اشترك يسوع في أفراح قانا الجليل ليقدّس الزواج المسيحي بحضوره، ويرفعه من درجة عقد طبيعيّ بين الرجل والمرأة إلى مقام سرّ إلهيّ يكون مجلبةً للنعم الكثيرة التي يحتاج إليها المتزوّجون طوال أيام حياتهم، فيستطيعون بفضلها أن يعيشوا عيشةً مقدّسة، ويتحمّلوا بصبر ومودّة متبادلة أعباء الحياة المشتركة، ويربّوا أولادهم تربية صالحة.
وكان هدفه الثاني من اشتراكه في العرس أن يؤكّد لأهل العرس – ولجميع المسيحيّين من بعدهم – أن الفرح محبّب إليه، ولكن يجب عليهم أن يتقيّدوا بقواعد الأخلاق الصالحة والآداب السليمة في ملابسهم وتصرّفاتهم ومظاهر أفراحهم، وأن يمارسوا فضيلة الاعتدال في المآكل والمشروبات، ويتمتّعوا بأفراح العرس في جوّ بريء، فينبذون عنهم الاستسلام إلى الرقص المعيب والأغاني القبيحة والسُكْر والمبلغات الأثيمة.
أمّا الهدف الثالث الذي توخّى يسوع إصابته فهو حٓمْل المسيحيّين على الثقة بمريم أُمّه العذراء وطلب شفاعتها..
إن هذه المعجزة حملت أبناء الكنيسة منذ القرون الأُولى في الشرق والغرب، على أن يتضرّعوا إلى مريم العذراء ويسألوا شفاعتها التي لا تُخزى.
لقد فهموا أن شفاعتها لا تتعارض مع شفاعة يسوع ابنها ولا تنوب منابها. فإنه يتبنّى شفاعة أُمّه العذراء ويحملها إلى الله الآب، ويجعلها في شفاعته شفاعة واحدة ووساطة واحدة، فيبقى هو الشفيع الأصيل والوسيط الأوحد بين الله والنَّاس. كما ذكر القديس بولس الرسول ذلك في رسالته الأولى إلى تيموثاوس: ” إن الله واحد ، والوسيط بين الله والناس واحد ، ألا وهو المسيح يسوع الإنسان ” ( تيموثاوس الأولى ٢ : ٥ ) .
والهدف الرابع هو تقوية إيمان تلاميذه الجدد برسالته السماويَّة. لقد تبع يسوع خمسة رجال وأرادوا أن يكونوا له تلاميذ.
وكان يسوع يعرف أنهم كانوا بحاجة إلى برهان يبيّن لهم أنهم لم يُخطئوا في اتباعه والبقاء معه. فاغتنم هذه الفرصة المؤاتية وقدّم لهم البرهان الذي يزيل عنهم كل تردّد، ويؤكد لهم أنهم كانوا على صواب عندما لبّوا دعوته وانضمّوا إليه. وكان البرهان الذي قدّمه لهم أنّه صنع معجزة لا يصنعها إلاّ الله وحده. وأطلع الرجال الخمسة مع أهل العرس على هذه المعجزة فمجّدوا قدرته الفائقة وآمنوا به وتبعوه نهائياً.