إنها أجراس من الله, تنذرنا بخطر معين, لكي نصحو إلي أنفسنا ونرجع إلي الله فهي إذن لفائدتنا وقد تكون عبارة عن ضيقات تحل بنا أو مجرد كلمات إنذار…
إنها من مراحم الله, تعطي الإنسان فرصة لمراجعة نفسه.
كما حدث في بعض الزلزالات التي هزت بلادنا. وخاف البعض واعتبروها علامة علي بداية النهاية. وكان الخوف نافعا للهم, قادهم إلي التوبة وإلي مزيد من الحرص…
إن الله لا يضرب الناس ضربة مفاجئة تهلكهم. بل بمراحمه ينذرهم لذلك تعجبني صلاة كان يصليها أحد الرهبان, ويكررها قائلا: لا تأخذني يارب في ساعة غفلة.
قصص إنذارات:
* ولعل من أولي إنذاراته: الإنذار الذي قدمه لقايين أول قاتل علي الأرض, قال له: عند الباب خطية رابضة, وإليك اشتياقها. وأنت تسود عليها (تك4:7) هذه الخطية الرابضة هي حسدك لأخيك هابيل ورغبتك في إيذائه. وأنت لا تزال تسود علي هذه الخطية فاحترس لئلا يتطور الأمر,فتسود الخطية عليك, وتقتل أخاك احترس إذن, ها قد أنذرتك.
* إنذار قبل ذلك قدمه الله لأبينا آدم: وأما شجرة معرفة الخير والشر, فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتا تموت (تك2:17). وعلمت حواء بهذا الإنذار, وقالته للحية (تك3:2, 3).
إنه إنذار قبل السقوط وهناك إنذارات بعد السقوط عبارة عن دعوة إلي التوبة.
وعن هذا لأمر قال الرب في سفر حزقيال النبي يا ابن آدم, قد جعلتك رقيبا لبيت إسرائيل فاسمع الكلمة من فمي, وأنذرهم من قبلي. إذ قلت للشرير موتا تموت. وما أنذرته أنت ولا تكلمت إنذارا للشرير من طرقه الرديئة لإحيائه. فذلك الشرير يموت بإثمه. وأما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنت أنذرت الشرير, ولم يرجع عن شره ولا عن طريقه الرديئة فإنه يموت بإثمه. وأما أنت فقد نجيت نفسك (حز3:17-19).
لذلك يؤسفني أننا لا ننذر: بدافع من الخجل أو المجاملة أو العطف.
بسبب المجاملة أو الخجل نبعد النصيحة أو الإنذار عن أحبائنا ومعارفنا وأحيانا بدافع الخوف لئلا يتضايقوا منا.
وقد توجد أم عطوفة علي ابنها أو طفلها. مهما أخطأ, لا توبخه مطلقا لئلا يحزن أو لئلا يغضب منها. وقد تفتخر بهذا الأمر ابني هذا, أعامله بمنتهي الحب. لم أحزنه في شئ منذ ولادته… بينما ربما هذا التدليل يفسده. والحب الحقيقي هو أن توجهه إلي أخطائه لكي لا يقع فيها مرة أخري. وبأسلوب لا تخسره به.
إن عالي الكاهن, لما لم ينذر أولاده بحزم, استحق عقوبة شديدة من الله. فمات وانتهي الكهنوت من أسرته (1صم3:14) وسمح الله بموت ابنيه في الحرب (1صم4:18).
* هناك نوع من الإنذار قبل توقيع العقوبة:
من أمثلة ذلك الإنذار الذي قدمه الله قبل الطوفان. وبلغه لأبينا نوح قال الله لنوح: نهاية كل بشر قد أتت أمامي, لأن الأرض امتلأت ظلما منهم. فاصنع لنفسك فلكا… (تك6:13, 14) أطاع نوح وأسرته هذا الإنذار ونجوا. أما باقي الناس فرأوا نوحا يبني الفلك ولم يبالوا بالإنذار, وهلكوا…
مثال آخر: أرسل الله إنذارا قبل حرق سادوم. وقام لوط بتبليغ هذا الإنذار وكلم أصهاره الآخذين بناته. وقال: قومو أخرجوا من هذا المكان, لأن الرب سيهلك المدينة. فكان كمازح في أعين أصهاره (تك19:14). ونفذ لوط إنذار الرب ونجا وبناته معه أما شعب سادوم فهلكوا.
* من أمثلة الإنذارات: الضربات التي أصابت مصر
كان يمكن بها أن يقتاد فرعون إلي التوبة, فيسمح بخروج الشعب. ولكنه لم يستفد بتلك الإنذارات. ولو أنه كان أحيانا يستجيب ويعد. ثم يرجع ويقسي قلبه. فمثلا بعد ضربة البرد أرسل فرعون ودعا موسي وهرون. وقال لهما أخطأت هذه المرة. الرب هو البار, أنا وشعبي الأشرار. صليا إلي الرب. وكفي حدوث رعود الله والبرد, فأطلقكم… (خر9:27, 28). ولما رفع الرب عنه الضربة, عاد فرعون وقسي قلبه, وانتهي بهلاكه, علي الرغم من كل الإنذارات التي قدمت إليه.
أنواع وطرق شتي:
1- قد يأتي الإنذار من الله نفسه مباشرة:
مثل قول الرب في أواخر سفر التثنية أشهد عليكم السماء والأرض. هوذا قد جعلت قدامك الحياة والموت, البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك إذ تحب الرب إلهك وتسمع لصوته, وتلتصق به لأنه هو حياتك (تث30:19, 20).
2- وقد يكون عن طريق الرسل والأنبياء والكهنة والمعلمين:
كل هؤلاء أرسلهم الله, لينقلوا كلمته إلي الناس, وينذرهم إن كان الأمر يستدعي ذلك, كما قال الرب في سفر حزقيال النبي قد جعلتك رقيبا لبيت إسرائيل فاسمع الكلام من فمي, وأنذرهم من قبلي (حز3:17), وكما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف: وبخ انتهر عظ, بكل أناة وتعليم (2تي4:2).
3- وقد يأتي الإنذار برسائل يرسلها الرب.
كما حدث مع ملائكة الكنائس السبع. فقد أرسل الرب إلي ملاك كنيسة أفسس يقول له اذكر من أين سقطت وتب… وإلا فإني أتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب (رؤ2:5) وأرسل إلي ملاك كنيسة ساردس يقول له أنا عارف أعمالك إن لك اسما أنك حي وأنت ميت… تب فإني إن لم تسهر, أقدم عليك كلص, ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك (رؤ3:1, 3).
وفي رسالته إلي ملاك ثياترا, أرسل إنذارا إلي الخااطئة إيزابل يقول فيه أعطيتها زمانا لكي تتوب عن زناها ولم تتب (رؤ2:21). ثم أنذرها بعقوبة لها وللمخطئين معها.
4- وقد يأتي الإنذار عن طريق علمانيين أو امرأة
كما حدث مع داود النبي لما تملكه الغضب من نابال الكرملي وقرر أن يقتله, ولا يبقي له بائلا بحائط… أن أرسل الله له أبيجايل لتنذره. فقالت له عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من أجلك. ويقيمك رئيسا علي إسرائيل أن لا تكون لك هذه مصدمة ومعثرة قلب لسيدي أنك قد سفكت دما عفوا أو أن سيدي قد انتقم لنفسه (1صم25:30, 31).
وتقبل داود الني هذا الإنذار بفهم ورحابة صدر, وقال لأبيجايل: مبارك هو الرب إله إسرائيل الذي أرسلك هذا اليوم لاستقبالي. ومبارك عقلك ومباركة أنت لأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء وانتقام يدي لنفسي… أصعدي بسلام إلي بيتك. انظري قد سمعت لصوتك (1صم25:32-35).
5- وقد يكون الإنذار عن طريق عقوبة تحدث تأثيرها
كما حدث بالنسبة إلي خاطئ كونثورس في العقوبة التي وقعها عليه القديس بولس الرسول, فعزله المؤمنون من وسطهم (1كو5:5, 13) ونتيجة لهذه العقوبة حزن وندم وبكي وتاب. ثم أعادوه في محبة, لئلا يبتلع من الحزن المفرط (2كو2:7).
6- وقد يأتي الإنذار عن طريق أحداث معينة
كما حدث مرة حينما هجم وباء الكوليرا علي مصر سنة 1948 وقاد كثيرين إلي التوبة أو حينما يصاب بلد من البلاد بزلزال خطير يوقظ ضمائر الناس ويعيدهم إلي الله. وكذلك مع كل كارثة طبيعية من البراكين أو الفيضانات أو القحط أو الحروب.
وقد أرسل الرب إنذارات عن الأحداث التي تسبق مجيئه الثاني في (مت24) (مر13) وفي أبواق الملائكة في (رؤ8, 9). وقال لنا الرب كونوا أنتم أيضا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان (لو12:40) اسهروا أذن لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياما (مر13: 25, 26).