لماذا نؤجّل فرصة عمل الخير؟
مَن منّا يضمن الغد؟
كم من الفرص فقدناها وندمنا عليها ؟
لنصنع الخير اليوم بقدر ما نستطيع، فقد لا نكون هنا أو على قيد الحياة غداً.
الكسول أو الأناني يختلق شتى الأعذار والمبررات ليتهرّب من واجباته وحينما لا يريد عمل شيء يتحجج وكأن الأعذار سبب كافٍ يعفينا من تتميم الواجب.
يقول أفلاطون : ” إذا أتممت واجبك بالرغم مما تشعر به من عناء، فالعناء يزول ، بينما لذة القيام بالواجب لا تزول أبداً”. فالإنسان يعيش بعقله وقلبه وروحه، أي لله الذي خلقه، وللبشر أخوته.
كم من قلوب تنتحب وتتألم وتئن لأنها لا تتغذى بالفضيلة ولا تمارس أعمال الخير والرحمة نحو الغير، فتقتلها الأنانية والإنطواء على ذاتها. فهي تنتحب شقاءً وبؤساً: لأن ما نفعله لإسعاد الغير يعود علينا بالبهجة والراحة النفسية.
فالإنسان الذي يطيع الله ويتغذّى بكلامه، ويُخلص له العبادة بممارسة أعمال الرحمة “كالشجرة المغروسة على مجاري المياه، التى تؤتي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح“ (مز 1: 3).
يجب على كل منّا أن يزرع المحبة بدل الحقد، والتسامح مكان الإهانة، والوفاق حيث الخصام، والإيمان في النفوس التي يُغذّيها الشك، والرجاء في اليائسين، والفرح في قلوب الحزانى.
كثيرون هم الذين يعيشون في عالمهم الخاص بحجة أنهم لم يفعلوا ما يضر الآخرين، والحياة بالنسبة لهم هي أن يقوموا قدر المستطاع بما يقتضيه التديّن من صلوات وممارسات وعبادات فقط. هؤلاء مثل المسكين الذي رأى في المنام أنه فى يوم الدينونة، واقف أمام الله قائلاً: “أشكرك يا رب، إنني أتممتُ الوصايا، ولم أصنع شراً بأحد، ولا ظلمت أحداً. أنظر يا الله، أن يدىَّ طاهرتان نقيتان!”
فيجيبه الله: ” نعم! يداك طاهرتان، ولكنهما فارغتان!”
لذا لا يكفينا أن نبتعد عن الشر والامتناع عن الظلم، بل لكل واحدٍ منّا رسالة يجب أن يؤدّيها تجاه الآخرين.
يقول الفيلسوف Ruskin : “ازرع فكرة تحصدْ عملاً؛ ازرع عملاً تحصد عادة، ازرع عادة تحصد خُلقُاُ؛ ازرع خُلقاً تقررّ مصيراً“.
فإذا فكرّ الإنسان في قلبه، فلا بد من أن هذه الفكرة تدفعه يوماً إلى تحقيقها عملياً، فإذا تكرر هذا العمل أصبح عنده عادة، ثم تصير طبعاً فيه، وحسب طبعه يتحدد مصيره ناحجاً كان أو فاشلاً.
وجودنا في هذه الدنيا، لا للهو أو للشكوى والنحيب، ولكن لنعمل جاهدين، بحيث يجدنا الغد أفضل مما نحن عليه الآن.
فالواجب دائماً وأبداً … مادام في الإنسان قلب ينبض، وصاحب الضمير الحي هو الذي يشعر بالمسؤولية تجاه واجبه، ويقوم به على أكمل وجه، ولا يفكّر أبداً في الهروب منه مهما تعددت الأسباب.
كل شخصٍ منّا له رسالة، دينية كانت أو وطنية أو إجتماعية. وعليه أن يسعى للقيام بها، غير مبالٍ لما يدور حوله من انتقاد أو سخرية، بهدف احباطه أو النيّل من عزيمته. كما يقول المثل: “لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد”.
الأشخاص الناضجة يرفضون تأجيل أوتسويف واجبهم تجاه الآخرين ، خوفاً من أن تقوت الفرصة السانحة ، فيتعذّر تعويضها مرةً أخرى. ولأن لكل يوم عمله وهمومه، فلا يجوز أن نترك عمل اليوم إلى الغد، لأننا إذا عجزنا عن القيام بعمل اليوم، فكيف نقوم بعمل يومين في الغد؟
فإذا كنّا اليوم، غير مستعدين للقيام بواجبٍ واحدٍ، فهل نكون غداً أكثر استعداداً للقيام بواجبين معاً؟
ما أكثر الذين خسروا وفقدوا مستقبلاً مشرقاً، لأنهم ضيّعوا على أنفسهم فرص كثيرة، فذهبت ولم تعُد !
ونختم بالمثل الإنجليزي القائل: ” من لا يريد حين يقدر، لا يستطيع عندما يريد”.