تحتفل الكنيسة هذه الأيام بعيد رهبنة البابا تواضروس الثاني، وكان لوطني هذا الحوار مع رائد المدرسة التي تخرج منها رئيس الكنيسة الأن.. “الأنبا باخوميوس”.. شيخ المطارنة وعميد العمل الكرازي في الكنيسة وشاهد على تاريخ العديد من البطاركة الذين عاصرهم أثناء خدمته.. هو “البابا الذي لا يحمل رقماً ” في الكنيسة القبطية كما قال عنه شعبه، لأنه قاد الكنيسة في أصعب أوقاتها بعد البابا شنودة وخرج بنموذج للانتخابات البابوية يحتذي بها العالم أجمع.. أنه العظيم في شأنه نيافة الحبر الجليل المطران الانبا باخوميوس أسقف البحيرة والخمس مدن الغربية.
وأنا ذاهب إليه لكي أجري هذا الحوار كنت أعلم جيدا قدر وقامة هذا العملاق الروحي ولدي يقين بكم المعلومات والخبرات والاختبارات التي يحملها بجعبته.. الأنبا باخوميوس الذي علم الكثيرين من أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية وأخرهم رأس الكنيسة الأن البابا تواضروس الثاني.
واجتهدت بقدر المستطاع لكي استدعي من ذاكرته – الحاضرة دائماً بالمواقف وتواريخها، ذكرياته عبر مشوار خدمته الطويل وكيف أفرز لنا تلميذه ومساعده الأول ليقود الكنيسة الأن.. فكان لنا هذا الحوار..
– سيدنا لدينا العديد من الملفات أولها عن البابا تواضروس التلميذ والابن والمساعد والاسقف ورأس الكنيسة وذكرياته مع نيافتكم وبالاخص أننا نحتفل بعيد رهبنته فى هذه الايام؟
جيد أن نحتفل بتذكار رهبنة حبيبنا صاحب الغبطة والقداسة البابا المعظم تواضروس الثانى، والواقع أنني أعرف قداسة البابا منذ أن كان في كلية الصيدلة فى السنة الثانية فى سنة 1972، ومن وقتها لم أذكر أن الصلة إنقطعت لأنه كان يخدم في فصول مدارس الأحد في دمنهور بكنيسة الملاك وما حولها، وكان لنا باستمرار لقاءات منتظمة وكان يقود الخدمة بكفاءة عندما كان أمين مدارس الأحد بكنيسة الملاك بدمنهور..
وكان شخصية روحية عميقة وشخصية متجدده – يفكر كثير في التجديد والابتكار في الخدمة. وأيضا إلى جانب ذلك كان فنان مبدع (يهوى التصوير) وذلك كان له تأثير على حياته وسلوكه الروحي فى شبابه المبكر ثم كان له تبعات كثيرة جعلته يحب الرهبنة ويعيش فيها.. وقت تخرجه جاءته بعثة لأوروبا – أظن فى أنجلترا – لندن ليتمم زمالة كلية الصيادلة وأتمها بسلام ورجع للخدمة مرة ثانية، وبعدها جاءته عروض كثيرة مادية من شركات ومؤسسات مختلفة.. أتذكر أنه جاء لي في يوم وقال لي أنه جاءه عقد عمل في إحدى الدول الشقيقة، وقال لى: “ماذا أفعل”.. وأنا لا أحب فى مثل هذه الحالات أن أجاوب بنعم أو لا.. فقلت له: “أجلس مع نفسك وفكر في الأمر جيدًا وبعدها قرر ماذا تريد أن تكون حياتك”.. وبالفعل أخذ وقته في التفكير ورجع وقال لى: “أننى فكرت في الأمر جيداً وقررت أن أترك العالم وأذهب إلى البرية” وبالفعل ذهب لدير الانبا بيشوي وتقابل مع نيافة الانبا صرابامون وكنا على إتصال مع بعض في أمور كثيره وتم رهبنته في وقت تذكار رسامة البابا شنودة.. وسمي بأبونا ثيؤدور.
وكان في حياته الرهبانية هادئاً محباً للخدمة والعبادة والخلوة والهدوء، وكان كريماً محباً للضيوف فكان الشباب يذهبون مع الخدمة للدير فكان دائما في استقبالهم وضيافتهم. وكان أيضا محل ثقة الانبا صرابامون رئيس الدير ورهبان الدير في حياته الروحية وسلوكياته.. فلا أذكر أنه تسبب فى يوم من الأيام في أي مشكلة أو خلاف يذكر.
وكنت أتقابل معه على فترات متباعدة عندما كنت أذهب للدير وكنت باستمرار أتردد على دير الانبا بيشوى ونتبادل الأراء والأحاديث الروحية، وبعد حوالي سنتين ونصف أو ثلاث سنوات من وجوده في الدير، أحتجت لأحد يساعدني في أعمال المطرانية وكان أقرب واحد في ذهني هو أبونا ثيؤدور، بحكم أنه كان يخدم في الإيبارشية أيام ما كان علماني.. فطلبت من رئيس الدير – نيافة الانبا صرابامون أن آخذ أبونا ثيؤدور ليخدم معي في الايبارشية، فوافق نيافة الانبا صرابامون وسيدنا البابا شنودة وافق أيضا.. ورسم كاهن وبدأ في الخدمة معي في الإيبارشية. وخدمته لم تؤثر سلباً على حياته ومنهجه الرهباني، فكان راهباً ملتزماً في نسكياته وحياته الروحية وقوانينه الروحية.. علاوه على أنه كان خادم ناجح وسط الشباب.
ومن الأشياء التي تذكر له بإهتمام، هو تنظيم “مهرجان للشباب” ناجح جداً، ويذكر له أنه كان رائدا فى فكرة تنظيم مثل هذه المهرجانات وكان يحضره ما يقرب من 22 ألف شاب وفتاه.. فأصبحت بفضل اجتهاده الإيبارشية رائدة فى الفكرة، وإنتقلت الفكرة إلى الكرازه كلها.
وأيضا وهو معنا في الخدمة كان يشترك في مهرجان الكرازة التابع لأسقفية الشباب الذي يشترك فيه حالياً مئات الألوف. وكان نيافة الانبا ثيؤدور خير معاون لهم فى هذه المهرجانات من خلال خبراته السابقة فيها، وعلاوة على ذلك كان يخدم اجتماعات الشباب وإعداد الخدام في الايبارشية.
وفي تلك الفترة التي كان متواجد فيها معنا، جاء الاحتياج لتنظيم عمل رعوي في الصحراء، ففي هذا الوقت منطقة الصحراء لم يوجد بها عود أخضر أو شجرة أو حتى عصفورة لأن هذه الأماكن كانت كفر، لكن بدأ الناس تسكنها وبدأنا برسامة كهنة لخدمتهم هناك، أذكر بدأنا برسامة المتنيح أبونا بشوى والمتنيح أبونا شاروبيم وأبونا بقطر، وكلما جلسنا لدراسة الخدمة الرعوية هناك نكتشف أماكن جديدة تنشأ والخدمة تتسع.. فجأت لي فكرة أن أعرض على أبونا ثيؤدور أن يتواجد فى منطقة الصحراء جزء من الأسبوع – من الخميس إلى الأحد، فوافق فوراً لأنه كان مطيع ومحب للخدمة وذهبنا معا لنصلي في كنيسة مارمينا بكنج ماريوط.. وبعدها أسسنا له مكتب هناك لمتابعة الخدمة منه.
وبدأ هو يهتم بالمعمار وتقسيم منطقة الصحراء إلى مناطق رعوية، لأن هناك ما يقرب من خمسين كاهن يخدم فى المنطقة الصحراوية و”كرمة الكنج” ونشأت منها أنشطة كثيرة وانشئت هناك كرمة أخرى في دمنهور.. وفكرة “الكرمة” جاءت من الايبارشية وكان رائد الفكرة الأنبا ثيؤدور ثم إنتشرت في كثير من خدمة الكرازه والإيبارشيات المختلفة.. وفكرة “الكرمة” هي أن كل منطقة رعوية يكون بها “كرمة” تقوم برعاية من حولها.. وقد قسمنا المناطق بإيبارشيتنا إلى ست مناطق رعوية وكل منطقة رعوية تنشئ كرمة لخدمة المنطقة. أحد الكروم الأولى هي “كرمة كنج ماريوط” وكان الانبا ثيؤدور هو الذي أشرف على إقامتها.. والأن وهو البابا، أقام بها مقر بابوي له فهي مكان مناسب وهادئ.. ومن ناحية أخرى الإيبارشية أخذت بركة بوجود مقر للبابا في “كرمة كنج ماريوط “.
علاوة على إنه كان راهب ناسك ملتزم بحياة الرهبة إلا أنه أيضا كان خادم أمين يتحرك بجد ونشاط ومحب للمعمار فكان يبنى ويعمر وقد تمت بناء كنائس كثيرة في فترة تواجده معنا.
أيضا هو فنان ومبدع ومجدد وكنا نتفق ونتلاقى فكرياً في كل شئ وكان الله يعطينا وحدانية الفكر بيننا – فإذا ذهب أحد ليسئل عن شئ ما أو موضوع ما، كانت أراءنا تتفق رغم عدم تواجدنا معا فى كثير من الأحيان.. وكانت الكهنة تلاحظ أننا نتفق في الكثير من الأراء ومحبتنا لبعضنا البعض تزداد، وكنا نقود إجتماعات الكهنة معاً.. وإستمرينا معاً لعدة سنوات في توافق فكري كبير جداً وهذا شئ نشكر ربنا عليه.
وعندما بدأت المعاهد اللاهوتية، شارك في التدريس بها وبالأخص للكتاب المقدس وإهتم إهتمام كبير بمعهد الكتاب المقدس، وكان يدرس في معهد الألحان أيضا.
ومن أهم الملامح لهذه الفترة، هي كيفية تنظيم العلاقة بين أسقف الايبارشية والأسقف المعاون له، وهذا شئ في غاية الأهمية ويجب على الكنيسة أن تقننه وتدرسه دراسة روحية ورعوية ونسكية حتى لا يكون هناك إختلاف بين الأسقف ومن يعاونه، وهذا شئ مطلوب هذه الأيام بشدة حتى يكون هناك مبدأ علمي وروحاني لهذا الأمر.
ولدينا خبرات كثيرة في فترة خدمتنا مارسناها معاً، ومن الممكن أن نقدمها للإيبارشيات الأخرى حتى يحتذون بها وتكون الخدمة في سلام دائم.. فأنا أتألم كثيراً عندما يكون هناك أسقف مساعد في أي إيبارشية ويترك الخدمة لأي سبب من الأسباب.
أحب أن هذا الأمر يقنن في الكنيسة ويوضع له نظام وهذا ممكن فقليل من التواضع والتنظيم والفكر الروحي والنمو في العمل والتجديد يرتب كل شئ.
البابا تواضروس كان صحيح معاوناً لي وأبننا في مدارس الأحد ولكن هو الأن رأس الكنيسة وهو أبونا وكلنا لازم نخضع له ونقدم له كل إحترام وطاعة.. فكنيستنا القبطية تعلمنا ذلك.. هو الأن يقود الكنيسة ونحن نعتز بقيادته للكنيسة ونشكر الله أنه يستخدمه فى أشياء كثيرة جداً – سواء الرسمية أو الدينية أو الطائفية.. ربنا استخدمه في أفكار رعوية كثيرة في الرعاية وفي الافتقاد وفي حل مشكلة أخوة الرب وفي تأسيس المعاهد اللاهوتية وفي تكوين لجان متخصصه بها الكثير من الفروع تحتاج لوقت كبير لكي نشرحها.. وكل شئ من هذا يحتاج للدراسة والتقنين والتعميم لكل الإيبارشيات لكي تأخذ بها ، وبذلك تعطي الكنيسة حيوية وتصبح الكنيسة بالفعل أم وخلاقة وتمجد الرب في حياة أولادها.
– هل ترى أن اختيار الله للبابا تواضروس كانت بمثابة مكافأة السماء للانبا باخوميوس لانه يخرج من إيبارشيته؟
ارتسمت إبتسامة على وجه نيافة الأنبا باخوميوس فى براءة وبساطة كبيرة وأجاب قائلا: هذه مكافأه ليست فقط للأنبا باخوميوس ولكن لكل الأقباط فالتاريخ لا نستطيع تغيره، فالبابا كان إبن الإيبارشية بدون شك، لكن هو الأن أبونا كلنا ونحن جميعاً أولاده وبنعتز بخدمته ونعرف الكثير عن نشاطه ومحبته وتعاونه – رغم ظروفه الصحية الأن بسبب كثرة السفر للعمل الرعوي، فهو يبذل مجهود كبير ويتعب كثيراً.. ربنا يسنده ويشفيه ويعطيه الصحة ونحن جميعا أولاده..
هو مكافأة للكنيسة كلها وفخر للكنيسة كلها أيضا، وطبعا نعتز به بكونه إبن لإيبارشيتنا وبنفرح أن الإيبارشية أثمرت خادم يقود الكنيسة كلها، ورغم ذلك أكرر نحن أولاده وهو أب للكنيسة كلها.
– ما المشكلات التي واجهت نيافتك في فترة “القائم مقام”؟
كان فيه مشكلات بدون أدنى شك، وهذا حال أي عمل جديد ولكن أنا أشكر الأباء الأساقفة لأنهم كانوا متعاونين معي جداً، صحيح كان فيه ناس أصحاب كان لها أفكار خاصة وأراء مختلفة عني لكن هذا لم يؤثر على وحدانيتنا ولم تؤثر على تأخير اختيار البابا البطريرك. كانت هناك إختلافات فى وجهات النظر في موضوع الناخبين وفي توقيت الانتخابات وخلافات بعض الناس مع بعضها، ولكن بالصلاة والصوم دائما كانا لهما فاعلية كبيرة جداً، وكنا في كل مرحلة نعلن عن صوم وصلاه ثلاث أيام لاننا نثق في فاعليتهما، وأي شخص له رأي لابد أن يعلن رأيه فى المجمع المقدس وإما نتفق عليه أو نجري تصويت على الآراء المتاحة وكان من حق أي شخص أن يتكلم ولم يوجد أي إجتماع مجمع مقدس منعت أحد من الكلام فيه، كنا مهتمين بمبدأ إتفقنا عليه جميعاً من أول جلسة وهو “وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا” ،وكنا متفقين أننا لا نخرج من أي إجتماع حد فينا زعلان من شئ ،فكانت كل قراراتنا جماعية وكلها تناقش بشفافية كاملة، وقبل إنتهاء أي إجتماع لابد أن نخرج برأي واحد لنا جميعا وهو ما كان يتم إعلانه للناس.
ورغم ذلك كان هناك تحفظ وحيد في فترة اختياري كقائم مقام، وهي قرار “لا أحد يتكلم بإسم الكنيسة إلا القائم مقام” ووقتها ظن البعض بأنني سأستحوذ على كل اللقاءات والمؤتمرات الصحفية ولكني كنت كل إجتماع مجمع مقدس اختار أحد الأساقفة ليتكلم بإسم الكنيسة في المهام والأمور التي ناقشناها في الاجتماع ،ولكن جاء البعض فى يوم وقالوا لي: “لماذا لا تتكلم أنت؟” فالناس كانت تريد أن ترى القائم مقام وتسمعه يتكلم، فإنتهزت فرصة عيد القيامة ودعوت الصحفيين للرد على تساؤلاتهم. وأيضا بعض الأساقفة أشاروا على أن هناك بعض الاعلاميين كانوا على مقربة من البابا شنودة ولابد من مقابلتهم إكراماً للبابا شنودة، فوافقت وإجريت معهم مقابلة ولكني في الحقيقة كنت لا أهوى الظهورالإعلامي الكثير، وإن كانت لدي المادة ولكن كنت أكتفي بأن لو أحد سألني أجاوبه. أما بالنسبة للفضائيات المسيحية فكانت تقابلنى كأولاد لنا بإستمرار وكنت أقول لهم عن الأمور التي تتم والتى من الممكن أن تقال وتعلن.
نشكر ربنا المرحلة مرت بفاعلية الصلاة والصوم من غير أن يزعل أحد من شئ وبدون تحزبات – مفيش فريق ضد فريق أخر،ونرجو أن تستمر الكنيسة كذلك “قلباً واحداً.. فريق واحد..” فأنا لا أحب أن تكون الكنيسة بها فرق وأراء متعارضة وكل واحد له رأي ويطعن في الآخر، فهذه الأمور ليست من طبيعة كنيستنا فطبيعة كنيستنا هى “كنيسة واحدة وحيدة مقدسة جامعة رسولية.. كنيسة واحدة.. فكر واحد.. ورأى واحد”.
كيف ترى الأوضاع في مصر الأن؟ وهل نحن على الطريق السليم؟ وما رأي نيافتكم فى إدارة البلاد؟
الحاكم يولد مثقل بهموم وأعباء من سبقه.. والأن مصر تمر بمرحلة الاصلاح الاقتصادي وهو ضرورة ملحة وحتمية في هذه المرحلة رغم أنه صعب.. الرئيس إستلم هذه الصعوبات من قبل توليه المسئولية وليس هو المتسبب فيها، ولكن الاصلاح الاقتصادي ضرورة ولو لم نعمل إصلاح إقتصادي، الأجيال القادمة ستتعب جداً.
وأرى أن الرئيس السيسي إنسان وطني محب لمصر، ويقوم بأقصى جهد لديه لعمل هذا الإصلاح، ويريد أن يضع لها كل ما هو جيد وإن شاء الله الخير قادم.
دائما مصر فيها خير ومثال لذلك في أوائل القرن ال 19 كان تعداد السكان 2 مليون وفي القرن الـ 20 وصل التعداد 12 مليون ومع ثورة 1952 زاد التعداد لـ 20 مليون ، واليوم نحن نزيد عن 90 مليون ولسه عايشين! مصر فيها خير لكن ينقصها المواطن الأمين الذي يعمل بإخلاص.
ومثال أخر..ربنا أعطانا بركة أن نعيد الحياة لدير الانبا مكاريوس فى منطقة جبل القلالي وأنا مشيت فى هذه المنطقة ولم يكن بها عود أخضر أو عصفورة تطير وبعد أن أخذنا إذن بتعمير الدير تحولت الحياه هناك من صحراء جرداء إلى حدائق خضراء بها الكثير من الفواكه والخضروات التي تُحمل على عربات إلى المطار للتصدير فالزرع فخم ومثمر، مشكلة مصر المواطن الأمين المخلص الذي يخدم ويعمل ويتعب وساعتها هايكون الخير وفير، فلا نلقي كل اللوم على الدولة.
متألمين أن يكون الأمر هكذا في مصر لأن مصر متعارف عليها أنها بلد سلام وأمن وأمان ونحن نصلى من أجل مصر ونساهم بكل ما نستطيع أن نصنعه من أجل سلام البلد، ونحن كأقباط عمرنا ما نقابل الشر بالشر ولا العنف بالعنف ولكن نقول دائما “أن الله هو الذي يجازي” وكما يقول الكتاب المقدس: “لي النقمة أن يجازي ..هكذا يقول الرب”.. فالمسيحية لا تعلمنا أن نقابل العنف بالعنف لكن تعلمنا أن نقابل الشر بالخير، ولا يعنى ذلك أننا راضيين بالعنف ولكن نترك المجازاه للرب، وكما جاء فى سفر الرؤية أن الشهداء يصرخون إلى الله قائلين: “إلى متى أيها السيد الرب لا تنتقم لدماءنا من الساكنين على الارض” فنفوس الأبرياء الذين إنتقلوا يقولوا هذا للرب وهذا متروك لإرادة الله ، ولثقتنا فى إرادة الله لا نقابل الشر بالشر بل نصلى من أجل الذين يسيئون إلينا.
مصر بلد تهمنا نحن الاقباط، فنحن نحب مصر وإيماننا مرتبط بمصر حتى صلاتنا مرتبطة بطبيعة الحياة في مصر، ففى موسم النيل نصلى من أجل مياه النيل وفى موسم الزرع نصلي من أجل الزرع والحصاد، فصلاتنا ومنهجنا الروحي مرتبط بطبيعة الحياة فى مصر.. مصر عزيزة علينا وتهمنا ونحب كل شبر فيها وأيضا كل شبر في مصر لنا فيه تراث يهمنا نحن الأقباط، تراث الشهداء والقديسين وتراث المفكرين وتراث خدام الكنيسة على مر العصور، كل هذا يجعلنا مرتبطين بمصر جداً ونصلي من أجل الرئيس وكل المسئولين أن الله يعطيهم حكمة من أجل قيادة البلاد بالشكل السليم.
– هل كان هناك اختلاف في منهج إدارة الكنيسة للباباوات الذين عاصرتهم طوال فترة خدمتك؟
أنا من مواليد 1930 ، كان أيامها يرأس الكنيسة البابا يؤنس ثم البابا مكاريوس ثم البابا يوساب ثم البابا كيرلس ثم البابا شنودة وأخيراً البابا تواضروس. لم أعايشهم كلهم عن قرب، لكن منذ أن كنت شاباً صغيراً ربنا عطاني أنني أحب الكنيسة ودائما الكنيسة في قلبي واتألم بآلامها.
كل بابا من الباباوات يتميز بمنهج معين وذلك لإختلاف الثقافة من جيل لجيل، فمثلاً أيام الأنبا يؤنس لم يوجد رهبان جامعيين ورغم ذلك كانت علاقته بالرؤساء والكبار قوية جداً رغم أن ثقافته كانت بسيطة – بمفهوم الشهادات الجامعية.
كل واحد من الباباوات ربنا أعطى له موهبة تتناسب مع الجيل الذي عاش فيه لكن هذا يجعلنا نشعر أن كل جيل الله يقيم للكنيسة خدام يرعوها بالحق والاستقامة، والدليل على ذلك أن الكنيسة مرت عليها عصور صعبة جداً كان ممكن أن تفتك بها، لكن الكنيسة قائمة وقوية وتمارس عملها برغم الضغوط التي علينا، الكنيسة تؤمن بروح الشهادة والتمسك بالإيمان، فهناك الكثير من المناطق محرومة من كنائس للصلاة بها ولكن نجد الشعب القبطي متمسك بإيمانه ويجاهر به.
وأكرر القول بأن المقارنة بين بطريرك وآخر معادلة صعبة جداً ،ولكن كل جيل الله يقيم له الخادم المناسب الذي يتناسب مع الظروف.
وكل شخص له أخطاؤه وهذا كلنا فيه، لكن المحصلة الأخيرة هي أن “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” بمعنى أننا لدينا إيمان بعمل المسيح في الكنيسة ونحن نشعر به في هذه الأيام ولا أحد ينكر أن الضغوط التي توجد على الكنيسة ضغوط كبيرة لكن إيماننا أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
– بعد ساعات قليلة من تفجيرات كنيسة مارجرجس أبو النجا بطنطا، كاميرا وطني ترصد دخول نيافتك إلى مكان التفجير.. لماذا رغم علمنا بظروف نيافتكم الصحية؟
أنا كنت في طفولتي أسكن في طنطا بجوار كنيسة مارجرجس بأبو النجا من 1937 إلى 1945 يعني مرحلة الروضة وابتدائي حتى الصف الثاني الابتدائي، وكانت الكنيسة مبنية من الخشب، وكنا ونحن صغار نذهب هناك وكان أبونا حنا بسطاوروس يخدم في مدارس الأحد في هذا الوقت ،وانا كنت طفل صغير في مدارس الأحد بالكنيسة،لذلك هذه الكنيسة كان لها معزة خاصة عندي وأحبها لأننا تربينا فيها ونحن صغار وتم رشامتنا شمامسة فيها وحفظنا الألحان فيها، ولذلك لها اثر روحي في حياتي وكانت هناك زيارات لطنطا للأهل والمعارف وكان هناك صلة شديدة بيننا.
وعندما سمعت يوم أحد السعف وأنا في صلاة الجناز العام، اتصلت بنيافة الأنبا بولا وسط الصلاة ثم توجهت بعد الصلاة مباشرتاً إلى هناك لكي استطلع الأمر.. وتألمت جداً لأنها بلد هادئة وناسها طيبين ، وكانت يوم عيد! وفجأة يتحول هذا العيد إلى مناحة عظيمة ودماء.
ولكن من الأشياء المعزية أنني عرفت أن ساعة التفجير كانت الشمامسة بتقول لحن دخول المسيح أورشليم “إفلوجيمينوس” ولذلك شعرت أن يسوع يدعوهم للدخول إلى أورشليم السمائية، وكانت تعزية لي وانا اتأمل هذا الأمر.
طبعا قلبنا تألم ونطلب نياحة للأبرار الذين انتقلوا وكلهم خدام وشمامسة غيورين على كنيستهم.. وانا حريص أن اشارك في كل مكان وفي كل ظروف الكنيسة بمبدأ “فرحاً مع الفرحين.. وبكاءً مع الباكين” رغم أن في الأونة الأخيرة ظروفي الصحية تمنعني من المشاركة في كثير من المناسبات.
كرازة نيافتكم في ليبيا والحبشة.. كيف كانت وكيف تراها الأن ؟
أنا أؤمن بخدمة الكرازة، وأنا شاب صغير منذ مرحلة الثانوية كنت أخدم في مدارس الأحد وكانوا يقدموا لنا كتب نقرأها مثل الكتب التبشيرية: بين لحوم آكلي البشر – ملكة السود والبيضاء، وغيرها من الكتب،وكانت هناك جمعية تأتي بهذه الكتب إلى مصر. أنا في هذه الفترة حبيت خدمة الكرازة وكنت أنذاك لم أحصل على التوجيهية والثانوية العامة، وكنت دائما أصلي من أجل النفوس التي لم تعرف المسيح وتعيش في ظلام الوثنية، حتى أن دخلت الجامعة وتخرجت وذهبت إلى الدير، والبابا كيرلس أرسل لي لكي أخدم في البطرخانة وفي هذا الوقت جاء مجموعة من الشبان الأفارقة لكي يتدربوا على خدمة الكرازة، ووقتها كلفني البابا كيرلس أنا الأنبا أنطونيوس السرياني لكي أرعى هؤلاء الشباب، وهم كانوا حوالي 18 شاب من جنوب السودان وغرب السودان من مناطق جوبا والمناطق المحيطة بها.
جلست معهم وقمنا بتأسيس المعهد الباباوي للكرازة بكوتسكا في المعادي وكان أول معهد كرازة تم انشاؤه أيام البابا كيرلس وكنت أنا مسئول عنه.. استمر بعضهم حوالي 6 شهور ثم وجدنا أنه هناك ضرورة لأن يذهب أحد لكي يدرس الكرازة على الطبيعة في مناطق الوثنيين.
البابا كيرلس أرسلني في سنة 1966 لكي أدرس إمكانية العمل الكرازي بين الشعوب الوثنية. وكنت أظن أنني سأقيم هناك عدة أشهر وأعود ولكن استمر هذا الوضع عامين وذلك لأنني كنت أذهب للغابات والمناطق الوثنية وأنتقل من قبيلة إلى قبيلة لأن السودان بها وثنيين كثيرين. ووجدنا انه من الضرورة التركيز على العمل الكرازي بين القبائل الأفريقية.
ترددت على القبائل وتعرفت عليهم وكان معي في الخدمة الـ18 شاب الذين كانوا معي في المعهد بكوتسكا، وكنا نذهب إلى قبائلهم ونتعامل معهم. وفي هذه الفترة كان غير مسموح لشخص صاحب بشرة بيضاء للدخول إلى بعض الجبال والأماكن إلا بترخيص خاص وبعض الأمور الأخرى، فكنت أرسل هؤلاء الخدام ليدرسوا في فصول الموعوظين وكنت أنا أذهب للتعميد فقط، وأول معمودية تمت داخل القبائل في غابات الوثنيين كانت في 17 فبراير 1971 حيث عمدنا 19 شخص، ولذلك هذا التاريخ مهم جدا في تاريخ الكرازة ، وكانت رسالتنا أساسا للوثنيين الذين لم يعرفوا يمينهم من شمالهم. والأن نشكر ربنا لاستمرار وامتداد الخدمة من خلال نيافة الأنبا إيليا ونيافة الأنبا صرابامون في السودان حيث كانوا يقومون بهذه الخدمة وبعد ذلك جاء الأنبا أنطونيوس ونيافة الأنبا بولي ليكملا الخدمة.. ولكن البداية كانت في التاريخ 17 فبراير 1971 ولذلك أنا رأيي لو عملنا عيد للكرازة يكون هو هذا اليوم بتاريخ 17 فبراير.. والحديث عن الكرازة موضوع كبير جداً ولكن أحب أن أقول أنني وجدت مبشرين كثيرين موجودين في القارة حينما كنت موجود وذهبت في هذه الفترة إلى السودان – الحبشة – اريتريا – زامبيا – تنزانيا – غانا – نيجيريا – ابيديجان – ليبيريا، وبلاد كثيرة في افريقيا.
وجدت أن الشباب القادمون من الكنيسة الأرثوذكسية لديهم الطاقة الروحية والحماس الروحي يفوق أي مبشرين من أي مكان آخر.. ومن هنا يمكنني أن أقول أن لدينا في الكنيسة طاقات هائلة يجب أن نشجعهم للقيام بعمل كرازي جيد، وهناك كثير منهم يعمل مع الآباء الأساقفة ويقوموا بعمل متميز.
أثيوبيا بالنسبة لي كانت في أول الأمر مجرد رحلات لمهام رسمية مثل حضور الصلاة على نيافة البطرك الأنبا باسيليوس أو تهنئة الامبراطور بعيد ميلاده الذي كان يوافق 23 يوليو، فدائما البابا شنودة كان يرسلني لذلك. ولكن هناك بدأت أتعرف على المجتمع الأثيوبي وعندما ذهبت إلى الحبشة كنت متصور انني سأقوم بخدمات ثلاثة وهي التدريس في المعاهد اللاهوتية الخاصة بهم ورعاية الأقباط ورعاية علاقة المودة بيننا وبين الكنيسة الأثيوبية وكان هذا لهدف وبالفعل كانت خدمة مثمرة.. وعندما كانت رسامة البابا شنودة عدت من الحبشة لحضور الرسامة فقال لي البابا شنودة عقب رسامته: “عاوزينك تكون معنا في مصر” فانتهت خدمتي في أثيوبيا في هذا التاريخ.
أما خدمتي في ليبيا، بدأت من وقت رسامتي أسقف في ديسمبر 1971 وكان من مسئولياتي الرئيسية الخمس مدن الغربية، لأهميتها من الناحية التاريخية.. وبعد رسامتي مباشرتاً – في نفس الشهر، أنتدبت كاهن (ابونا مينا كامل) ليصلي الغطاس والميلاد في يناير عام 1972 وصليت أول عيد للغطاس بطرابلس في ليبيا فى يناير1972 وفي شهر مارس من نفس العام، دعى القذافي البابا شنودة لزيارة ليبيا وأهدى للبابا كنيسة من الكنائس الكاثوليكية المغلقة لكي تكون مركز خدمة للكنيسة القبطية في ليبيا، فكانت زيارة ناجحة ومثمرة جداً.
وبعدها قمنا بتعيين كاهن يخدم باستمرار في ليبيا وتوالت عملية إرسال الكهنة الذين خدموا في ليبيا إلى أن جاءت الأحداث المؤلمة الأخيرة، فرجع ابونا تيموثاوس بشارة وهو من كهنة دمنهور.
وذهبنا إلى بنغازي وكنا نصلي في كنيسة يونانية هناك حتى عام 1987 بعدها اعطتنا الدولة مكان نصلي فيه وكان أصله معبد يهودي لتكون كنيستنا الثانية في ليبيا، صلى فيها ابونا بولا اسحق – وهو من كهنة دمنهور ومن بعده ابونا سمعان.
أما الكنيسة الثالثة، فكانت في مصراته، وأفتتحت عام 1993 وكان يخدم بها القس مرقس زغلول واستمر حتى الأحداث الأخيرة.
وكان عندنا كنيسة رابعة مؤجرة في قرية البيضا وكان يخدمها الراهب جبرائيل السرياني ومن بعده القس يعقوب. لكن بعد الاحداث الاخيرة والاعتداءات التي حدثت على الكهنة، كان من الضروري أن يعودوا لمصر كحال معظم الأقباط الذين رجعوا، ولكن يبقى عدد بسيط في ليبيا وكل كاهن على اتصال بالأقباط هناك ليطمئن عليهم. وأسماء الكنائس هي: كنيسة مارمرقس بطرابلس – كنيسة الانبا انطونيوس ببنغازي – كنيسة العذراء ومارجرجس بمصراتة – كنيسة مارمينا و مارمرقس بالبيضا.