الأمومة، المسؤولية، متطلبات المنزل، تحقيق الذات، الطموح، الترقي.. هل تستطيع هذه الأمور أن تتصالح ويأتي اليوم و تسير كلها في تناغم في حياة كل امرأة لم يحالفها الحظ أن تلتحق بالجامعة لسبب أو لآخر، وداهمها قطار الزواج وجرفها تيار الأمومة بعيداً عن أحلامها العلمية والعملية.
ولكنها قد تكتشف فجأة أنها يجب أن تلاحق الحياة، وتعدو لكي تلحق بركاب العلم والعمل.. أليس هذا من حقها أم أنه درب من دروب الأنانية ومحاولة للهرب خارج أسوار مسئوليتها المتعددة.. عندما تضاربت الآراء حول الدمج بين الأمومة والحياة الجامعية، كان علينا أن نسمع لبعض الأمهات التي لهن تجارب عملية في هذا الصدد وكذلك عرفنا وجه نظر المتخصصين.
فروت إيمان روماني, موظفة بالضرائب العقارية، تجربتها مع الحياة الجامعية في ظل وجود حياة أسرية وأطفال، حيث ذكرت أنها لم تستطيع الإلتحاق بالتعليم الثانوي رغم حصولها على مجموع مرتفع في الشهادة الإعدادية، حيث أن أسرتها لم تكن في استطاعتها سد نفقات التعليم الثانوي وبعده الجامعي، حيث فقدت الأسرة الأب في بداية المشوار، ولم يكن لأمهم أي مصدر دخل سوى معاش الأب الذي كان يكفي حاجاتهم الأولية بالكاد، فالتحقت بالتعليم الفني وحصلت على دبلوم فني تجاري، ثم تزوجت وعملت بعدها بالضرائب العقارية بوظيفة بسيطة.
وأكملت إيمان أنها بعد أكثر من 13 سنة زواج أنجبت خلالها ثلاث أطفال قررت الالتحاق بالجامعة المفتوحة لتدرس بكلية التجارة حتى تستطيع الترقي في عملها بشكل أسرع وتحصل على وضع أفضل وعائد أكبر، وبالفعل خاضت التجربة بنجاح واستطاعت الحصول على البكالوريوس بتقدير جيد وأن تترقى في عملها، حيث كانت تستيقظ في الرابعة صباحا لتعد الغداء ثم توقظ الأطفال وتعدهم للذهاب للمدرسة وتوصلهم إليها، ثم تذهب إلى عملها وتعود بعدها إلى المنزل لتهتم بالصغار وبزوجها، ثم تقوم بعد نومهم باحتياجات المنزل من تنظيف وغسيل وكي ملابس وغسيل أطباق، ثم تتفرغ بعدها للمذاكرة.
كما ذكرت إيمان أن أطفالها الثلاثة كانوا يحصلون على الدرجات النهائية، حيث كانوا الأوائل دائما، فاستدعت هذه المحاربة النجاح على كافة المستويات ولم تخشَ الفشل أو “كلام الناس”.
” بعد مشاب ودو الكتاب ” هذه هي الجملة التي كانت والدة زوج، نيرمين نبيل، تقولها لها عند جلب سيرة التحاقها بالجامعة بعد خمسة عشر سنة زواج ، حيث أوضحت نبيل أن ما دفعها للالتحاق بالجامعة هو شعورها الدائم “بالنقص” – رغم امتلاكها محل كوافير وتحقيقها لذاتها – حيث أنها كانت تخجل أن تحفز أطفالها على المذاكرة وتوصيهم بالحصول على درجات مرتفعة لدخول الكلية التي يحلموا بها، وهي حاصلة على تعليم متوسط، ورغم سخرية الأهل والأقارب من دخولها الجامعة إلا أنها قررت خوض التجربة، وقد أكدت نبيل أن ما دعمها على إكمال الحلم هو زوجها الذي وصفته طوال حديثنا معها بـ”سندي في الدنيا”، وقالت نبيل “بعد ذلك أصبحت أستطيع الحديث مع أبنائي وزوجي بأسلوب أكثر منطقية وأن أساعدهم في مذاكرة دروسهم ولا أخجل من نصيحتهم”.
كما ذكرت هناء القمص بولس ” 54 سنة ” أنها التحقت بالتعليم الثانوي مع ابنها الأكبر، حيث قد تزوجت بعد الصف الثاني الثانوي، ولم تكمل تعليمها ثم عاده إليه مرة ثانية بعد زواجها بأكثر من 17 سنة، حيث حصلت على 75 % أدبي والتحقت بكلية الآداب قسم علم نفس، وحصل ابنها على 98 %علمي والتحق بكلية الطب جامعة أسيوط، فروت هناء أنها كانت تشعر بفرحة غامرة عندما كانت تجلس بجور أبنائها – بعدما تنهي أعمالها المنزلية- لتذاكر بجوارهم فكان ذلك دافعا لهم، وكانوا كثيرا ما يتنافسون في الحصول على التقديرات، ووصفت هناء أن ذلك أعاد بها العمر وجعلها تسترجع ما فاتها من صباها، وأكدت هناء، أن ذلك جعلها صديقة لهم وقريبة منهم ومن مشاكلهم و أفكارهم، وكانت كثيرا ما تتبادلان هي وابنتها الملابس ولم تكن تخجل أان ترتدي الثياب الشبابية عند ذهابها للجامعة. و قد أتمت دراستها الجامعية و عملت مدرسة وهي في الخمسين من عمرها.
بينما ترى “ا . س . ف ” ربة منزل، أن ذلك لا يوصف إلا بالأنانية وحب الذات، فالأم الحقيقة تجد ذاتها في نجاح أبناءها وزجها، فما قيمت حصولها على قسطا من التعليم الإضافي في ظل احتياج المنزل لها و تقصيرها في وجباتها نحو أطفالها، فبدلا من أن تكون سندا لهم في دروسهم وتسعى إلى أن يكون المنزل مريحا لهم، تذهب باحثة هي عن مستقبلها التعليمي والمهني بين الأطلال وأما أن وجدته أو أهدرت الوقت دون فائدة.
بينما شجعت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، فكرة التحاق الأم بالجامعة بأي عمر مادامت لديها وقت فراغ عند ذهاب أبنائها للمدرسة، فما المانع من أن تستثمره بطريقة صحيحة بدلا أن تهدره؛ في حورات المناور والحكي بالهاتف بالساعات في موضوعات غير مجدية أو متابعة الحلقات الدرامية التي لا تمد للواقع بصلة، أو قد يدفعها الفراغ إلى التفكير في إنجاب مزيد من الأطفال.
وقالت “خضر”، إن استكمال الزوجة لتعليمها الجامعي يجعل المرأة تسابق الوقت وتتخطى الصعاب لتلحق بركب التطور، وهذا يجدد من حياتها مرة أخرى ، ويزيد من وعيها و يجعلها أكثر تفتحا ويرقى من حوارتها مع زوجها ويحفذ أبناءها على المذاكرة، حيث أنها تذاكر مثلهم وتجلس بجوارهم ممسكة بكتاب.
ولم ترَ “خضر”، أن في هذا أي نوع من الأنانية كما يصفها البعض، بل بالعكس فهذا يعطيها طاقة عقلانية وعلمية أوسع، مما كانت عليه وهي حبيسة البيت تجلس متبلدة تهدر وقتها في أشياء غير مفيدة.
وأكملت “خضر”، إن مزاولتها لأشياء تشعرها بقيمتها سيدفعها لتنظيم وقتها وإعطاء كل شيء حقه في حياتها.
وروت خضر العديد من تجارب نجاح لطالبات لديها في الجامعة كنا قد أكملن دراستهم مع وجود اسرة وأولاد، حيث كانت إحدهن تدرس في الجامعة أثناء وصول ابنها لمرحلة التعليم الجامعي، وكانت من المتفوقات في الدفعة لدرجة أن كانت تطالبها بإعداد المحاضرة المقبلة لتشرحها أمام زمائلها على المنصة، ولم تكتفِ هذه الطالبة الأم بالشهادة الجامعية فقط ،بل حصلت علي الماجستير و الدكتوراة.