بعد ان استعرضنا معا تطور مفهوم الايمان عبر التاريخ كان هذا دافعا قويا للبحث عن أصول هذه الديانات.
اصول الديانات
1- رأينا امتداد فكرة الدين و تطور اشكال الاعتقاد من عصور ما قبل التاريخ الى عهود قريبة
و كيف ان هذه الديانات تمارس بطقوس و اشكال و مفاهيم مختلفة، لو كان الدين فكرة خاطئة لاندثرت منذ عهود قديمة، الايمان بالقوى العليا و الحاجة الى الايمان لم تكن فكرة وقتية متأثرة ببعض الظروف لكن الاحتياج الداخلى و الخارجى للايمان بدأ نبتة صغيرة فى قلب البشرية و نمت مع العصور المختلفة.
2- كان وراء كل حضارة قائمة ديانة تُسيّر مجرى التاريخ فلم يتأثر الدين بقيام و سقوط امبراطوريات بل على العكس فان عظمة الحضارات كانت ترتبط بديانة قوية تدفع الناس للتقدم و المعرفة اليقينية التى ارتبطت باستقرار الانسان و تقدمه.
3- على مدى العصور المختلفة و بالرغم من تعدد المفاهيم عن الوجود الالهى الا ان الوازع الدينى كان هو المسيطر على وجود الانسان ايضاً مفاهيم كثيرة مثل الحق و العدل و الواجب صيغت تحت مظلة الدين فكان ورع الانسان بها و التزامه بتأديتها هى تعبيره عن وجود الدين و لو لم يكن للدين دور مؤثر و مسيطر على الانسان لما استجاب له و اطاعه و التزم به.
4- المجتمعات البدائية مع تعدد الحضارات كان الدين فيها هو المنظم للمعاملات مع الآخر و بمثابة قانون اخلاقى اجتماعى تلتزم به الشعوب لحماية الضعيف من بطش القوى. فوجدت البشرية فى الدين الشريعة المثلى فى الاخلاقيات و العلاقات الاجتماعية.
قد وجدنا ان الصراع الايمانى داخل الانسان كان صراع مابين اله غير مُدرك و طبيعة مجهولة و شعور باطنى فلماذا نشأ هذا الصراع الايمانى العجيب، لماذا لم يكتفِ الانسان بوجوده و احتياجاته المادية كغيره من الكائنات الاخرى، لماذا نشأت بذرة الايمان داخل الانسان ان لم يكن فى احتياج لها و يدرك قيمته فيها، لماذا نسعى للالتزام و التقدم الاخلاقى ان انتهت حياتنا بصورة نهائية على الارض فما الحاجة الى الاخلاق و ما قيمة الثواب و العقاب، لماذا يلتزم الانسان بامور لن يحاسب عليها؟؟
اليس هذا دليل على آخروية الانسان و خلوده و ان هناك من يحاسبه على افعاله، ماهو الوازع لدى كل الديانات لسمو الخير ان لم تكن لهذا نزعة طبيعية داخل الانسان يلتزم بها و يسعى لترسيخها فى نفوس من حوله.
لو كانت البشرية اكتفت بالمفاهيم البدائية عن الدين و الكينونة الالهية لما كنا فى حاجة ان نرى كل هذه المفاهيم و العقائد حتى وصلنا الى اديان الفردية الروحية، لو كان الامر طقوس بدائية و امور مجهولة لما سعى الانسان ان يبحث عن الكمال بصورة مطلقة و عن المفهوم الكلى للكينونة الالهية حتى يصبح ايمانه مطلقا.
لماذا يسعى الانسان للمعرفة و البحث فيما وراء الطبيعة و لم يكتفِ بمعرفته الناقصة، اليس هذا اعترافا منه بمحدودية الطبيعة و فنائها و ان هناك عالما خالدا وراء هذه الطبيعة.
Ø من اجل كل هذا اشتركت كل الديانات و المعتقدات المختلفة فى نقطتين اساسيتين:
1- مفاهيم ايمانية
2- ممارسات دينية
I. المفاهيم الايمانية
1- الايمان بما وراء الطبيعة:
اشتركت كل الاديان السابقة فى عصورها المختلفة بمفاهيم كثيرة تعدت الحدود الطبيعية التى يعيش فيها الانسان، فاشتركت معظمها فى ان:
§ الإنسان كائن نسبى ومحدود
§ الايمان بوجود شىء فوق الطبيعة كاملا لايشوبه الثغرات او النقصان
§ الاحتياج للايمان بالمطلق الذى يحتوى كل شىء ويعلو فوق النسبية المتغيرة .
§ النزوع الى الايمان باللامتناهى الذى يتميز بكمال معرفته ولامحدوديته
§ الحرية منحت له من ارادة عليا حريتها مطلقة
§ إدراك الانسان لمحدوديته وانه كائن متناهى يستلزم من اجل الشعور به تجاوز حالة التناهى الى اللامتناهى
§ شعر الانسان قديما بتلك القوي غير المرئية الفاعلة في العالم
§ وجود قوة خفية و طاقة مقدسة تحميه بقدرتها المطلقة
§ الايمان بوجود قوي خفية مسيطرة علي الغرائز
2- الايمان بوجود خالق؛ تطور المفهوم عن الكينونة الالهية فى مراحل مختلفة مرت بها الاديان على على النحو التالى:
· عملية الخلق
· الإله خاضع للطبيعة و محدود
· الإله جزئي و كائن روحي
· الإله كلي و مجموعة من المفاهيم
· الإله كلي و ذات حقيقية
· الإله كائن روحي مطلق
3- الايمان بخلود الانسان و قد مر باشكال مختلفة:
· شعر الانسان البدائى انه كائن روحى يسمو عن الكائنات و الحيوانات الاخرى ويرتفع عنها
· عبادة الارواح الفردية بالاخص تلك التى يراها فى احلامه بعد موتها هى الاساس الذى بنى عليه معتقداته(عبادة الأسلاف)
· توجد روح كلية واحدة تسرى فى الوجود كله
· التحرر من المادية الطبيعية الي الروحية الكلية
4- الايمان بثنائية الخير والشر وقد ارتبطت بفكرة الخلاص من الشر عن طريق اله متفاعل مع الانسان تجسد ليموت عن البشرية و يقوم من الاموات؛ و يتلخص المفهوم فى ثنائية الخير و الشر:
· سيطرة الشر
· الحاجة الي الخلاص
· القانون الأخلاقي الطبيعي
· العلاقة التفاعلية مع الإله
· هلاك البشر (الطوفان)
· تجسد الإله (الحاكم – الأسطورة – الرمز)
· مفهوم الثالوث
5- الايمان بالحياة الآخرة و ان الكون لابد له من نهاية حيث توجد ارض لايشوبها النقصان تحاسب فيها الارواح على افعالها على الارض كما ان هناك عقائد مشتركة فى معظم الديانات تتمثل عن الحياة الآخرة:
· نهاية الكون
· أرض النعيم
· البعث و الخلود
· الثواب و العقاب
· عالم الأرواح
· أرض بلا نقصان أو ألم أو مرض….
و سوف نستكمل حديثنا عن االممارسات الدينية المشتركة في المقالة القادمة.