء اتصال من رجل مفعم بالحماس لنقل تجربته فى الزواج ، قال أنه متزوج منذ عامين ،من ابنة عمه، التى كانت لا تنتقده إطلاقاً طوال فترة الخطوبة وحتى يوم الزفاف، لكنه بدأ يلحظ انتقاداتها بعد الزواج مباشرةً، حتى بدأت تظهر بشكل مباشر بعد حوالى ست أو سبع أشهر من الزواج، وبسؤاله عما تنتقده فيه بالفعل،أجاب بأنها تتهمه بالبخل ، وبعد إفاضة فى الحديث عن تحمله للمسئولية وحاله الذى يعتبر ميسوراً، وعدم تردده فى تلبية طلباتها الأساسية ، سأله الخبير عما يعتبره أساسى وغير أساسى فى الحياة، لم يجب المتصل بشكل مباشر،فأراد الخبير المساعدة،وضرب مثلاً هزلياً برفض الزوج شراء تكييف أو تشغيله ،فأجاب المتصل :”نعم” ،الإجابة التى بدت فكاهية ،كانت حقيقةً،فالزوج سرد أهمية عدم تشغيل مكيف الهواء طوال اليوم ،وأنه لابد من إيقافه عن العمل لمدة نصف ساعة كل ساعتين ،لأن ذلك يكلف الكثير من الكهرباء التى ارتفع ثمنها،وحال البلد غير مستقر ، الخبير صمت للحظات ،ثم أجاب بأنه لم يتصور بأن التكييف حقاً قد يكون سبب المشكلة،لكنه طالما أنه السبب،لابد من التوقف وإعادة الحسابات ؛فأى علاقة زوجية تلك التى تواجه مشكلةً بسبب جهاز تكييف ؟! ، الحقيقة أن المتصل بدا متفهماً ولم يكن رده حاداً ،حتى حين نصحه الخبير باللجوء إلى استشارة متخصص لإنقاذ الزواج،الذى يوشك أن ينهار بسبب فاتورة الكهرباء!.
وأنا..لم أعد قادرة على الفهم ،هل يمكن فعلاً لعلاقة زوجية أن يهددها مشكلة عدد ساعات تشغيل التكييف فى اليوم؟!،ألهذهِ الدرجة وصلت هشاشة علاقاتنا الأسرية،فى بلد يعتقد مواطنوه أنه لايعانى سوى من مشكلات السياسة؟، نحن بالفعل نواجه أزمات فى علاقاتنا الإنسانية أقوى بكثير من تلك التى تهدد حياتنا العامة والسياسية،حين تتهم زوجة زوجها بالبخل لأنه لايسمح لها بتشغيل “التكييف”الذى وافق على شراءه حين الاستعداد للزواج؛هى فى الحقيقة تتهمه بالبخل نحوها ،بخل فى الحب والعطاء والرعاية،والزوج الذى يعتقد أن زوجته ليست فى حاجة لتشغيل جهاز تكييف طلبته أثناء الإعداد للزواج،هو فى الحقيقة زوج لايهمه راحة زوجته ولايكترث بما تشعر به حال وجودها فى “منزله”، “التكييف”يا سادة هو رمز للبرود الذى يحكم علاقاتنا الأسرية،وللزيف الذى يؤطر هذهِ العلاقات منذ لحظات بناءها الأولى،فنحن نهتم بما تحتويه منازلنا من المقتنيات،ولانكترث أن تتحول تلك المنازل لـ”بيوت” تحتوينا بدفء لا يتوقف عند حدود ساعات تشغيل التكييف!.