النجاح حلم يراود الإنسان عبر الزمان، وهدف منشود يسعي إلى تحقيقه، والإنسان السوي لا يرغب في النجاح فحسب بل ومواصلة النجاح في مجالات الحياة المتعددة الشخصية والأسرية والعلمية والعملية والإجتماعية والمادية وكذلك في كل مراحل حياته العمرية.
فمَنْ يختبر مذاق النجاح يتوق إلى إحراز نجاحات أخرى، فالنجاح كما يقال رحلة لا مرحلة، وهي رحلة لا محطة فيها، إنه ليس هدفاً إنما درجة في سلم نرتقيه.
النجاح في حقيقته بداية وليس نهاية، فليس هناك محطة وصول للنجاح نستطيع أن نقول عندها إننا وصلنا إلى آخر محطة.
فصدق مَنْ قال: إن النجاح الذي يعقب النجاح الأول يدفع الشخص لإدمان النجاح.
هذا ولابد أن نضع في إعتبارنا أن للنجاح ثمنه وضريبته ولابد لمَنْ يبتغي ويرنو للحياة الناجحة أن يكون على إستعداد لدفع الضريبة والثمن عن طيب خاطر وبكل سرور.
في هذا المقال وما يليه في الأعداد القادمة سنرى الأسرار التي ثقف وراء كل ناجح ومتميز وهي كثيرة جداً أذكر منها الآتي:
أولاً : لا تساوم مع الخطية
نعم! التساهل مع الخطية، سر الدمار والمرار والعار فمكتوب:” عَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ.”(أم14: 34).ومكتوب”الشَّرُّ يُمِيتُ الشِّرِّيرَ، (مز 34: 21) وأجرة الخطية موت ” “(رو 6: 23)
ويقول الحكيم ” لاَ يَمِلْ قَلْبُكَ إِلَى طُرُقِهَا، وَلاَ تَشْرُدْ فِي مَسَالِكِهَا. لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ. طُرُقُ الْهَاوِيَةِ بَيْتُهَا، هَابِطَةٌ إِلَى خُدُورِ الْمَوْتِ” (أم : 5 -27).
حقاً! للخطية جاذبية خاصة، ولا يوجد مَنْ هو كبير على الخطية فلم يمش على أرضنا سوى شخص واحد فقط كان معصوماً من الخطأ هو الرب يسوع المسيح ذاك الذي إستطاع أن يقول:” مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ “(يو8: 46 ).
حتى الرسل والأنبياء يسجل الوحي عنهم الإيجابيات والسلبيات التي إقترفوها، فنقرأ عن إبراهيم خليل الله أنه في مرتين يقول عن زوجته ساره أنها أخته، مرة أمام فرعون في (تك12: 14)، ومرة أخرى أمام إبيمالك (تك20: 2).
وموسى الإنسان الحليم يسطر عنه الكتاب أنه غضب وإرتكب جريمة قتل (خر2: 12) ، وداود الذي كتب معظم سفر المزامير يسجل عنه الوحي أيضاً أنه زني وقتل (2صم11).
وبطرس التلميذ المقدام تصوره ريشة الوحي المقدس وهو ينكر بقسم أنه لا يعرف المسيح (مر14: 71).
ورسول الأمم الرسول بولس بتاريخه الطويل الحافل بالعطاء، ونضاله المستميت في خدمة الله يصرخ قائلاَ: “لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. .. وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟) “.رو7: 15، 24).
إن الإنسان الذي يبتغي النجاح عليه أن لا يساوم ولا يتساهل مع الخطية ولا يبرر أي خطأ إرتكبه بل أن يكون قاضياً عادلاً لنفسه، ولعل هذا ما قصده الرسول بولس عندما كتب في (2كو13: 5) قائلاً:” جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ.”
إن داود بعد ما أخطأ قال :” تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي.” (مز6: 6) لهذا نرى الوحي يسطر عنه في (أع13: 22) “وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي.”
وبطرس بعد إنكاره للسيد شعر بذنبه و خَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا”). مت26: 75) فنراه بعد ذلك في (أع ص2) يقف بكل جسارة ويعظ بكل قوة عن صليب المسيح وموته وقيامته فينضم إلى الكنيسة في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.
وهكذا في حياة الإنسان المادية لكي ينجح عليه أن لا يتساهل مع أي سلبية حتى لو كانت بسيطة جداً فكما يقال ” إن أكبر النار من مستصغر الشرار” وثقب صغير في سفينة كبيرة كفيل بإغراقها، فمن يبتغي النجاح عليه أن يهتم بدقائق الأمور، ويسمع للحكمة الكتابية القائلة ” بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ” (أم 4: 27).
نعم! كم كان يعبيص عظيماً عندما صلى قائلاً: “لَيتَكَ تُبارِكُني، وتوَسِّعُ تُخومي، وتكونُ يَدُكَ معي، وتحفَظُني مِنَ الشَّرِّ حتَّى لا يُتعِبُني”(1أخ4: 10). إنه يطلب أن يحفظه الرب من الشر فوراء كل فاشل ومحبط الشر بالمرصاد.
ثانياً: لا تستسلم للفشل
قال أحدهم: كنت أظن أن أسوأ ما في الحياة هو الفشل، ولكنني اكتشفت وتأكدت أن هناك ما هو أسوأ، إنه الإستسلام للفشل.
نعم! قد يتعرض الإنسان [أي إنسان] للفشل في حياته وهذا ليس معناه نهاية المطاف، إنما ينتهي الإنسان إذا إستسلم للفشل ولم يحاول النهوض منه والبداية من جديد مرة أخرى.
والمتأمل لقصة يوسف في العهد القديم في سفر التكوين يرى بوضوح كم من صعاب وتحديات إعترضت طريقه، وكم من أهوال ومظالم إجتاز فيها، واحدة منها فقط كانت كفيلة بهدم جبل كما يقال، للدرجة التي فيها يسطر كاتب المزامير عنها قائلاً: “فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ،”(مز105: 18).
لقد كان من الممكن ليوسف أن ينهار ويلقي باللوم على الظروف، ويستسلم للفشل، وكنا نلتمس له العذر، لكنه صار في الطريق الوعر بكل صمود وتحدي وبسالة حتى وصل إلي أسمي مكانة للدرجة التي فيها يسطر الوحي عنه أن فرعون وَكَّله على كل أرض مصر [تك41: 37- 41].
نعم! الوحي المقدس يسجل لنا أن الله لا يريد أن يرانا في حالة إحباط، فنرى في قصة هزيمة يشوع في الحرب التي خاضها مع قرية صغيرة إسمها عاي، وكانت كارثة بكل المقاييس عندما سمع يشوع مزق ثيابه، وسقط على وجهه أمام تابوت الرب إلى المساء هو وشيوخ إسرائيل ووضعوا تراباً على رؤوسهم، وظهر الرب ليشوع وقال له: «قُمْ! لِمَاذَا أَنْتَ سَاقِطٌ عَلَى وَجْهِكَ؟” (يش7: 10) فالله لا يريد أن يرانا منكسي الرؤوس، وفي حالة من الفشل واليأس، ولعل كلام الرب كان بمعني “قم” إن الحل ليس في اليأس إنما في تحديد المشكلة والبحث عن حل لها لذلك قال له: ” فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ “(يش7: 13) وبعد أن أخرجوا عاخان الخائن من وسطهم ورجموه أعطاهم الله إنتصاراً على عاي وتوالت الإنتصارات.
نعم! ما أجمل ما سطره النبي ميخا في سفره وهو يهتف قائلاً: وَلكِنَّنِي أُرَاقِبُ الرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلهِي. لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي”. (ميخا7:7، 8).
حقاً! لقد كان الرسول بولس أكثر من رائع ونحن نقرأ عنه في أعمال الرسل وهو يواجه التحديات العنيفة ، والآلام الرهيبة في خدمته، لكنه لم يستسلم للفشل ولم يتراجع للوراء، ولم يهرب من ميدان الخدمة، فيسجل الوحي في (أع14: 19، 20) ” ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَلكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وأكثر من هذا نقرأ “أنه وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ” فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ”. (أع14: 21، 22).
نعم! قد نواجه صعاب تعرقل مسيرتنا في حياتنا الروحية، لكن كلمة الله تعلمنا أن ” اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ”(2تي1: 7).
ما يقال عن حياتنا الإيمانية ينطبق أيضاً على حياتنا المادية، فقد يتعرض الإنسان للفشل والإخفاق والكثير من المعطلات التي تعوق مسيرة نجاحه وتقدمه، فعليه بالمثابرة والكفاح، والتصدي لأية صعاب بإرادة حديدية، وعزيمة لا تلين لا تعرف الإستسلام حتى يتحقق النجاح، والتاريخ حافل بالأسماء التي تؤكد هذه الحقيقة أمثال هيلين كيلر، وبرايل، وطه حسين وغيرهم الكثير والكثير … فلا تفشل ولا تستسلم للفشل.