مريم العذراء سلطانة “الحبل بلا دنس” بريئة من الخطيئة الأصلية . ( ١ )إن مريم العذراء قد حبلت بيسوع المسيح بقوة الروح القدس، ” إنّ الروح القُدس يحِلُّ بكِ وقُدرٓةٓ العلي تظلِلُكِ، لذلك يكون المولود منك قدّوساً وابن الله يُدعى”، وهي لا تزال بكراً. أمّا هي فقد حبلت بها أُمها القديسة حنة من والدها القديس يواكيم طبقاً للسنن الطبيعية.أمّا الحبل بها بلا دنس فمعناه حسب تعليم الكنيسة المقدّسة، أنه من اللحظة الأولى من تكوينها في أحشاء أمها قد وجدت طاهرة نقية، خالية من وصمة الخطيئة الأصلية التي لم تمسّها أبداً، وذلك ليس من ذاتها، بل بإنعام إلهي خاص أُعطي لها، لأنها ستكون أُم الكلمة، يسوع المسيح فادي الجنس البشري.وهذه الميزة التي اختصت بها مريم، يؤيدها الكتاب المقدّس في العهدين القديم والجديد، وفي أقوال الآباء القديسين، وفي إجماع المؤمنين من أقدم العصور إلى يومنا هذا، فضلاً عن أن العقل والمنطق يسلمان بها.١ – عقيدة الحبل بلا دنس والكتاب المقدّس :الكتاب المقدّس حافل بالآيات التي تشير إلى هذا الإنعام الذي انفردت به مريم دون سواها من الخلائق، ففي بدء الخليقة، وبعد سقوط الإنسان، الله يخاطب الحية قائلاً: ” إني أجعل عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وانت تُصيبينٓن عٓقِبه ” ( تكوين ٣ : ١٥ ) . والقديس اوغسطينوس يفسّر هذه الآية بقوله : ” إذا كان الشيطان هو رأس الخطيئة، فمريم قد سحقته لأن الخطيئة لم تجد في نفسها النقية الطاهرة مدخلاً بما أنها ولدت بريئة من كل دنس” .وسفر نشيد الأناشيد عامر بالآيات التي تنبئ عن هذه الميزة التي ازدانت بها مريم. ففي الفصل الثاني نجد الآية التالية :” كالسوسنة بين الأشواك ، كذلك خليلتي بين البنات ” (نش ٢ : ٢ ) . وهذه الآية يفسرها القديس الفونس دي ليجوري بقوله : ” انت ابنتي بين البنات كزهرة الزنبق بين الأشواك، لأن البنات كلهنّ مدنسات بالخطيئة، أمّا انتِ فبريئة منها ” .وفي الفصل الرابع نقرأ : ” كُلكِ جميلة ولا عيب فيكِ ” ( نشيد الأناشيد ٤ : ٧ ) . والقديسان لورنسسوس يوستينيانس وبرناردينوس السياني يؤكدان أن تلك الكلمات قيلت عن مريم حين الحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية .وأيضاً نجد الآية التالية : ” أختي العروس جنة مقفلة، جنةٌ مقفلة وينبوع مختوم ” ( نشيد ٤ : ١٢ ) . فالقديس إيرونيموس يفسر هذه الآية قائلاً : ” إن مريم هي بالحصر هذه الجنة المقفلة وهذا الينبوع المقفل لأن الأعداء لم يستطيعوا ابداً أن يدخلوا إليها ليهينوها ويدنسوها، لأنها حفظت دائماً من العيب ” .
وفضلاً عن هذه الآيات هناك رموز وصور عديدة وردت في العهد القديم، وكلها تشير إلى أن مريم العذراء بريئة من دنس الخطيئة الأصلية ، منها :
* سفينة نوح التي كانت تجري فوق مياه الطوفان بغير أن يلحقها أي عطب، بينما كان العالم كله غارقاً في الماء .
* تابوت العهد المصنوع من خشب غير قابل للفساد ومذّهب من الداخل والخارج ، وكان يحوي لوحي الوصايا ، وعصا هارون والمنّ النازل من السماء .
تلك نبؤات حية ناطقة تبرهن بأن مريم وإن كانت من بني البشر ومولودة من سلالة دنسة سببها الخطيئة الأصلية، إلاّ أنها لم يلحقها أي دنس.
أما في العهد الجديد فنرى ملاكاً هابطاً من السماء، يُحيّ فتاة الناصرة بسلام عجيب لم يسمعه العالم من قبل، قائلاً لها :
” السلام عليكِ ، يا ممتلئة نعمةً ، الربُّ معكٍ ” ( لوقا ١ : ٢٨ ) . فمريم لا تكون ممتلئة نعمةً إذا كانت مدّنسة بالخطيئة الأصلية وفاقدة النعمة، ولهذا أجمع آباء ومعلمو الكنيسة على أنّ معنى هذه الكلمات تدلُ على عصمة سيدتنا مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية.