أنصاف الإلهه..أولئك الذين حدقوا في مرآة النفس فوجدوا فيها رسلا للعون,واوصياء علي العطايا..فنصبوا من أنفسهم قضاة يحكمون علي الناس بالسعادة أو التشرد طبقا لرؤاهم..وتقديراتهم البشرية المحدودة..أولئك الذين جرفتهم دوامة المنح والمنع..فصاروا تروسا في آلات الإذلال دون أن يدروا,وكأنهم أنصاف ألهة,أشرنا إليهم مرارا في مقالات سابقة النشر,ربما يفعلون ذلك دون عمد,لكن النتيجة واحدة إذ سلموا متاريس الرحمة للعقل وحسابات المنطق,غير عالمين أن الرحمة تنبع من القلب وليست وليدة المنطق والحسابات,كلما يضيق الغلابة الذين دهستهم قاطرة المآسي بلا منطق,يخرجون من طوابير الانتظار في ساحة الجبروت,يتمردون علي العطايا المغموسة في معون الشك والتقطير,هناك في ساحة الجبروت ذهبت تلك السيدة المهزومة في جسدها ومعيشتها وعائلتها,خرجت مهزومة أيضا في آمالها أن تلقي المساعدة الفورية فحالها لاينتظر خاصة إنها معلومة لديهم.
كتبنا عنها من فترة لا تتجاوز العام,إنها زوجة لرجل عثر الحظ,هي مريضة بفيروس سي,أما الزوج فقد أصابته حادثة اقعدته بسبب اصابة عنيفة بالعمود الفقري والساقين ثم أصابه فيروس بالعين فصار شبه كفيف,لديهما ولدان في المرحلة الابتدائية وبعد أن كانت الأسرة مستورة اضطرت الزوجة للعمل خادمة في المنازل حتي تتمكن من إعالة ذويها.
ثم اشتد عليها المرض ولم تعد قادرة علي الخدمة في البيوت فاضطرت للتوقف والعمل في حضانة للأطفال حيث تتقاضي 400 جنيه شهريا,لاتكفي حتي القوت اليومي,وباتت الأسرة تحيا علي الإعانات,غير أن إيجار السكن يمثل عبئا ثقيلا علي الأسرة شاركناها فيه لفترة طويلة,لكن دوام الحال من المحال فالشقة التي تسكن الأسرة فيها بالإيجار الجديد وبدون عقد.
هذا هو قانون المنطقة التي يقطنون بها في الإسكندرية في إحدي المناطق النائية والكل يعلم النظام هناك,وحينما قرر صاحب العقار بيع العمارة وتسليمها للمشتري الجديد,أخبره أن الوحدات المؤجرة ستكون خالية وقت التسليم إذ اعتبر الرجل أن الوحدات المؤجرة دون عقد وحدات خالية وباع العقار علي هذا الأساس.
جاء صاحب العقار الجديد ليتسلم أملاكه فوجد هذه الأسرة المنكوبة مازالت موجودة لم يرفق بحالهم,لم يتوان عن طردهم بقسوة لم ينتظر حتي ليتدبر الناس حالهم هددهم بإلقاء الأثاث من البلكونة,اضطرت الأسرة إلي مغادرة الشقة واستئجار سيارة لتحميل الأثاث,واستقروا في الشارع,ذهبوا إلي أقرب كنيسة,لم يعرهم الآب الكاهن المسئول وتركهم يمضون إلي التشرد,اتصلت الزوجة التعسة بنا لتروي ما جري قالت في بؤس. إحنا بايتين في الشارع من إمبارح مش عارفين نروح فين ولانعمل أيه,محملين العفش علي عربية أخدت مننا700 جنيه واحنا مش لاقيين أصلا ندفع فلوس المدارس للعيال,إللي استلفناه علشان المدارس راح,المشكلة إننا مالناش مكان نعيش فيه,في ناس صعبنا عليهم نقلونا آخر الليل لشقة فاضية وقالوا إنهم ممكن يأجروها لنا ب 750 جنيها وعايزين شهرين تأمين وشهر إيجار مقدم يعني كل المبلغ 2250 جنيه,بس العين بصيرة والأيد قصيرة,نجيبهم منين,قالوا هايصبروا علينا يومين لكن بعد اليومين هانجيب منين والمدارس هاتبدأ,مش عارفة هايكون مصيرنا الشارع تاني ولا هانعمل أيه مالناش غير ربنا وأنتم..
استمعت إليها وأنا لا أعلم ماذا أفعل,تحدثت إلي أحد المسئولين في الكنيسة بالإسكندرية أبدي اهتماما وفي اليوم التالي ذهبت السيدة إلي هناك,ففوجئت بأن المسئول غير موجود وكلف من ينوب عنه بمنحها خطابا لنفس الكنيسة التي يتولي الأمر فيها الكاهن الذي أهملهم من قبل,لم يكن من السيدة ألا إنها تركت لهم الخطاب ورحلت عنهم باكية.
وعاودت الاتصال بي مرة أخري قائلة:بيمطوحوني ويبعتوني لبعض,والوقت مش معايا.. إزاي أرجع أطلب تاني من حد عارف أني قاعدة في الشارع وماعملش حاجة أنا تعبت جدا ياريت أموت وارتاح كفاية ذل ومرمطة وشحاتة من الناس,كفاية غلب ومرض وضيقات مش قادرة أواصل خلاص المسئولية قطمت وسطي وماليش سند ولاضهر أنا مش هاقدر أرجع لأبونا تاني مش هاقدر أروح اتفضح تاني,مش هاقدر أروح أتذل تاني غصب عني سامحيني وربنا يعمل إللي عايزه.
لم يكن بوسعي ألا أن أحاول إجراء الاتصال مرة أخري لكن دون جدوي فلا أحد يتابع,والمال لايمكن أن يكون متوفرا في الحال لدينا,ننشر فقط مرة أسبوعيا ننتظر فيها تفاعل القراء وكم طلبنا مرارا دعم ميزانية الباب من أجل الطواريء التي لا تنتظر النشر.لم نطلب منهم لكن الله لايرضي بالتفريط,صدقا هناك من لايستحقون لكن لاتأخذوا المستحق بجريرة الكاذب,ولا المستقيم بجريرة الملتوي فمن أنهاره مياه كثيرة تجري لتشبع الجميع فلا تمنعوها,وحينما تخلو ساحة الجبروت من المحتاجين اعلموا أنكم أتممتم وصايا الرب وما عاد إخوته عرايا وجوعي ومشردين في عالم الضيق.