يُعلّمنا القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية قائلاً: “لا يكونَنَّ عليكم لأحدٍ دَينٌ إلا حُبُّ بعضكم لبعض” (رو 13: 8). احتفل العالم كله هذا الأسبوع بعيد الحُب “الڤالنتاين” بطقوسٍ وأشكالٍ مختلفة، كم من رسائل وهدايا قدّمناها بعضنا لبعض! لذا، نتساءل: “هل الحُب مقتصر على يومٍ واحدٍ فقط في العام؟ هل الحُب يُعبَّر عنه برسالة أو صورة عابرة عن طريق الواتس آب أو الايميل؟ هل الحُب يكفيه أن ننهمك في أعمالنا دون أن نفكّر في الآخرين واحتياجاتهم وطلباتهم ومشاكلهم؟ هل هذا اليوم كافي أمام الأصوات التي تُحَرّض على الكراهية ورفض الآخر لأنه مختلف عنّا في السياسة أو الدين أو المذهب أو العِرق أو اللون أو الجنس؟” بعضنا يُصرّح هكذا: “لا أستطيع النوم وأنا مَدِين لأي شخص، ولكن الحقيقة جميعُنا سيظل مَدِين بالحُب مدى الحياة، كما يُعلّمنا بولس الرسول: “لا يكونَنَّ عليكم لأحدٍ دَينٌ إلا حُبُّ بعضكم لبعض”. وهنا يقصد “دَيْن المحبة” الذي لا ينتهي ولا يستطيع أحدٌ أن يُعلن بأنه اكتفى في حبّه للآخرين، وقام بواجبه. هل نتخيّل أُمّأً تعلن بأنها أحبّت أبناءها وتكتفي بهذا القدر، ونحن أيضاً مهما دفعنا ثمن الحب، نظل مَدِينين للآخرين بالحُب إلى آخر نفَس في حياتنا، فالمحبة ليست شيئاً إضافياً بسبب كرمِنا وسخائِنا لكي نتهرب من الزام الحُب المفروض علينا لنقدّمه للآخرين.
عندما نحب الآخر ونقبله ونساعده ونخدمه ونهتم به ونسامحه ونُشبعه ونعتني به ونشفق عليه، لم نفعل شيئاً خارقاً، لأننا دفعنا بعضاً من الديون المفروضة علينا كما تطلب منّا الكتب السماوية المقدسة، وطالما نحن على قَيد هذه الحياة لن ننتهي من سداد ديون الحُب.
إذا أحب شخصٌ ما أخوته وأخواته، لم يصبح بطلاً، لكنه إنسانٌ عاديٌ يُطبِّق تعاليم ووصايا خالقه، لأن المحبة هي خلاصة الشريعة، وهي كلمةٌ عذبةٌ وواقعٌ أكثر عذوبة أيضاً، والخير الذي نعمله ليس تمجيداً لأنفسنا، بل لله الذي منحنا أن نُحسن صنعه، لأننا بدونه لا نستطيع أن نصنع سوى الشر، لأن كل ما هو ضد المحبة فهو ضد الله، لأن الله محبة وهو الذي منحنا إياها.
يعلَّمنا السيد المسيح في الموعظة على الجبل: “أحبّوا أعداءَكم وصلّوا من أجل مضطهديكم ….” ليس المقصود بالأعداء هنا مَنْ هم مختلفون معنا في العقيدة أو الدين، لأن كل واحدٍ منّا من الممكن أن يخلق لنفسه أعداءً كثيرين ، لأن كارهي الآخر المختلف عنهم لا يمكن أن يُحبّوا أحداً.
نستطيع أن نُحب الأعداء عندما يكونون بعيدين عن أعيننا ولا يسببون لنا ضيقاً ونستطيع أن نذكرهم في صلاتنا وخاصة عندما لا يكون لهم شكلٌ بعينه أو بمعنى أدق لا يدوسون على أقدامنا في حياتنا اليومية ونتقابل معهم كل صباحٍ أو مساء. لكن يوجد أعداء قريبون بالنسبة لنا وهم الذين خلقناهم لأنهم يعكّرون صفو حياتنا وهم من صُنع أيدينا وأفعالنا. كيف نستطيع أن نميّز هذا؟ عندما نختلف مع بعض الأشخاص في وجهات النظر أو الرأي أو اختياراتنا أو أذواقنا أو لا يجاملوننا على حساب الحقيقة، نحوّلهم من أخوة أحبّاء إلى أعداء حقيقيين، لذلك علينا أن نصلّي من أجل هؤلاء حتى نستطيع أن نفهمهم ونتقبّلهم ونقبَلهم مهما كانت الاختلافات والاعتراضات، وفي اللحظة التي نأخذ فيها هذه الخطوة سوف نُعيدهم إلى مصاف الأخوة والمقرّبين، ونستطيع أن ننظر في وجوههم عندما نتقابل معهم في الطريق صدفةً أو نرد على مكالمتهم ونُعِيرَهم اهتمامنا. إذاً، فالمحبة ليست بالكلام ولكن بالعطاء وبذل الذات وهي كنزنا وميراثنا الوحيد الذي نحيا به يوماً بعد يوم، و”مقياس المحبة: أن نُحب بلا مقياس”.