العذراء مريم قدوة للرجال والنساء والشبيبة في خدمة الكلمة
وسار يسوع في كلِّ مدينةٍ وقرية ، يُنَادي وَيُبَشِّرُ بِمَلَكوتِ الله ، وَمَعَهُ الٱثْنَا عَشَر ،
وَبَعْضُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي شَفَاهُنَّ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاض ، هُنَّ : مَرْيَمُ المَدْعُوَّةُ بِالمَجْدَلِيَّة ، الَّتِي كانَ قَدْ خَرَجَ مِنْها سَبْعَةُ شَيَاطِين ، وَحَنَّةُ ٱمْرَأَةُ كوزَى خازن هِيرُودُس ، وَسُوسَنَّة ، وَغَيرُهُنَّ كَثِيراتٌ كُنَّ يَبْذُلْنَ مِنْ أَمْوالِهِنَّ في خِدْمَتِهِم .
وَلَمَّا ٱحْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَة ، خَاطَبَهُم بِمَثَل :
” خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ . وَفيمَا هُوَ يَزْرَع ، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام ، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء .
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة ، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة .
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك ، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ .
وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة ، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف . قالَ يَسُوعُ هذَا، وَنَادَى : ” مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ ! “. “
وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ : ” مَا تُراهُ يَعْنِي هذَا المَثَل ؟ ” .
فَقَال : ” قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله . أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال ، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا ، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا .
وَهذَا هُوَ مَعْنَى المَثَل : أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله .
والَّذِينَ عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون ، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم ، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا .
والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح ، هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين ، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون .
والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون ، فَتَخْنُقُهُمُ الهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الحَيَاة ، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر .
أَمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها ، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون . ( لوقا ٨ : ١ – ١٥ ) .
منذ القرون الأولى من تاريخ الكنيسة ، كان ، إلى جانب الرِّجال، نساءٌ كثيرات ، كانت حياتهنَّ أبلغ تعبير عن استجابة العروس لحبّ العريس الفادي . فهناك أولاً النساء اللواتي لاقين الرّب يسوع المسيح شخصيّاً ، وتبِعنه ، وبقينَ ، بعد صعوده ، مثابراتٍ على الصلاة مع الرُّسل ( اعمال الرسل ١ : ١٤ ) ، في علّية أورشليم ، إلى يوم العنصرة .
في هذا اليوم تكلّم الرُّوح القدس بلسان النبي يوئيل : سيكونُ في الأيام الأخيرة ، يقول الله ، إني أُفيضُ من روحي على كُلِّ بشر ، فيتنبأُ بنوكم وبناتُكم ويرى شُبّانكم رُؤى ويحلمُ شيوخُكم أحلاماً ” ( أعمال الرسل ٢ : ١٧ ) … إنّ أولئك النساء، وأخرياتٍ ممّن أتين من بعدهنّ ، اضطلعن بدور ناشطٍ وهامّ في حياة الكنيسة الناشئة ، وفي بناء الجماعة المسيحية الأولى ، من الأساس ، والجماعات التالية ، وذلك بفضل ما امتزن به من مواهب ونِعَم ، ولتعدّد أوجه الخدمة ، التي يمكن أن تناط بهنَّ …. كما يتحدّث الرسول عن ” أتعابهنّ ” في سبيل الرّب يسوع المسيح . وهذه الأتعاب تتناول مختلف مجالات الخدمة الرسوليّة في الكنيسة ، ابتداءً من ” الكنيسة البيتية ” . فالإيمان الذي : ” لا مواربة فيه ” ينتقل فعلاً من الأمّ إلى الأولاد والأحفاد . وهذا ما حدث في بيت طيموتاوس ( طيموتاوس الثانية ١ : ٥ ).
ويشهد تاريخ الكنيسة بأنّ هذا الواقع يستمرّ على مرّ العصور، من جيلٍ إلى جيل . وإذ تدافع الكنيسة عن كرامة المرأة ودعوتها، فإنها تقرّ بفضل أولئك النساء ، وتكرّمهنّ ، لأنّ وفاءهنَّ للإنجيل حملهنَّ على المشاركة ، في كل وقتٍ، في نشاطات كل شعب الله الرسولية. فمنهنَّ الشهيدات القدّيسات والعذارى وربّات العائلات ، اللواتي شهدن لإيمانهنَّ ببسالة، ونقلن الإيمان وتقاليد الكنيسة عبر الأجيال ، من خلال تنشئة أولادهنّ على روح الإنجيل في الخدمة والمحبّة والتضحية … وقد عملت النساء القدّيسات ” بحرّية ” حتى في مواجهة التّحدّيات الاجتماعية ، يشدّ أزرهنّ اتّحادهنّ بالرّب يسوع المسيح …
ولا تزال الكنيسة تزدهر، في أيامنا أيضاً ، بفضل شهادة نساءٍ كثيرات ، يُنمين دعوتهنَّ إلى القداسة . إنّ أولئك النساء القديسات يجسّدن المثال الأعلى للأنثى ، بل انهنَّ أيضاً قدوة لجميع المسيحيين ، ومثالٌ تقتدي به عروس الرّب يسوع المسيح في أسلوب مبادلتها حبّ العريس بحبّها .