خلاص:
الخلاص في لغة الكتاب يشمل: الخلاص المادي, والخلاص الروحي.
فالخلاص المادي مثل قول الكتاب: خلاص من أعدائنا من أيدي جميع مبغضينا (لو1:71). ومن أمثلة قصص الخلاص التي وردت في سفر القضاة, والخلاص الذي كان يصنعه الله علي يد شمشون الجبار مثلا (قض14:16).
أما الخلاص الروحي فهو الذي تم بالفداء علي الصليب.
هو الخلاص من الهلاك الأبدي, الذي قال عنه الإنجيل: وهكذا أحب الله العالم, حتي بذل ابنه الوحيد, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو3:16). ومن وسائل الحصول عليه, قول الرب: من آمن واعتمد خلص (مر16:16).
وعن هذا الخلاص قال عنه القديس بطرس الرسول: نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس, الذي فتش وبحث عنه الأنبياء.. (1بط9:10). ويقول عنه القديس بولس الرسول: تمموا خلاصكم بخوف ورعدة (في2:12).
وقد تعني كلمة خلاص: الخلاص المنتظر في الأبدية.
حينما نتخلص من هذا الجسد المائت, ومن هذا العالم المادي, وعن ذلك الخلاص المنتظر يقول القديس بولس: فإن سيرتنا نحن هي السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع, الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده (في3:20, 21).
ولما حمل سمعان الشيخ يسوع الطفل علي يديه, قال: الآن يارب تطلق عبدك بسلام, لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب (لو2:29, 30).
وهو هنا يعني بداية قصة الخلاص.
الخلاص الذي أهل موكبه, وإن لم يكن قد تم بعد..
وكلمة الخلاص قد تعني أيضا غير المباشر, أو تعني وسائله.
وهكذا ينسب أحيانا إلي أشخاص, ليس لأنهم هم الذين يخلصون, حاشا, فقد قيل عن الرب: ليس بأحد غيره الخلاص (أع4:12). وإنما لأنهم يكونون الأداة التي يستخدمها الله في توصيل الناس إلي الخلاص, أو إلي وسائل هذا الخلاص..
والأمثلة عن هذا كثيرة في الكتاب:
من ذلك قول القديس يعقوب الرسول: من رد خاطئا عن طريق ضلال, يخلص نفسا من الموت, ويستر كثرة من الخطايا (يع5:20). وقال يعقوب الرسول: وخلصوا البعض بالخوف, مختطفين من النار (يه23), وقول القديس بولس الرسول: لاحظ نفسك والتعليم وداوم علي ذلك, فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا (1تي4:16).
فما معني كل هذا؟! هل يستطيع إنسان أن يخلص إنسانا؟
كلا, بل هو يقوده إلي التوبة لخلاصه (يع5:20) أو إلي مخافة الله لخلاصه يه23. أو إلي كلمة الله لخلاصه (1تي4:16). وحتي هذه الوسائل كلها لا تخلص في حد ذاتها, لأنه لا خلاص إلا بالدم بالفداء, ولكن هذه الوسائط توصل إلي استحقاق الدم.
ومن هنا نسب الخلاص إلي هذه الوسائط.
ويتحدث الكتاب عن الخلاص بالإيمان, أو الخلاص بالمعمودية, أو الخلاص بالتوبة, ليس لأن مجرد الإيمان أو المعمودية أو التوبة تخلصه, وإنما لأنه بالإيمان وبالمعمودية وبالتوبة يستحق دم السيد المسيح الذي يخلصه.
ولذلك قلنا إن كلمة خلاص أو يخلص هنا إنما تعني الخلاص غير المباشر..
وكلمة الخلاص كما تعني الخلاص من عقوبة الخطية, قد تعني أيضا الخلاص من الخطية ذاتها.
فعبارة خلصني يارب كما وردت كثيرا في المزمور, قد تعني الخلاص من عبودية الخطية ومن ضغطاتها..
سيف:
كلمة سيف بمعناها العادي معروفة, كسلاح.
ومنها ما قيل في تجربة أيوب الصديق إلي الكلدانيين: ضربوا الغلمان بحد السيف (أي1:17), وما ورد في نبوءة إرميا النبي: بالسيف والجوع يفنون وما قيل في رسالة رومية إن الملك لا يحمل السيف عبثا (رو13:4). وما قيل عن حرس سليمان كل واحد سيفه علي فخذه من هول الليل (نش3:8). وما قيل في المزمور: تقلد سيفك علي فخذك أيها الجبار استله وأنجح واملك (مز45:3).
علي أن كلمة سيف يمكن أن يكون لها معني رمزي.
مثل قول الكتاب: وخذوا خوذة الخلاص, وسيف الروح الذي هو كلمة الله (أف6:17). فاعتبر أن كلمة الله كسلاح, وهي سيف. وهذا يطابق ما قيل في سفر إشعياء: الرب من البطن دعاني. جعل فمي كسيف حاد (إش49:2). بل قيل عن كلمة الله إنها أمضي من كل سيف ذي حدين (عب4:12). وعن هذا المعني الرمزي قال القديس يوحنا الرسول عن الرب لما رآه في سفر الرؤيا: وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه (رؤ1:16).
حتي بالنسبة إلي الأشرار استخدم تعبير السيف ليرمز إلي الكلام الشديد, فقيل: ألين من الزيت كلماته, وهي سيوف مسلولة (مز55:21). وقيل أيضا: سيوف في شفاههم (مز59:7).
ومن المعني الرمزي للسيف ما قيل عن القديسة العذراء:
يجوز في نفسك سيف (لو2:35).
وواضح أنه ليس سيفا ماديا, إنما يعني ما تحمله نفسها من جراح أو من آلام..
هذا التفسير الرمزي يوضح لنا بعض ما قاله السيد المسيح مثل:
من ليس له, فليبع ثوبه ويشتر سيفا (لو22:36).
إنه لا يقصد مطلقا السيف المادي, أي السلاح المادي, بدليل أنه انتهر بطرس لما استخدم سيفه في الدفاع, وقطع أذن العبد, وطلب إليه أن يرد سيفه إلي غمده (يو18:1), وقال له: رد سيفك إلي مكانه, لأن كل الذين يأخذون بالسيف, بالسيف يهلكون (مت26:52).
ولكن لما قال: من ليس له, فليبع ثوبه ويشتر سيفا, لم يفهم التلاميذ المعني الرمزي المقصود, فقالوا يارب هوذا هنا سيفان!!, فقال لهم: هذا يكفي ويعني بذلك أن يختم الكلام أي ما قتله لكم يكفي, أو كفي حوارا, لأنه لو كان يقصد السيفين اللذين معهما, لقال: هذان يكفيان, كما أنه لم يطلب الدفاع عن نفسه بل حينما أمر بطرس أن يرد سيف إلي غمده, أردف بعدها قائلا: الكأس الذي أعطاني الآب, ألا أشربها؟! (يو18:11).
كان السيد المسيح يقصد من عبارة: ليشتر سيفا سيف الجهاد, لأنه قال وهو مقبوض عليه, وفي الطريق الذي ينتهي بالصليب, وسيترك التلاميذ وحدهم, فيحتاجون إلي جهاد روحي, عبر عنه بكلمة السيف.
العبارة الأخري التي تحتاج إلي شرح هي قوله:
ما جئت لألقي سلاما, بل سيفا (مت10:34).
لقد أوضحها إنجيل لوقا, بقوله: أتظنون أني جئت لأعطي سلاما علي الأرض بل انقساما. لأنه من الآن يكون خمسة في بيت منقسمين ثلاثة علي اثنين, واثنان علي ثلاثة, ينقسم الآب علي الابن, والابن علي الآب, والأم علي البنت, والبنت علي الأم (لو12:53-51), فما معني هذا؟
معناه الانقسام الذي يحدث بين من يقبلون المسيحية ومن يرفضونها, حتي في البيت الواحد.
إنه دين جديد, قد لا يقبله الكل ربما يقبله الابن ويرفضه الأب, فيحدث انقسام في محيط الأسرة, وكذلك قد تقبله الأم, وترفضه ابنتها, فيحدث انقسام أو يحدث الانقسام بين المسيحيين, واليهود الذين يرفضون المسيحية أو بينهم وبين الدولة الرومانية, وهذا شئ طبيعي بالنسبة إلي أي دين جديد.
وفي نفس الوقت المسيحية تدعو إلي السلام, ولكن ليس علي حساب التنازل عن الإيمان.
وعبارة ألقي سيفا تعني السيف الذي سيقع علي المسيحيين, وليس سيفا يصدر منهم.
وفعلا تعرض المسيحيون للسيف, وسفكت دماء كثيرة منهم, ومع بدء المسيحية بدأ عصر الاستشهاد واستمر قرونا طويلة..