هذه الأمور كلها، فأعملوا أن ابن الإنسان قريب على الأبواب. الحق أقول لكم: لن يزول هذا الجيل حتى تحدث هذه الأمور كلها. السماء والأرض تزولان، وكلامى لن يزول.
المجئ المنتظر(متى24: 30-35)
جرت العادة برفع تقرير مفصل، وبيان دقيق ختامى، لكل عمل قمنا به وحققناه قبل البدء بمشروع اخر. وهكذا يسوع، فى رسالته الارضية، هو الزارع يبذر حبوب الحنطة، منها يقع على الطريق فتأتى العصافيروتاكلها، ومنها يقع بين الشوك فيختنق، ومنها على الارض القليلة التراب فيحترق، ومنها فى ارض خصبة فيثمر ثمرا جيدا.
يسوع هو الذى زرع فى ارضه بذورا طيبة، فاتى العدو ليلا وبذر زؤانا، فصبر طويلا ليوم الحصاد ليأمر بجمع الزؤان لحرقه، اما الحنطة لحفظها فى اهرائه. ويسوع هو الاب المحب ذو القلب الواسع، الغفور والرحوم، الذى يعرف ان ينتظر رجوع الابن الضال، ليعيد له شرف البنؤة والقوة والشجاعة لمتابعة مسيرة الكمال وتحقيق الملكوت.
فى انجيل اليوم، وفى ما سبقه من وصف المخرب الشنيع، يرمينا يسوع فى حيرة، عندما يصف لنا مجيئه الثانى: فقوات السماء، الكواكب والقوى السماوية ستتزعزع. هذا المجئ لن يترك مجالا للشك، فليس هناك ما يدعو الى القلق والاهتمام بتوقيت يوم المجئ وتحديد ظروفه” اما ذلك اليوم وتلك الساعة، فما من احد يعلمهمها، لا ملائكة السموات ولا الابن الا الآب وحده” ولا يحدد تاريخ نهاية العالم الا الله وحده. وهكذا سيأتى ابن الانسان فى ساعة لا نعرفها ولا ننتظرها. وكأن يسوع يتنبأ بويلات رهيبة للايام الأخيرة.
وفى اطار انجيل اليوم، نرى يسوع خارجا من المجمع ومدجها نحو بستان الزيتون متنبأ بخراب الهيكل، موضوع فخر التلاميذ واليهود:” اترون هذا كله؟ الحق اقول لكم: لن يترك هنا حجر على حجر، من غير ان ينقض”(متى24: 2)، ويصف مجيئه الثانى ونهاية العالم باهوال واضطهادات ومضللون كذبة منتحلون اسمه.
ويؤكد البعض ان هذه النبوءات الرهيبة تنذر بخراب الهيكل الذى تحقق فى ايام طيطس سنة سبعين بعد المسيح وانتشار الكنيسة وازدهارها بين الامم. والبعض الاخر يضع هذه النبوءات فى اطار اخر، اى نهاية العالم الغير محدد زمانها ولا مكانها. ويعتبرون خراب الهيكل رمزا للخراب الاخير اى نهاية تاريخ البشرية وبداية الملكوت. فالرب هو سيد التاريخ والازمنة.
وكل ما يهمنا، هو ان يسوع ات وكلنا نفتش عن السعادة الحقيقية وعن العدالة بين الانبياء الكذبة وباساليب مختلفة. نفتش عن يسوع حيث لا يوجد، لانه قام من بين الاموات، والقبر فارغ مهما كان مرصعا بالحجارة الكريمة. فى ممر لعصور، فلسفات متنوعة وعدتنا بسعادة وبملكوت عادل، فلم نرى الا الانسان المفترس ينهش اخيه الانسان بالغيرة والحسد والكراهية والحقد والبغض، وينكل له ابشع التنكيل والملاحقات والاهانات والاذلال والاضطهادات.
وكل هذه الفلسفات، نبذها الانسان مفتشا عن البديل الصالح الذى يؤمن له صالته ولا يروى هذا العطش الحار الا يسوع، فالانسان بحاجة الى دليل منوراتى يسوع ليحقق امال الانسان الطبيعية بمنقذ ومخلص” اتيا على غمام السماء فى تمام العزة والجلال” فمجيئه سيفاجئ الانسان المنهمك باعمال كثيرة والمهم واحد وستتفاجأ الامم وترتعد مما سيحصل من ويلات لان” ابن الانسان” سياتى ليجمع مختاريه البسطاء المتكلين على رحمة سيد الكون، الاب العطوف. سيكون مجئ يسوع، لقاء الانسان بخالقه، لقاء اعمال الانسان بمشروع الله الخلاصى.
هذا اللقاء سيكون نهاية الحياة الارضية المادية والزائلة، لتصبح ولادة ثانية وتحررا كاملا من العبودية، وماهو خاص بابناء الله الاب.
سيصطحب مجئ يسوع علامات مخيفة فى الطبيعة وبين الامم. فاذا تاملناها بمقاييس الانجيلى، انجيل اليوم طابعا اخر ومعنى مختلفا عما شعر به لقراءة النص الاولى. فالانسان وجد بعض اسرار الطبيعة، واكتشف بعض الادوية لامراض الانسانية المتنوعة والمتكاثرة، واضطلع على اسباب فشله فى تحقيق طموحاته التى ادت الى الحروب، والطواعين التى تفشن بالبشرية ضاربة عرض الحائط كل القيم السامية التى يصبو اليها الانسان. ويا للاسف، لم يستطع الانسان قراءة معناها، وقدرة الله التى تستطيع تغيير مجرى التاريخ واعادة الانسان الى صوابه.
وقدرة الاب الرؤوف والمحب، تستطيع انقاذ الانسان من سباته المميت واضطرم الامل فيه ليتلهف ويصبو ويعمل للحصول على الافضل والاسمى والمحدى، وخاصة للوصول الى ينبوع السعادة والحياة. هذه النفسية تجعلنا نعيش دائما فكرة مجئ المسيح، ونتاقلم معها بسيرة تتوافق وبمتطلباتها. سياتى المسيح فعلينا ان نكون مستعدين كالعذارى الحكيمات والعاقلات اللواتى اخذن مع مصابيحهن زيتا وخرجن للقاء العريس.
عندئذ يصبح كل شئ على الارض علامة لهذا المجئ، وبحثنا على السهر كالوكيل الامين. ولاكتشاف هذه العلامات وجب السهر والمثابرة” ففى الساعة التى لا تتوقعونها ياتى ابن الانسان” ويا للعجب! هذا المجئ المفروض ان يكون للانسان مصدر فرح وابتهاج وسعادة، هو اليوم، سبب توبيخ ضميره، وقلقه وتعاسته وعدم استقراره. فاحذروا ان يثقل قلوبكم السكر والقصوف وهموم الحياة الدنيا، فيباغتكم ذلك اليوم كأنه الفخ، لانه يطبق على جميع من يسكنون وجه الارض كلها. فاسهروا مواظبين على الصلاة، لكى تكونوا اهلا للنجاة من جميع هذه الامور التى ستحدث، وللثبات لدى ابن الانسان” لنتم واجباتنا اليومية على اكمل وجه، مبتعدين عن الهموم الدنيوية والانانية الفتاكة، متطلعين الى الكمال. فالقلب المثقل بالدنيويات هو تعيس ومتكدر ومنغلق على نفسه، اعمى وابكم تجاه الغير.
ولكى نعيش امل المجئ القادم، علينا ان ننزع من قلوبنا ما يجذبها الى الارض، ولنتركها منفتحة امام الاب السماوى وعلاماته اليومية، المنيرة سئلنا الى السعادة الحقيقية:” اذا اخذت تحث هذه الامور، فانتصبوا قائمين وارفعوا رؤوسكم لان افتداءكم يقترب” فالفادى الحبيب يزورنا فى الافخارستيا. لنتقبله كل يوم وفى كل مناسبة سانحة لنتقدس. وعندئذ، وفى يوم الدينونة، لن يكون هو الديان الظالم بل الاب الرحوم الحنون والرؤوف، الآن ليكلل امانتنا لمحبته اللامتناهية. هو دربنا ونورنا. هو قوتنا واملنا.هو رجاؤنا وسعادتنا.