كثيرًا ما نترقب انتهاء تتر العمل الدرامي بسرعة ليبدأ أول مشهد منه ونندمج مع الأحداث ونعيش مع أبطالها صراعاتهم وأفراحهم وأحزانهم ونتآنس معهم نسمعهم وهم يسردون حكاياتهم بكل تفاصيلها؛ ولكن لم يطرأ على بال الكثيرين من هو المحرك الرئيسي لكل هؤلاء الأشخاص؟ ومن أوجدهم في هذا السياق المحنك الذي استطاع من خلاله أن يشاركنا قصص قد حدثت بالفعل على مر العصور وأحياها لنا من جديد ام قصص نسجتها بصيرة خياله من قضية شغلت ضميره وعقله.. السيناريست هو الشخص الذي له الملكة الوحيدة في خلق العمل الدرامي؛ فهو الذي يتقابل مع كل شخصية في العمل ويتحاور معها ويعيش معها يأكل ويشرب ويذهب معها في كل مكان ويتصور انفعالاتها وعلاقتها، وبالمجال هو واضع حجر الأساس لأي عمل درامي.
وحوارنا اليوم مع سيناريست وكاتب له مواهب أخرى متعددة مثل التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والرسم وهو رائد فكرة فريق “تياترو” لتطوير المسرح الكنسي. كتب العديد من الأفلام الدينية المسيحية وكانت بصمة واضحة في تاريخ الأفلام المسيحية التي استفزت جودة صناعة العمل الفني الديني بأن لا يقل عن معايير جودة الأفلام السينمائية العالمية، ومن أبرزها فيلم الراهب الصامت “ابونا يسطس الأنطوني” ، ابونا عبد المسيح الحبشي ، نسر البرية “القمص فلتاؤس السرياني”..هو الكاتب والسيناريست سامي فوزي..
إلى نص الحوار ..
* في البداية نود أن نتعرف على شخصية الكاتب سامي فوزي؟
** اسمي بالكامل سامي فوزي لبيب ولدت بمنطقة جانب شجرة مريم بالمطرية، ابلغ من العمر 42 ، حصلت على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، ودبلومة في التسويق، متزوج ولدي طفلتين هما مارلي وميراي.
مع ابنتيه مارلي وميراي
* ما علاقة دراستك بعملك الحالي كسيناريست؟
· ** في البداية عملت مدير مالي لأحد شركات القطاع الخاص الكبرى لمدة 17 عام ، وبعد ذلك قررت ان اوجه تركيزي في العمل حسب موهبتي في التصوير والكتابة .
السيناريست سامي فوزي
* ما هو الدافع الرئيسي الذي جعلك تكتشف مواهبك ؟
** والدتي، كانت لها الدور الاساسي في حبي للقراءة وأبي كان يشجعني في الاعمال الفنية مثل الرسم والنحت، واتذكر جيدًا إن والدتي كانت دائما تأخذني بعد انتهاء اليوم الدراسي الى المكتبة المجاورة للمدرسة وتشتري لي كتاب يوميًا مكافأة عن سلوك ما حسن انجزته خلال اليوم، وإلى يومنا هذا اتذكر كتب بعينها اثرت في ذاكرتي وتركت لي ميراث معلوماتي عن الطبيعة والفلك والجغرافيا وغيرها .. أما بالنسبة لكتابة السيناريو؛ اتذكر اني قمت باعداد سيناريو درامي وانا عمري 12 عام وقتها، جمعت به كل قصص الافلام التي شاهدتها في تلك الفترة، وربطت الاحداث والقصص في سياق درامي، وقرئتها على أسرتي وبالرغم من “ضحكهم” على سردي للأحداث لانهم فطنوا احداث الفيلم من قصص مجمعة لعدة افلام، إلا انهم ظلوا يستمعون لي وشجعوني للأستمرا.. بالاضافة للرسم والنحت فكنت اتعلم فن رسم الايقونة من الرسام “ايزاك فانوس” فكان لديه معرض في ارض الجولف كنت اذهب إلى هناك واتعلم منه وهكذا كنت اتعلم أي شيء من خلال الملاحظة لأي شئ يجذبني.
* عُرف سامي فوزي في مجال الميديا بالسيناريست .. فكيف بدأت الرحلة ؟
** في البداية كانت خدمتي بمسرح كنيسة العذراء مريم بأرض الجولف، وكتبت مسرحية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ولا استطيع أن أوصفهم أبدًا بذلك لانهم فعلا اصحاب عقليات خاصة ، وكانت المسرحية بعنوان “احنا بين ايديكي” وكانت تجسد قصة حياة العذراء مريم وقدموها باداء متميز جدًا وتم تكريمنا .. بعد ذلك مرت أحداث لم تحالفني في حظي أن استمر في خدمة مسرح الكنيسة، إلى أن شاهدت فيلم “المناهري” والذي قام ببطولته الفنان ناجي سعد، وكان لهذا الفيلم طابع فني مختلف ومتميز أعطى دفعة فنية متطورة في سياق الحديث والدراما مختلفة عن باقي الافلام وقتها ، طبعا مع احترامي لبقية الاعمال الفنية السابقة نظرا للحالة المادية وقتها، وبدأت ان أدرس كيفية كتابة السيناريو والحوار، وبعدها قرأت قصة أبونا يسطس الأنطوني من كتاب مكون من 14 صفحة وكتبت له سيناريو وصلت فيه للمشهد ال70 ، فأخذت الفيلم وتقابلت مع الفنان ناجي سعد واطلعته على الفيلم، فوجهني الى السيناريست حسام حليم كاتب فيلم “المناهري” وتقابلت معه وقرأ السيناريو وشجعني جدا ولم ينتقدني على الاطلاق ولم يقل من شأن السيناريو حتى أنه قال لي بالنص “ماترجعليش تاني في اللى انت كاتبه انت كاتب حاجة مميزة استمر” .
* كيف ظهر فيلم (الراهب الصامت) ؟
وقتها عرفت انه لابد ان اتوجه الى شركات الانتاج اعرض عليها السيناريو ثم بعد ذلك انتظر الرد ، وبالصدفة كنت اتحدث مع زميلي بالعمل وعرفت منه انه على صلة قرابة بالانبا يسطس اسقف دير الانبا انطويوس بالبحر الاحمر وإنه سيأتي قريبا لزيارته بالمنزل، فأخبرته بأني كتبت سيناريو لقصة القديس يسطس الأنطوني، وقتها قال لي بأن سيدنا عرض عليه حتى الآن ستة نصوص لسيرة أبونا يسطس ولكن لما لا فاترك لي السيناريو غدا عند بوابة الكنيسة التي كان يحضر بها وهو سوف يأخذه ويسلمه لأسقف الدير؛ وبالرغم من احتمالية الفرصة تكاد تكون مستحيلة الا اني فؤجئت ان الدير يتصل بي لاختيارهم السيناريو الذي كتبته، وحددوا ميعاد للمقابلة وبالفعل بدأت مراحل تنفيذ الفيلم والذي استمر قرابة سنة ونصف وقد شارك فيه مع نخبة من الفنانين المبدعين كل واحد في مجالهم واكثرهم اعتزازًا على قلبي المخرج المبدع جوزيف نبيل ومن وقتها صاربالنسبة لي على المستوى الشخصي الاخ وصديق النجاح .
* كتبت فيلم لأبونا عبد المسيح الحبشي .. فكيف استطاعت أن تكتب قصته وهومن خلفية ثقافية غير مصرية كيف استطاعت ان تكتب لقصته سيناريو وحوار؟
ابوناعبد المسيح الحبشي عندما أتى إلى مصر كان عمره وقتها 22 سنه وكان يتحدث بالغة الأمهرية، فكان لابد ان اتعلم هذه اللغة وبالفعل ذهبت إلى راهب من عائلة ابونا عبد المسيح الحبشي وكان يسكن بقلاية بالكاتدرائية يدعي ابونا حياة وهو الذي علمني اللغة الأمهرية، وعلمها ايضا لبطل الفيلم الفنان جميل برسوم.
* وماذا عن فيلم نسر البرية ؟
** تم اختياري من دير السريان نفسه لأكتب سيرة القديس أبونا فلتاؤس، وكان بمثابة نقلة درامية وروحية نهضت بتاريخ الاعمال الدينية المسيحية وفي الحقيقة كانت يد الله في هذا العمل بشكل عجيب، وعمل كل واحد بأبداع في مهنته في هذا العمل، وكان به الحرص على المنطقية وخصوصا في جانب المعجزات وهو جزء شائك فقبل كتابة القصة أو المشهد لابد ان يجتمع رأي ما لا يقل عن خمسة أفراد عاينوا المعجزة بأنفسهم .. بالإضافة الى الاشعار التي كتبها الشاعر رمزي بشارة، والموسيقى للموسيقار عمانوئيل سعد، وترانيم ابونا موسى رشدي، واخراج جوزيف نبيل، كل هذه عناصر إبداعية تحتم نجاح العمل الدرامي فنيا وروحيا.
مع المخرج جوزيف نبيل اثناء التجهيز لفيلم نسر البرية
* هل هناك رؤية رئيسة من خلال عملك كسيناريست من كتابة سير القدسين ؟
** أن يروا المسيح وحده، اذا لاحظتي في كل الافلام التي كتبتها كنت دائما أذكر ما يشعر به القديس في نفسه من ضعف، فكان على سبيل المثال ابونا فلتاؤس كان بيقول “يارب دول فاكرني أن بعمل معجزات لكن انا ولا حاجة “، وفي فيلم أبونا يسطس كان بيقول للفتاة التي جلست معه للاعتراف قال “اوعي تكوني فكرة علشان انا راهب ابقي كويس ” .. فأنا هدفي الاول والاساسي هو أن أربط المشاهد بالمسيح الذي جعل قديس العمل في هذه المكانة وليس القديس من ذاته.
* ماذا عن اعمالك الفنية القادمة؟
حاليا كتبت فيلم للقديس أبو نفر السائح ويتم تصويرة في الفترة الحالية
* هل اقتصرت كتاباتك على الاعمال المسيحية فقط؟
اقوم بكتابة عمل فني اجتماعي راقي خارج الميديا المسيحة وسيظهر قريبا للنور واتوقع ان ينال اعجاب واحترام المشاهدين.
* كونك رائد لفكرة تكوين مشروع تطوير المسرح الكنسي من خلال فريق (تياترو ).. فما الهدف منه ؟
** نحن فريق فني احترافي واحد مكون من رواد الميديا المسيحية منهم المخرج جوزيف نبيل الديكور الدكتور إيفان أديب والشاعر رمزي بشارة ، وتوني الفريد ومصمم الجرافيك ميلرعزت ، ومن الممثلين الفنان عاصم سامي والفنان جميل عزيز والفنان ايمن امير والفنانة شيري مجدي
تياترو هو فكرة هدفها هو احلال وجوه جديدة واكتشاف مواهب متميزة ، بجانب تقديم عروض مسرحية سنوية موسمية تناقش قضايا إجتماعية كوميدية تخاطب العامة ، و القضايا المطروحة لاتمت بأي اشكاليات كنسية أو طائفية أو عقائدية ، مع الحفاظ بهويتنا الاورثوذكسية ، بالاضافة إلى فتح مجال لكل الاعمار (من سن 8 سنوات إلي الشيوخ) ولكل لفئات للتدريب والاشتراك في المجالات الفنية المختلفة، تدريب المواهب وتمكينها لتكون لديها القدرة على تدريب الفريق أو المجموعة المنتمية اليها، خدمة جميع القطاعات داخل مصر وخارجها .
فريق تياترو مع نيافة الأنبا مارتيروس
* كيف لاقت هذه الفكرة الاستجابة من الكنيسة ؟
** نشكر الله ان الفكرة باركها نيافة الأنبا مارتيروس اسقف عام شرق السكة الحديد ورئيس لجنة المصنفات في المجمع المقدس ونخضع لتوجيه ورعايته، كما انه رحب جدًا باستضافة الفريق في مقر رعويته بكنيسة العذراء بمهمشة.. فوجدنا أعداد كبيرة من الشباب تقدمت في الاختبارات المراحل الأولية من مختلف المحافظات التي اختارنا منها المواهب المشاركة في الفريق مثل القاهرة والاسكندرية وقريبا في محافظة المنيا.
اثناء عمله بالتصوير