في سفر الأمثال ص23: 26 ” يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ ” والدارس لكلمة الله يلاحظ أن ريشة الوحي المقدس عندما ترسم لنا قلب الإنسان فهذا له أكثر من معنى ومدلول.
أولاً: القلب بمعنى العقل أو الفكر:
فنسمع موسى يصلى في مزموره قائلاً:”عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ”.
مز90: 12) ويقول داود ” لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَارَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي “.(مز19: 14) وعندما سأل الله سليمان قائلاً له : أطلب ماذا أعطيك ، كان مطلب سيلمان”فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْبًا فَهِيمًا” (1مل3: 9)،ويسجل الحكيم الحكمة الخالدة ” فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ أَفْكَارٌ كَثِيرَةٌ، لكِنْ مَشُورَةُ الرَّبِّ هِيَ تَثْبُتُ”.(19: 21)، من كل هذه الشواهد نتعلم أن معنى القلب هو العقل أو الفكر ويكون عطاء القلب للرب يعني أن يكون أسلوب تفكيرنا دائماً بفكر المسيح وأن نُسْتَأْسِرِ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ فالفكر يشكل السلوك اليومي (2كو10: 5مع في2: 5).
ثانياً: القلب بمعنى العزيمة أو الإرادة:
فعندما يسجل نحميا تقريره عن بناء السور فيصور الشعب وقد عقدوا العزم على إتمام المشروع فيقول : ” وَكَانَ لِلشَّعْبِ قَلْبٌ فِي الْعَمَلِ”. (نحميا4: 6).
ويشدو المرنم داود معلناً عن إرادته القوية في ثباته وثقته في الرب فيقول: ثَابِتٌ قَلْبِي يَا اَللهُ، ثَابِتٌ قَلْبِي.(مز57: 7).
ومكتوب عن تصميم دانيال ليعيش حياة مقدسة بإرادة لا تلين مهما كانت المغريات أو التهديدات “أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ”(دا1: 8) . من هذه المعطيات يكون معنى القلب هو الإرادة أو العزيمة ويكون معنى عطاء القلب هو أن تُخضع إرادتنا لإرادة الله ، وشعارنا : “طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني”. (يو5: 30). بل وأكثر من هذا يكون إتمام مشيئة الله هو سر سرورنا كما هو مكتوب ” أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، (مز40: 8) ” لتكن لا إرادتي بل إرادتك … لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ “.(مت6: 10).
والسؤال الذي يفرض نفسه هل نحن فعلاً نسعى بكل قلوبنا لإتمام مشيئة وإرادة الرب أم نبتغي إتمام مشيئات الجسد في حياتنا .
ثالثاً : القلب بمعنى المشاعر والعواطف :
يصور داود عواطف الله الجياشة وهو يطيب خواطرنا في قربة منا في أحزاننا فيقول ” قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ ” (مز34: 18). وتعبر عروس النشيد عن عواطفها الفياضة في قولها ” أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ “. (نش5: 2) .
ويعبر الرسول بولس عن مشاعره الرقيقة تجاه أنسبائه في قوله : ” إِنَّ لِي حُزْنًا عَظِيمًا وَوَجَعًا فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ. فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ” (رو9: 2- 3) . من هذه الآيات نعرف أن معنى القلب هو المشاعر والعواطف ويكون معنى ” يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ ” هو أن تكون عواطفنا ومشاعرنا مقدسة ومفعمة بالمحبة ، فنبادله حباً بحب فنقول مع الرسول يوحنا ” نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً”. (1يو4: 19).
رابعاً : القلب بمعنى كل الحياة :
إن المعنى الأشمل للقول المقدس ” يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ ” أي أعطني كل الحياة ” الفكر والإرادة والعاطفة، وكل ما في الحياة الوقت والمال والمواهب ” .ولعل هذا يفسر ما قاله الرسول بولس لأهل رومية ص12: 1 ” فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ.”
نحتاج أمام صوت الله نصلي مع داود”اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا” (مز139: 23- 24).