النجاح حلم يراود الإنسان عبر الزمان، وهدف منشود يسعي إلى تحقيقه، والإنسان السوي لا يرغب في النجاح فحسب بل ومواصلة النجاح في مجالات الحياة المتعددة الشخصية والأسرية والعلمية والعملية والإجتماعية والمادية وكذلك في كل مراحل حياته العمرية.
فمَنْ يختبر مذاق النجاح يتوق إلى إحراز نجاحات أخرى، فالنجاح كما يقال رحلة لا مرحلة، وهي رحلة لا محطة فيها، إنه ليس هدفاً إنما درجة في سلم نرتقيه.
النجاح في حقيقته بداية وليس نهاية، فليس هناك محطة وصول للنجاح نستطيع أن نقول عندها إننا وصلنا إلى آخر محطة.
فصدق مَنْ قال: إن النجاح الذي يعقب النجاح الأول يدفع الشخص لإدمان النجاح.
هذا ولابد أن نضع في إعتبارنا أن للنجاح ثمنه وضريبته ولابد لمَنْ يبتغي ويرنو للحياة الناجحة أن يكون على إستعداد لدفع الضريبة والثمن عن طيب خاطر وبكل سرور.
في هذا المقال وما يليه في الأعداد القادمة سنرى الأسرار التي ثقف وراء كل ناجح ومتميز وهي كثيرة جداً أذكر منها الآتي:
الفصل الخامس عشر : الإستفادة من خبرات الآخرين
من المعروف أن أغلب ما نتعلمه في الحياة إنما نحصل عليه من خلال ملاحظة ما يقوم به الآخرون في نفس المجال، لا يجب أن نتردد أو نخجل من الإستفادة من النماذج المضيئة التي يُحتذى بها، والخبرات الناجحة التي يُقتدي بها فهذا نوع من الذكاء.
والحكمة أن نتعلم من خبرات الآخرين لأن المعاناة ستكون أقل، والحياة أقصر من أن نتعلم فيها كل شيء من خلال الخبرة الشخصية، فالإنسان يوفر على نفسه الوقت والجهد عندما يتعلم الدروس التي تعلمها الآخرون بالألم والمعاناة.
في سفر الأمثال12: 15 مكتوب”أَمَّا سَامِعُ الْمَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيم”، وفي (أم18: 15) مكتوب” قَلْبُ الْفَهِيمِ يَقْتَنِي مَعْرِفَةً،وَأُذُنُ الْحُكَمَاءِ تَطْلُبُ عِلْمًا” أي أن الحكيم يكون منفتحاً على الأفكار الجديدة، ويبحث عنها، فمَنْ لا يجيد فن الإستفادة من خبرات الآخرين يخسر كثيراً.
يقول الرسول بولس للكنائس التي بدأ الخدمة بها ” وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَبِالرَّبِّ، … حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ. ” (1تس1: 6، 7).
نعم! إن أحد أسرار نجاح موسى في القيادة هو أنه “تَهَذَّبَ بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، فكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ”. (أع7: 22). وإستطاع موسى أن يقود الشعب بحكمة بناء على نصيحة يثرون حميه الذي كان يراه يجلس كل يوم من الصباح إلى المساء يقضي للشعب فأشار عليه بأن يقيم رؤساء ألوف، ورؤساء مئات، ورؤساء عشرات على أن يقضي هو في الدعاوى الكبيرة فقط (خر18: 8- 27).
وإستطاع يشوع بن نون أن يتعلم ويتدرب على فن القيادة من موسى فقد كان ملازماً له بإستمرار (خر24: 13) .
وتعلم أليشع الخدمة على يد إيليا النبي العظيم ولذلك عندما استلم المهمة من بعده قام بها على أكمل وجه (2مل ص2).
وعلى النقيض من ذلك نجد رحبعام أخطأ عندما رفض مشورة الشيوخ خسر الكثير(1مل12: 8) فمكتوب ” أَمَّا الْخَلاَصُ فَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ”.(أم11: 14).
أعتقد أن الذين لا يستطيعون أن يتعلموا من الآخرين يعانون من مشكلة شخصية وهي مشكلة الكبرياء والغرور .
فالممتلئ بالكبرياء غير قابل للتعليم، فهو يعتقد أنه يعرف كل شيء، ولا حاجة له إلى شيء، ويجد صعوبة في أن يتضع ويطلب من غيره أن يعلمه.
أما الإنسان المتواضع هو الذي يحاول أن يتعلم من كل شخص حوله، حتى من الذين يختلف معهم في الرأي، بل وحتى من أعدائه. يتعلم من الناجحين فيعرف سر نجاحهم لكي ينجح مثلهم، ويتعلم حتى من الفاشلين إذ يحاول أن يعرف الأسباب التي عرضتهم للفشل ويتجنبها، لا يضّيع فرصة يتعلم منها… يتعلم من الأكبر منه سناً ومن الأصغر أيضاً.
أعرف أباء وأمهات يطلبون من أولادهم بإتضاع شديد أن يعلموهم كيفية التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت على سبيل المثال.
الفصل السادس عشر : المواظبة على التدريب والتعليم
الإنسان الذي يبتغي تنمية حياته وقدراته ومهاراته، عليه الإستزادة دائماً من العلم والمعرفة، فحين ندرس قصص حياة العظماء حول العالم، نجد في حياة كل منهم هواية القراءة هي السمة المميزة لهم، وكانت الكتب هي القوة التي فجرت العبقرية فيهم، وكانت مصدر الإلهام العقلي لأولئك الذين ساهموا في تقدم العالم.
الرسول بولس فيلسوف المسيحية والذي سطر قرابة ثلث العهد الجديد نقرأ أنه تعلم عند رجلي غمالائل المعلم الكبير، وأعطى للقراءة وقتاً كبيراً حتى أنه يكتب لتيموثاوس موصياً إياه أن يحضر له الْكُتُبَ و الرُّقُوقَ (2تي4: 13) ويناشده قائلاً: “إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ” ثم أردف قائلاً: “لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ”(1تي4: 13، 16). فالقراءة تجعل الإنسان واسع الإدراك، قوي الحجة.
يسجل سفر الأعمال عن الرسول بولس عندما ذهب إلى تسالونيكي ودخل المجمع إستمر ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ يُحَاجُّهُمْ مِنَ الْكُتُبِ،إلى أن يقول فَاقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ” (أع17: 2، 4).
وعندما ذهب إلى كورنثوس مكتوب ” وَكَانَ يُحَاجُّ فِي الْمَجْمَعِ كُلَّ سَبْتٍ وَيُقْنِعُ يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ”. (أع18: 4).
ولما ذهب إلى أفسس يقول الوحي ” ثُمَّ دَخَلَ الْمَجْمَعَ، وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجًّا وَمُقْنِعًا فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ اللهِ”(أع19: 8). فدراساته وقراءاته السابقة جعلته قادراً على الإقناع.
ونقرأ عن أبلوس الإسكندري ” ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أَبُلُّوسُ، إِسْكَنْدَرِيُّ الْجِنْسِ، رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ… لأَنَّهُ كَانَ بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْرًا، مُبَيِّنًا بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ.”(18: 24، 28).
هذا ويحتاج الإنسان من وقت إلى آخر إلى حضور دورات تدريبية ودراسات تجديدية تنمي قدراته وتصقل مواهبه، وتفيده وتزيده بكل ما هو جديد في عالم المعرفة.
يقول المرنم في (مز25: 5) ” دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي،” وفي (مز119: 35) ” دَرِّبْنِي فِي سَبِيلِ وَصَايَاكَ،”.
ويقول الرسول بولس في (أع24: 16) ” لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ.” ويكتب إلى أهل فيلبي قائلاً:” أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ”.(فيلبي4: 12).
ويسطر كاتب العبرانيين عن أهمية التدريب لإكتساب الخبرات فيقول ” لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ”.(عب5: 13، 14).
لمتابعة أسرار التميز السابقة: