ما اشبه اليوم بالبارحة فجاء مشهد تفجير كنيستى مارجرجس بطنطا و مارمرقس بالاسكندرية يحاكى ذات المشهد الاليم داخل الكنيسة البطرسية باستهداف مسيحيي مصر اثناء تأدية صلواتهم لتنتفض الدولة المصرية ألما على دماء ابنائها المصريون المتناثرة داخل ارجاء الكنيسة و الجثث مفترشة الارض و الصراخ و العويل يملىء اركانها فى صورة تتنافى معها كافة المعانى الانسانية و الاخلافية و القيم الدينية السماوية .. فقط لكونها اقصر الطرق لضرب الوحدة الوطنية فى محاولة لكسر الدولة المصرية و تصوير المسألة و كأنه ” اضطهاد للاقباط ” من خلال تضييق الخناق حولهم بتهديد حياتهم غير عابئين ان الجميع يراهنون على ذكاء مسيحيي مصر فى فهم الرسالة الموجهة رغم مرارة الغدر و ألم الفراق مدركين ان دم المصرى لا يفرق بين المسلم و المسيحى و هو ما اكده الرئيس السيسى خلال رده الحاسم باعلان حالة الطوارىء لمدة 3 أشهر عقب اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطنى و تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الارهاب بتعامله مع ذلك الخطر الغاشم الذى يستهدف الوطن دون فئة أو طائفة بعينها بقوله ” ان من سقطوا اليوم مصريون ” فالدم واحد ليس هناك فرق و الدليل ما يسقط من شهدائنا من الجيش و الشرطة بين الحين و الآخر .. فالكل واحد و جميعنا ندفع ضريبة و ثمن بقاء الوطن دون تقسيمه .
للوقوف على حقيقة المشهد الحالى و لاى مدى يمكن للدولة مواجهة ذلك التحدى الحقيقى ؟ و كيف يمكنها خوض حرب معلوماتية شاملة لتجفيف منابع الارهاب و اجهاض اى من العمليات الارهابية قبل ارتكابها ؟ و ماذا عن اعلان حالة الطوارىء و تشكيل المجلس الاعلى لمكافحة الارهاب المساهمة فى الخروج من الازمة ؟ كان هذا التحقيق …
د . عمار على حسن – الكاتب و الباحث فى الشئون الاسلامية : ان حادث تفجير كنيستى مارجرجس بطنطا و مارمرقس بالإسكندرية يستهدفان الوطن بشكل واضح ،و لم يعد هناك مجالا لاضطهاد الاقباط و الدليل كم كمائن الشرطة التى يتم استهدفها ايضا مع العمليات الارهابية التى تتم داخل سيناء بين الحين و الآخر ليسقط عدد من ابنائنا من القوات المسلحة، و بالتالى فهى عملية ارهابية سياسية و ليست طائفية مثلما تم استهداف النائب العام هشام بركات و استهداف القضاه و منهم اغتيال قضاه اثناء الانتخابات و اغتيالهم فى سيناء و غيرها من العمليات الارهابية السياسية التى تستهدف ترويع الشعب المصرى و احداث وقيعة بين ابنائه و تفكيكه , ففكرة الاضطهاد غير واردة على الاطلاق .. الواقع الحالى يؤكد ان الارهاب يبحث عن نقطة رخوة أو ضعيفة فى الجسد المصرى من اجل احداث حالة من الفوضى و الاضطراب الاجتماعى لكسر البلد من خلال تفجير كنائس باعتباره اقصر الطرق لضرب الوحدة الوطنية يعقبها هجوم اعلامى رهيب على مواقع التواصل الاجتماعى و بعض القنوات المغرضة ضد مصر من اجل احداث شرخ نفسى كبير بين المسلمين و المسيحيين داخل مصر , و لعله لاول مرة نجد عقب وقوع الحادث الاليم ان الخطاب للاسف ينزلق من ادانة الإرهاب إلى ادانة الاسلام، و هو ما نعتبره امر فى غاية الخطورة بتصدر المشهد رجال دين أو بعض نشطاء من اقباط المهجر للحديث فى ذلك الاطار فى المقابل نجد موقف المواطنين البسطاء و العقلاء من النخبة المسيحيية و الاسلامية و من رجال الدين فى الطرفين فوتوا الفرصة على هؤلاء، و من ثم علينا ان نتنبه مستقبلا إلى ان الإرهاب يستهدف الجميع ،و ان الدم المصرى لا يفرق بين المسلم و المسيحى , فالكل واحد و جميعنا ندفع ضريبة و ثمن بقاء الوطن دون تقسيمه أو تفتته و لدينا مهمة التكاتف معا لمحاربة الارهاب و التطرف .
حرب حقيقية:
و عن تغيير الاداء التكتيكى للجماعات الاسلامية و قيامها بعمليات انتحارية باستخدام الحزام الناسف , أكد د . حسن اننا بالطبع نشهد ظاهرة مستحدثة داخل مجتمعنا المصرى مقارنة بالموجات السابقة للارهاب و لعلها انتقلت من الدول المفخخة مثل العراق و سوريا و افغانستان و غيرها بعدما اعتادنا خلال فترات سابقة انه يتم استهداف المسيحيين أو أو رجال الشرطة أو بعض الكتاب و الاعلاميين أو اضرحة اولياء متصوفين من خلال اطلاق اعيرة نارية أو زرع متفجرات ،إلا ان المشهد اختلف كلية باجراء عمليات غسيل عقول لاولئك الانتحاريون ،لنصبح امام واقع جديد من الصعب معه تأمين اى منشأت سواء مساجد أو كنائس أو مصالح عسكرية أو مدنية حكومية أو تأمين شخصيات بطرق تقليدية لاسيما و ان الشخص الانتحارى من الصعب اجهاض تنفيذ عمليته الارهابية ان لم نخض حرب معلومات شاملة لمواجهة الارهاب بحيث نجهض تنفيذذ العمليات فى مهدها قبل ان تبدأ و قبل ان يشرع هؤلاء فى القيام بعملياتهم الارهابية ،خاصة و هم اعضاء فى تنظيم و هناك من يسعوا لتمويلهم ماديا و شحنهم بافكار مضللة تدفعه لاهلاك نفسه دون ان يدرى , و بالتالى هذه الخلايا نحن فى حاجة إلى تفكيكها و احصارها و القضاء عليها و هو ما يمكن ان يتسنى إلا بجمع معلومات كافية عنها , هذه هى الحرب الحقيقية وهذا هو التحدى الحقيقى .
التكفير يطول الجميع :
و بسؤاله لاى مدى تقف الدولة المصرية فى قفص الاتهام بصمتها حيال عمليات تكفير الاقباط المستمرة عبر وسائل الاعلام و الانترنت و داخل دور العبادة لاسيما على منابر المساجد ايضا الخطاب الدينى الاسلامى القديم بما يدعنا القول اننا اصبحنا ضد انفسنا حينما نسمع فتاوى تكفر من يهنىء مسيحى فى عيده و نصمت دون ان نتخذ موقفا , استنكر الدكتور حسن، ما يحدث بشدة بقوله للاسف الجميع يكفرون بعضهم البعض لنجد ان اليهودية لا تعترف بالمسيحية و اذا ما سألنا احد الاحبار عن رأية فى المسيحية سيقول ” دينا مختلقا ” و اذا سألنا احد القساوسة عن الاسلام سيقول لكى ” دينا مخترعا ” و اذا سألنا احد الشيوخ عن المسيحية و اليهودية سيقول لك ” دينيين محرفين ” , و علينا ان ندرك ان الذين يكفرون الاقباط يكفرون المسلمين ايضا ولدينا تراث لدى هذه الجماعات تعمل على تكفير المسلمين قبل تكفير الاقباط فجميعنا فى نظرهم ” كفار ” و نتذكر اغتيال الشيخ الذهبى وزير الاوقاف كاول شيخ ازهرى فى عصرنا الحديث تطاله يد الغدر بدعوى انه ” كافر ” ،ايضا اذا ما تفحصنا فى تراث تلك الجماعات سنجد ان الجماعة الاسلامية تكفر الجهاد و الجهاد تكفر الجماعة الاسلامية و الشوقيون يكفرون كلاهما فضلا عن المعركة التى كانت بين عمر عبد الرحمن و عبود الزمر حول ولاية الاسير و ولاية الامير و كان كل فريق فيهم يعتقد انه المؤمن و الباقية من الكفار و كانوا ينقسمون على بعض فى داخلهم و لا يصلون معا داخل السجون بدعوى ان الاخر ” كافر ” , فقضية التكفير عند هذه الجماعات لا ترتبط فقط بالمسيحيين و ما يعنينا فى هذا الشأن هو بناء دولة المواطنة التى تساوى بين مواطنيها فى الحقوق و الواجبات و التى تعمل على حمايتهم اى كان انتمائهم المذهبى أو الدينى .
كما أوضح الدكتور حسن ،اننا نلوم انفسنا حينما جعلنا الصوت الاعلى للتطرف و ليس للسماحة و الوسطية و من ثم لابد من اصلاح التعليم لخلق عقولا قادرة على التفكير و قادرة على التمحيص و المساءلة، لقطع الطريق امام اى متطرف من استغلال ابنائنا و حشو عقولهم بافكار مضللة و تصوير الاخر بانه كافر، و ان ما يفعله هو خدمة لله و ان ما ينتظره الجنة و انه سيكافىء على فعلته و غيرها من الافكار ليصبحوا السيف الذى يطعنوا به الوطن .
فمشكلتنا الحالية ان تعليمنا لا يعد جيلا قادرا على المواجهة العقلية أو الفكرية نتيجة لوجود مناهج تعليمية عقيمة تعتمد على الحفظ و التلقين ،كما ان بعض الاحيان يتحدث المدرس مع الطلبة من مخزونه الشخصى ليغرس فى نفوس الصغار كراهية الاخر و عدم قبوله و رفضه ليصبحوا قنابل موقوته مهيئة لمن يستقطبها فيما بعد .
اجراءات لسد الثغرات :
حدثنا محمد أبو حامد – وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب : من الواضح ان البلد تستهدفها موجة ارهاب شديدة التعقيد الامر الذى يستدعى مراجعة كافة الاجراءات القانونية و الامنية و اعادة النظر بشأنها ، لما اتضح من تقصير امنى لدى كنيسة مارجرجس بطنطا بتعطل البوابة الالكترونية و هو ما صرح به محافظ الغربية مما سهل عملية دخول الانتحارى لساحة الكنيسة إلى ان وصل لمكان الشمامسة ليقوم بعمليته الارهابية دون ان يكشف عنه , و لعل الامر لا ينتهى بمجرد عزل مدير امن الغربية و بعض قيادات الامن الوطنى داخل المحافظة ،و انما نحن بحاجة لمراجعة شاملة كاملة لاجراءات التأمين الامنى خاصة و ان مشهد الحادث كان تكرارا لمشهد تفجير حادث كنيسة البطرسية بكافة تفاصيله و هو ما يحتاج لاعادة النظر فى الخطة الامنية برمتها بكون الخلل ينتج عنه خسائر فادحة و اقصد هنا الخسائر البشرية التى اراقت بها الدماء و لا يعوضها شىء .
كما القى أبو حامد الضوء على امكانية قيام وزارة الداخلية بالتعاون مع الكنيسة المصرية فى تدريب شباب فرق الكشافة لديها لما يقومون به من دور حيوى فى العملية التأمينية ،بما اعتبروا بمثابة امن داخلى للكنيسة يساند و يساعد الامن الشرطى الذى يعمل على تأمين اسوار الكنيسة من الخارج لسد اى ثغرات امام الارهاب الغاشم الذى يسعى لاراقة الدماء المصرية لزعزعة امن واستقرار الدولة المصرية ،خاصة و ان هناك دورات تدريبية تقدم فى دول اوربا و امريكا توعى المتدربين بكيفية التعرف على الشخص الانتحارى من ملابسه و من ثم كيفية التعامل معه بحرص حتى لا ندفعه لتفجير نفسه كما حدث فى المرقسية بالإسكندرية ،و بامكاننا توفير تلك الدورات لشبابنا , و جميعنا لا نغفل حجم الوعى و الادراك للامن الداخلى داخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية و تعاملها بشدة مع الانتحارى لتمنعه من دخوله الكنيسة ،بما ساهم فى تقليل عدد الخسائر و الضحايا مقارنة لما حدث فى كنيسة طنطا .
كما يفترض تخصيص مساحة لكل كنيسة تسمح بوجود البوابات الإلكترونية بعيدة عن حرم الكنيسة لامتار لقطع الطريق امام الانتحارى بادراكه ان تفجير نفسه سيكلفه فقط حياته .
اوضح أبو حامد ان البرلمان بدأ فى اجراء تعديلات على قانون الاجراءات الجنائية و ان كنت ارى ان ذلك لا يكفى و لابد من تشريع قانون موحد للارهاب اذا كنا نبحث عن المواجهة الحقيقية ،و ليست قوانين متعددة , و لعلى اعمل على قانون لتفكيك جماعة الاخوان و التنظيمات المرتبطة بها ايضا قمت بتقديم طلب لتعديل قانون تنظيم الازهر القانون 103 و طرحت خلاله تصور لكيفية تطوير الخطاب الدينى على اعتبار انه لا مجال لمواجهة الإرهاب الا بتجفيف منابعه الفكرية، فمن غير المعقول دعاه امثال ياسر برهامى و الحوينى و غيرهم من الدعاة المتطرفين مستمرون فى اطلاق الفتاوى من شأنها الحض على الكراهية و الدعوة لرفض الآخر و الاعتداء عليه، دون ان يتحرك ساكنا و هو من المفترض ايقافهم و محاكمتهم ايضا لما يرتكبونه فى تهديد السلم العام للمجتمع ،لاسيما و ان لهم دور مباشر فى استقطاب الشباب بالفكر المتشدد .
ايضا من غير المقبول ان تنطوى مناهج الازهر على الافكار التى تكفر الاخر و تحرض عليه لنجد افراد يصدر كتابا و يقول انه يدرس فى الازهر , أين جامعة الازهر و معاهد الازهر من هذا ؟ بالفعل قدمت التصور للبرلمان و اعمل عليه لاقراره لتصبح اجراءات اجبارية ملزمة لكافة الكيانات و الهيئات التابعة للازهر بنص قانون و ليس امر اختيارى،و التعامل مع المسألة ليس باعتبارها هوجة عقب اندلاع حادث ارهابى ثم نتراخى فى التعامل معها لنستيقظ على كارثة اخرى و ان كنت ارى فى القرارات الاخيرة التى اتخذها الرئيس السيسى مؤخرا باعلان حالة الطوارىء لمدة 3 أشهر و تشكيل مجلس اعلى لمقاومة و مكافحة الإرهاب رد عملى و حاسم على التهديدات التى تهدد امن الدولة المصرية ،لتؤكد ان دم المصرييين مش رخيص و ان الدولة ستعمل بكامل طاقتها ” علشان تجيب حقهم ” .
دولة القانون:
ذكر الكاتب الصحفى عبد الله السيناوى – رئيس تحرير جريدة العربى المصرية : ان خطر الحادثين الآليمين يكمن فى “التزامن”، من حيث نفس توقيت ارتكاب العملية الإرهابية و نفس اليوم اثناء نفس الطقس الدينى المسيحى لتتم العمليتين الارهابيتين ،بما يعنى اننا امام نقلة نوعية فى الضرب على البطن الرخوة بحيث يكون الاثر الدولى مداويا و التشكيك الداخلى ساريا لكن الاكثر من هذا ان تنظيم ” داعش ” التى اعلنت مسئوليتها عن الحادث الارهابى , و هذه اشارة خطيرة و ان كنت اظن انه لولا اليقظة الامنية فى كنيسة مارمرقس بالإسكندرية و تمكن الانتحارى من الدخول و العبور من البوابات الالكترونية لكنا اصبحنا امام كارثة كبرى.
أضاف السيناوى ان الدولة بامكانها انها ” تجيب حق شهدائنا ” على اعتبار ان دم المصريين مش رخيص من خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة , و لعلى اتفق مع الرئيس السيسى حينما تحدث عن تثبيت الدولة و لكن اى دولة , دولة التراخى و التقسيم و دولة غياب العدل الاجتماعى و دولة نقص اوكسجين الحياة السياسية أم دولة حديثة ؟ هذه مسألة اساسية فلم نستطع تثبيت الدولة أو قمع الارهاب ان لم تقم دولة ديمقراطية حديثة مدنية أو بصياغة اخرى دولة قانون لسد كل الثغرات التى ينفذ منها الانتحاريون من ثغرات اجتماعية و سياسية و اقتصادية و ثغرات الفكرية و تصحيح الخطاب الدينى , فالطوارىء و تشكيل مجلس اعلى لمكافحة الارهاب ليس حلا فقط الامر يعنى اننا فى حالة خطر و علينا جميعنا ان نتكاتف لبناء دولة القانون , دولة حديثة دولة كل المواطنين تتعامل على قدر من المساواة دون اى تمييز أو خطاب كراهية، فاذا لم يكن لدينا استراتيجية واضحة سنصبح على شاكلة “بيت العائلة” نحل مشاكلنا بالكلام المعسول و تطييب الخواطر و هو ما لا يصلح لمواجهة الإرهاب و لا تداعياته و لا اهدافه السياسية .