استوقفتنى احدى الشابات وهي ممتلئة بالفرح قائلة: “انا شفت المسيح” فقد كانت هذه الشابة متأزمة لأنها لم تستطع الهجرة التي كانت تريدها باشتياق وعلى قدر شدة اشتياقها الشديد كان
– ينفع لو انسان اتقتل يموت خروف بدل القاتل ؟!! طبعاً لا. لذلك انا مت بدل القتلة ومع ذلك فقد نسيت البشرية هذا بل وتهيننى لأجل امور تافهة و انت ايضاً الآن تشتركى معهم فى نفس التصرف.
– انا يا رب؟!
– قولى “من لي في السماء ومعك لا اريد شيئاً على الارض”، و كانت تردد هذه الكلمات أمامي والفرح يكاد يقفز من عينيها.
والمعنى للرؤيا واضح فبعد تبنى الله لنا وفدائه لنا بثمن غالي جدا– دمه الكريم – واصبحت جنسيتي سماوي هل يصح أن أحزن على خسائر أرضية مهما غلت قيمتها؟!. وإلا فأنا لا أُقدر قيمة اللؤلؤة كثيرة الثمن التي صرت في غناها – أي الله تبارك اسمه الذي جعلني وارثا لكل شىء “يا بنى انت معي فى كل حين و كل ما لي فهو لك” (لو 15 : 31) .
والحقيقة أن هذه الرؤيا لاقت في نفسي قبولاً كبيراً لأنها تتفق مع التعليم الإلهي “لا تهتموا قائلين ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم انكم تحتاجون إلى هذه كلها” (مت6 : 32) فالحياة لي هي المسيح وكل ما عداه لا تزيد قيمته عن قيمة التراب، لأننا بحسبة بسيطة جدا نكتشف ان “الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول” (1كو 7 : 31).
من هنا نستطيع أن نفهم فلسفة الرضا وعدم التذمر على أي حال مهما كان، كما نستطيع أن ندرك ايضاً سر كآبة البشر لأتفه الأسباب خصوصاً انه لا يوجد في حياتنا خسارة تستحق منا دمعة واحدة.. فلو كنا صادقين مع انفسنا سندرك أننا دخلناها بلا شىء وسنخرج منها بلا شىء فلهذا لا تستغرب الأمر إن رأيت مريضاً فقيراً لا يجد من يعوله حتى بكلمة مواسية يلقاك بشوشاً مُقبلاً باطن وظهر يده بالشكر والامتنان لله: نشكر ربنا وقد تيقن تماما “ان اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة و سلام” (رو 8 : 6). و تجد على النقيض من امتلأت حياته بملاذ الدنيا الفانية ولكن التذمر والبطر حليفه فى كل كلماته وهذا هو حال الاكثرية مع كل الأسف و هم لا يدركون قوة كلمات الوحى المبارك “فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس” (كو 3 : 1).
تحكى قصة تأملية أن الله اعطى احد الملائكة سلة لكى يجمع فيها طلبات البشر واعطى لملاك آخر سلة ليجمع فيها تشكراتهم وفى لحظات عاد الملاك الاول بالسلة ممتلئة تماماً و طلب سلة أخرى لكى يكمل عمله اما الملاك الثانى فقد تأخر جداً في العودة و عندما طلبه الله عاد بالسلة شبه فارغة إلا من كلمات شكر قليلة جداً فى قاع السلة.
وعجب العجاب انه حتى أولئك الذين يصنع الرب معهم معجزات واضحة ملموسة محسوسة بعد طلبات وصلوات كثيرة يعود منهم فقط عشرة في المائة ليقدم الشكر الواجب لله، وإلى يومنا هذا يقف المسيح له المجد معاتباًُ “أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟” (لو 17 : 17) فكم من مرة نلوم الله على طلبة لم تتحقق وكم من مرات كثيرة جداً ننسى ان نقول له “صغير انا عن جميع ألطافك و جميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك” (تك 32 : 10).
ما اجمل رضا وامتنان الابن الواثق في محبة ابيه السماوي.. مثل القديس بولس الرسول الذي تضرع إلى الرب لكي يشفيه من مرضه وعندما كانت الاستجابة هي استمرار الألم والمرض يقول بكل اقتناع وايمان بالله وثقة في محبته “فبكل سرور افتخر بالحرى في ضعفاتي.. لذلك أسر بالضعفات” (2كو 12 : 9-10 ).
ما اغلى ابوتك لنا يا رب والتي تكتفي معها نفوسنا فنرنم بما علمتنا إياه “من لي في السماء و معك لا اريد شيئاً على الارض”.