مرض نفسي خطير عرفه الإنسان وعانى منه منذ نشأته، وله صور عديدة ولكن المرض واحد.. هناك من يتعصب للكرة، ومن يتعصب للرجل ضد للمرأة، ومن يتعصب لجنس معين أو لغة أو لون، أو نظام وأيدولوجية معينة، بل في البيت الواحد نجد الأب الذي يتحيز لإبنه أو إبنته دون الآخرين، وكل منا يحمل نوع من الإعجاب لنظام أو فريق كرة أو قائد أو فنان معين.. لكن هذا الإعجاب إذا زاد عن حده إنقلب إلى ضده وأصبح تعصباً يدفع صاحبه إلى الدفاع المميت ثم إلى التطرف والعنف، وهنا تكمن الخطورة.
التعصب الديني هو أشهر أنواع التعصب هذه الأيام، والمتعصب يرى في دينه كل شئ جميل وعاقل وأحكم ما يكون، وهذا حقه، لكن المتعصب دينياً لا يعرف دينه حقيقة، أو هو ليس متديناً حقيقياً، لأن المتدين الحقيقي الذي يؤمن بأي رسالة سماوية يعرف أن فلسفة الأديان واحدة، سواء كانت سماوية أو وضعية، فكلها تدعو للخير والحق والحرية والإنسانية السعيدة، فلا توجد ديانة أو مذهب أخلاقي يدعو الإنسان أن يؤذي غيره أو يتحكم فيه أو يقتل أو يقطع مصادر رزقه أو يحتقره، وذلك لأن الخليقة كلها من صنع الله عز وجل، الخالق العظيم، الذي هو أكبر مما نتصوره أو نتخيله.
وقد خلقنا سواسية وأنعم علينا بالعقل الذى به نغير الدنيا ونعمرها، وشاءت إرادته أن نكون مختلفين فى الشكل والجنس واللغة والدين، هذه إرادته هو فكيف يتخيل أو يتصور أحدنا أنه يستطيع أن يغير دين الآخر أو لغته أو معتقده، أليست هذه إرادة الله؟!
لقد خلقنا الله أحراراً، ووهبنا العقل وترك لنا الحرية في الإيمان وإعتناق مانستريح إليه، ولأن الله يعرف أن الإنسان ملول بطبعه أنزل عدة رسالات سماوية، وسمح بوجود عدة مذاهب أخلاقية ليمارس الإنسان حريته فى إعتناق ما يريد ولأنه سبحانه وتعالى لا يعرف التعصب فهو يحب خليقته الإنسانية كلها، ويغمرها بخيره ويشرق عليها بشمسه، وينعم عليها بالطعام والشراب والسعادة، وحتى الشعوب التى لاتؤمن به يمنحها كل حاجاتها لأنها خليقته جبلته وهو: الرحمن الرحيم الكريم العاطي الواهب المغنى.
واذا كانت هذه هى إرادة الخالق العظيم فكيف يأتى عبد من عباده ويعترض – أستغفر الله – على إرادته ويريد بل ويعمل على تغيير دين الآخر ومعتقداته؟
أليس هذا تطاولا وتعصباً إنسانياً مريضاً؟!
ان المتعصب ينظر إلى الغير وكأنهم أقل منه فكرياً ومستوى إنسانياً، ويعتبر نفسه أفضل منهم في كبرياء وغرور ويمنعها ويحرمها أي دين.
التعصب مرض إنسانى نفسى وهو ضد الأديان كلها فهل يرضى الله أن يتقاتل المسيحيون وتصل دمائهم إلى الركب كما حدث فى العصور الوسطى؟! وهل يرضى الخالق أن يتقاتل المسلمون مع بعضهم( سنة وشيعة) وتسيل دمائهم؟! وهو السلام الذى أنزل الرسالات السماوية من أجل تكريم الإنسان وسعادته؟! إن التعصب يغمض أعين المتعصبين عن حقائق ورسالة الأديان الواضحة فى الحب ونشر السلام، وهو كأي مرض يغير من طبيعة الإنسان فتتغير رؤيته للأشياء وللكون، مثل الذي يصاب بعمى الألوان، أو الذي يفقد حاسة الشم.
المتعصب إنسان غير موضوعي، فقد يدفعه تعصبه الأعمى للنظر إلى القيمة أو الشئ الذي يدافع عنه ويتعصب له، نظره مقدسة تغفل سلبياته في نفس الوقت الذي ينظر فيه إلى كل سلبيات الآخر ويتغافل عن كل حسناته ومزاياه.
ومن هنا فان نظرته أحادية لا تطيق إستيعاب الآخر ولا تعترف به، وتترك عواطفه تتجمع ضد الآخر وتتحول لحقد وكراهية، فتصبح قنبلة تنفجر فى أية لحظة، وعندما تنفجر تدمر وتقتل بلا حدود.
والمتعصب يقتل الآخرين ويخرب الحياة ويحولها إلى رماد ثم يتحول إلى نفسه فيقتلها أيضا. لقد كان هتلر متعصبا ً جدا للجنس الآرى، وأدى إلى إشتعال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 وقتل 55 مليون إنسان، ثم بعد ذلك قتل نفسه وإنتحر بعد أن طلب من زوجته الإنتحار أيضا ولم يمضي على زواجهما عدة دقائق.
هكذا التعصب يدمر الجميع، من هنا فأنا لا أخاف على نفسى من المتعصب لأنه مريض نفسياً، يقتل الآخرين حتى أبناءه وأسرته وأحبابه ثم يقتل نفسه أخيراً، ولهذا أشفق عليه وأقول له: أيها المتعصب أنا لا أخاف منك بقدر ما أخاف عليك لأنك أخي في الإنسانية وأنا أحبك وأدعو الله أن يشفيك ويعفو عنك.