مَنْ يستطيع أن يشعر بالراحة أو السعادة، مادام ضميره غير راضٍ وغيرمرتاح؟ إن الضمير هو “عين الله على الأرض” ترعانا وتحنو علينا وتباركنا. فالضمير القلق لا يعرف معنى الراحة أبداً.
ذات مرة سأل تلاميذ سقراط: “هل في استطاعة أحد على وجه الأرض أن يعيش بدون ألم؟”
فأجاب سقراط: “نعم… هذا ممكن! ويكفي الإنسان ليعيش هانئاً سعيداً، أن لا يوبّخه ضميره على شيء!”
ما الضمير إلا صوت الله في الإنسان، يساعده على تمييز الخير من الشر: فيجعله يُحب الخير ويُشعره بالرضا والراحة والإطمئنان، ويكرّهَه في الشر.
الضمير هو كتاب الأخلاق السامي، الذي يتحتم علينا تصفّحه دوماًوالالتزام بتوصياته، إذا أردنا أن نعيش في هناء وسرور.
مَنْ منا يستطيع أن يميت ضميره؟ بإمكانه أن يسكّته مؤقتاً، أو يخدّره بما يأتيه من أعمال لا تتفق مع تعاليم الله ووصاياه، ولكن سيأتي اليوم الذي يرتفع فيه صوت الضمير، فلا يعلو عليه شيء ويتألم القلب بوخزه، وتأنيبه حتى نوفيه حقّه ونردّ له كرامتَه.
لو أن كلّ إنسانٍ يعيش بوحي ضميره، لأصبح العالم كله في نعيمٍ وغمرت السعادة والمحبة كل أفراد البشر.
إن الله منح كل واحدٍ منّا ضميراً حيّاً يساعده على تمييز الخير من الشر. لكنه ترك لنا ملء الحرية للتعاون مع فضله ونعمته في خلق عالم أفضل، ننعم به جميعاً.
خلق الله الإنسان للسعادة والتمتع بمخلوقاته وتسبيحه، ومع ذلك ما أكثر التعساء في هذه الدنيا! والسبب في ذلك هو أن الغالبية العظمى ضلّت الطريق المؤدي إلى السعادة.
ما أسهل السعادة الحقيقية التي لا تكلّفنا شيئا! ولكن كثيراً من البشريدفعون مبالغ طائلة لكي يزيّفوها. لأنها لا تُشترى بالمال ولا الشهوة ولا النفاق.
تبدأ سعادة الإنسان على الأرض عندما يلتهب في قلبه حب الله والآخرين.
فالسعادة هي حالة القلب الطاهر، والنفس الراضية القنوعة، والضمير الصالح.
وكما يقول نابغة البشرية أغسطينوس “خَلقتَ قلبنا لك يا الله. ولن يذوق طعم السعادة حتى يجدك ويستقر فيك”.
فالضمير أقدس من أن يُباع ويُشترى وأموال الدنيا لا تساوي شيئاً أمامه، لأنه صوت الله فينا.
ومَنْ لا يقيم وزناً للضمير، يخون الله، ويضر مصلحته الشخصية، إذ ما من إهانة أكبر من القول عن إنسان: إنه بلا ضمير! والإنسان الذي يخون ضميره، لا يتراجع عن خيانة وطنه متى سنحت له الفرصة.
وصاحب الضمير يتجنب ما يُهين الله، ولا يعمل إلا لخير الآخرين ووطنه. ويقدّم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية ويتمم واجباته المطلوبة منه في أي مجال. وهذا ما يسمّى “الضمير المِهَني” أي الصوت الداخلي الذي يحثّنا ويوجّهنا كي نتقن العمل الموكّل إلينا، وإذا قمنا بهذا، شعرنا بالسرور والغبطة والرضا لأننا أحسنّا القيام بالواجب.
وبه نتذكر بأن المهنة أو الوظيفة، ليست مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هى خدمة إجتماعية وخلاف ذلك يضر بالمجتمع بأسره، وبالمحيطين بنا.
أيضاً هذا الضمير المهني يوجّهنا بأن نؤدّي عملنا دون غش أوخداع، دون أي تهرّب أو انحراف وهذا ما نعني به: الإتقان، والدقة، والأمانة.
كل هذه الأشياء تجعلنا نعيش في سعادة ومحبة وضمير يقظ.