مرزوقة.. أنقذتها الصدفة وجراحة في عينها حفظت لها الرؤية
لا يعرف معني البؤس إلا من يقترب من البؤساء.. يعايشهم.. يختلط بهم.. يسمع أناتهم.. وهذا ما حدث معنا هذا الأسبوع عندما طرقت بابنا واحدة من هؤلاء الذين ينتشرون في أرض الله الواسعة ولا نعرف عنهم شيئا لأننا -للأسف- لم نعايشهم, ولم نختلط بهم, ولم نسمع صوتهم الخافت الضعيف كعصفور مكسور الجناح ولكنه يعيش وسط العصافير وهم لا يدرون.
** هي سيدة في الثلاثينيات تحمل قوام امرأة يخفيها ثوبها الأسود.. ونضارة شابة تاهت وسط خطوط الزمن المرسومة علي وجهها.. دخلت علينا مع والدتها فلم أعرف من يسند من!!.. الابنة تسند الأم.. أم الأم تسند الابنة, الاثنتان تلتقطان أنفاسهما بعد أن أرهقهما طول المشوار.. الأكثر قسوة أنها تجر في ذيلها أصغر أولادها -يوسف- وهو يتفرهت من ضربة شمس أصابته عبر رحلة الطريق الطويلة.. كان قد حدثني عنها صديق يخدم في كنيسة العريش..
قال لي إنها محتاجة إلي عملية في عينها, ولكنه لم يحدثني عن مأساتها ولم يتطرق إلي حياة البؤس التي تعيشها.. لكن الصورة أمامي كانت تحمل كل ما أخفاه عني صديق العريش.. دعوتهما للجلوس وتركتهما تلتقطان أنفساهما وأنشغلت بمحاولة إنقاذ الابن الصغير.. دقائق ويحدث إليهما أرتب الأوراق التي تحملانها.. خطاب من القس روفائيل راعي كنيسة مارجرجس بالعريش يقدم فيه الابنة مرزوقة.. هو أيضا لم يتحدث عن قسوة معاناتها وبؤس حياتها واكتفي بالإشارة إلي أنها من إخوة الرب وترك لنا أن نكتشف ما وراء كلمة إخوة الرب من متاعب وهموم وجروح ولكنها لا تدمي لأنهم يستريحون في حضرة الرب ويطرحون أثقالهم تحت قدميه.. وشهادة من طبيب الوحدة الصحية بقرية عاطف السادات يقول فيها إنها تعاني من كتاركتا بالعينين وتحتاج إلي جراحة لإزالتها علي وجه السرعة حتي لا تتدهور درجة إبصارها.. وبطاقة تحقيق شخصية تفصح عن أنها من مواليد 25/11/1984 وتكشف أن عمرها في الحياة بحساب الأيام 34 عاما, وهي أرقام خادعة فعمرها بحساب قسوة الحياة يصعب حسابه فأيام البؤس طويلة ثقيلة.
** اكتفيت بتجميع هذه الأوراق ووضعتها في ملف يحمل اسم الصديقة الجديدة التي دخلت بنا إلي عالم البؤساء لنري كيف يظلل الرب كل أولاده ويحفظهم في حصانته ضد الضيقات..
وضعت الملف في حقيبتي واصطحبتهما إلي بيت المحبة بجزيرة بدران ليستريحوا ساعات قبل موعدنا مع طبيب العيون في السادسة مساء.. وخلال رحلة الأيام الثلاثة التي قضيناها معها عرفنا معني البؤس.. ولن أخفي عنكم شيئا.. تعالوا لتروا معي كيف يعيشون بيننا ونحن لا ندري.. أدعوكم لتروا معي فتقدموا في كل لحظة الشكر للرب صانع الكون ومدبره علي عطاياه الكثيرة لنا.. افرحوا وابتهجوا فكل حقيقة يكشفها الله لنا هي جوهرة غالية.
* * *
** خيوط البؤس تشكلت قبل أن تولد.. تزوج والدها من والدتها وهما لا يملكان من حطام الدنيا إلا الستر.. استقرا في عش صغير تحت سطح جبل أسيوط الغربي في قرية درنكة بالقرب من المغارة التي اختبأت فيها العذراء بالطفل يسوع.. سنوات.. مع شروق الشمس يخرج الزوج بحثا عن قوت يومه وقوت زوجته أجيرا في أرض أو فاعلا في معمار, ويعود مع الغروب يحمل الفتات فيسجدان شكرا لأنهما رغم الفقر يعيشان في فرح الرب, ورزقا بابنة اسمياها مرزوقة عبرا في اختيار الاسم عن عمل الرب معهما.. كان مجرد ترديد اسمها يحمل قول الرب انظروا إلي طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلي مخازن وأبوكم السماوي يقوتها ألستم أنتم بالحري أفضل منها.. ومضي الزوجان في حياتهما هكذا يرميان كل حملهما علي الله, ورزقهما بابنتين من بعد مرزوقة علي التوالي صفا وراندا.
** قبل أن تكمل مرزوقة عامها الخامس رقد الأب ولم يعرف أحد سببا لمرضه.. أيام معدودات رقد فيها الزوج زارع وبعدها استرد الرب وديعته لتبدأ الزوجة رحلة الصمود في مواجهة زوابع ورياح الحياة مع ثلاث بنات..
حكت لي الزوجة الأم عن كثير من المصاعب التي واجهتها في صبر وإيمان كاملين أن الرب يقوتهم كطيور السماء, وهو الإيمان الذي ملأ قلبها من بداية حياتها مع زوجها وأبو بناتها.. وعفوا إن أغفلت الحديث عن هذا الآن لأنني أود أن تعيشوا معي مأساة الابنة مرزوقة فقط لأنها وحدها تحمل خيوط مأساة متشابكة كخيوط العنكبوت, وهي تكفي وحدها لتعرفوا -كما قلت في البداية- ما وراء كلمة إخوة الرب.
** في العش الصغير القابع تحت سفح الجبل الغربي مضت الأيام ثقيلة علي الأم وبناتها الثلاث.. كانت مرزوقة أكبرهن فكان عليها -أو هكذا كتب عليها- أن تعاني أكثر, وتتحمل أكثر وتصمد مع أمها أكثر.. لم تفكر الأم أن تلحقها بمدرسة القرية مثلا, أو ترسم صورة لمستقبلها.. كانت كل ما تراه أن عليها أن تساعدها في توفير أبسط ضروريات الحياة -الطعام- لهما ولأخواتها..
وعندما شبت الابنة كان كل ما يشغل الأم أن تستر الابنة, ومع أول عريس وافقت الأم أن تزوج ابنتها البكر.. كان شابا من القرية يعمل كما كان يعمل والدها أرزقي ولم تكن الأم تفكر لابنتها في أكثر من هذا.. وفي أيام تمت الزيجة.. وفي نفس العش الذي بدأت فيه الأم حياتها انضم زوج الابنة.. ولم تطل الأيام بهما هكذا.. بعد ثلاثة شهور فكر الزوج أن يصحب زوجته إلي أرض الله الواسعة بحثا عن رزق أوسع.. اختار أرضا بكرا في ذلك الوقت -العريش- وذهبا معا وابتسمت لهما الدنيا فعمل في الخردة ورزقهما الله بثلاثة أولاد (ولاء, دميانة, ويوسف) لكن القدر لم يتركهم لسعادتهم وعاد البؤس يطل عليهم بخيوطه العنكبوتية.. صاحب الزوج أصدقاء السوء وسقط في بئر الإدمان, وترك الزوجة وأولاده الثلاثة, ولم يعرف له طريق ولا مكان, وعادت مرزوقة تعيش مأساة طفولتها.. نفس السيناريو يتكرر.. عادت تواجه المآسي في صبر وصمت لا يعرفه إلا إخوة الرب.
* * *
** المشهد المأساوي في سيناريو مرزوقة لم يكن في الزوج الذي رحل وترك لها ثلاثة أولاد تواجه معهم رياح الغدر وقسوة الأيام, فقد عاشت هذا السيناريو من قبل مع أمها.. المشهد المأساوي أنها تحمل مرضا منذ طفولتها ولدت به وهي لا تعرف إلي أن اكتشفه مصادفة طبيب صغير بالوحدة الصحية لقريتها عندما ذهبت مع شقيقتها التي تعاني من ضعف في الرؤية, وطلبت منه أن يكشف عليها أيضا لأن دموعا تتساقط من عينيها باستمرار.. وكشف الطبيب فعرف أنها تعاني من كتاركتا خلقية وكتب لها تقريرا ذهبت به إلي كاهن الكنيسة لأن الطبيب أزعجها عندما حذرها من أن تترك عينيها هكذا, وأزعجها أكثر عندما طلب إجراء جراحة لها لا تملك من تكلفتها قرشا.. ومن هنا كانت بداية رحلتنا معها.
** أصارحكم أنني أيضا انزعجت لتقرير طبيب الوحدة الصحية, فمعلوماتي أن المياه البيضاء لا تصيب إلا كبار السن وحدوثها يكون جزءا من تقدم العمر.. ولم أقف أمام هذه المعلومات وأكتفي لأنني أعرف أيضا خطورة الإصابة بالمياه البيضاء لأنها تسبب ضعفا بالبصر وعدم وضوح في الرؤية, وهذا ما زاد من انزعاجي واصطحبتها إلي صديقنا طبيب العيون النابغة الدكتور مجدي عيسي.. وبعد الفحص أكد لنا أن لديها مياها بيضاء بالبؤرة الخلفية لعدسة العينين وبدرجة أكثر في العين اليسري وهي ما تعرف بـالكتاركتا الخلقية مضيفا أن الكتاركتا بسبب تقدم السن, فمن الممكن أن يولد إنسان حاملا بعينيه مياه بيضاء لوجود تاريخ عائلي للكتاركتا, ويمكن أن تكون نتيجة التعرض الزائد للأشعة فوق البنفسجية أو أشعة الشمس المبهرة في الأماكن المفتوحة, أو نتيجة اتباع عادات غير صحية في الغذاء والتدخين, أو نتيجة الوراثة كما في هذه الحالة.. ونصح الدكتور مجدي بإجراء عملية لإزالة المياه البيضاء بالعين اليسري فقط وتركيب عدسة.
** لم يكن الأمر يحتاج إلي التأجيل.. في الصباح كنا نأخذ طريقنا إلي المستشفي الوطني للعيون وهو من أكبر وأحدث المستشفيات ولم يستغرق إجراء العملية كثيرا.. الأمر كله استغرق أقل من ساعة, وكما قال لنا الدكتور مجدي عيسي: إن تقدما كبيرا حدث في جراحات العيون وخاصة في إزالة المياه البيضاء وتركيب العدسات باستخدام الموجات فوق الصوتية لتفتيت وشفط الماء الأبيض من خلال فتحة صغيرة لا تتعدي 1.8 ملليمترا باستخدام جهاز الفاكو مع زرع العدسات القابلة للطي (المتكيفة) ودون تخدير اكتفاء بقطرات التخدير الموضعي.
** مرة أخري -اليوم التالي- اصطحبنا صديقتنا مرزوقة إلي الدكتور مجدي عيسي.. اطمأن علي نجاح العملية وسلامة عينيها, وطمأننا وهو يقدم لها بعض النصائح.. الأكثر أنه طمأنها أنه ليس هناك من ضرورة لإزالة الكتاركتا من العين اليمني الآن..
** ترافقها سلامة الله عادت مرزوقة إلي العريش لتواجه بعيون سليمة رياح الغدر وقسوة الأيام مع أبنائها الثلاثة.. علي نفس الدرب الذي سارت عليه والدتها هي تسير, وهو الدرب الذي تذكرناه خلال رحلتنا مع مرزوقة.. والدرس الذي تعلمناه من معلم البشرية في موعظته علي الجبل انظروا إلي طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلي مخازن, وأبوكم السماوي يقوتها, ألستم أنتم بالحري أفضل منها.
===========================
صندوق الخير
300 جنيه طالبين شفاعة العذراء مريم
3000 جنيه طالبة شفاعة السيدة العذراء مريم
100 جنيه طالب بركة الرب
500 جنيه شفاعة أمنا العذراء أ.ن
300 جنيه طالبة شفاعة العذراء والبابا شنودة بأسيوط
250 جنيها س.ف.ح. بأسيوط
6000 جنيه مجانا أخذتم مجانا أعطوا
4000 جنيه من يدك وأعطيناك بالزيتون
1000 جنيه فادي
10000 جنيه من يدك وأعطيناك
3200 جنيه علي أرواح أمواتنا بالإسكندرية
200 جنيه صديق من العريش
200 جنيه علي روح المرحوم صالح إسحاق
1000 جنيه أسرة المهندس إميل أخنوخ بأمريكا طالبين شفاعة أم النور
—-
30050 ثلاثون ألفا وخمسون جنيها لا غير
=========================
تليفون الخير
تسهيلا للتواصل مع أصدقائنا صناع الخير وأحبائنا المرضي والمتألمين خصصنا تليفونا برقم متميز 01010017244
===============
أصدقاءنا المرضي والمتعبين.. وأصدقاءنا صناع الخير.. مرحبا بكم وندعوكم للتواصل معنا عبر المحمول رقم 01010017244 أو عبر البريد الإلكتروني [email protected]