مع قسوة الأحداث الأخيرة التي اجتازتها الكنيسة الفترة الماضية نتذكر كلمات الرب يسوع عندما كان مع تلاميذه في السفينة واشتد الريح وهاجت العواصف.. عاتبه تلاميذه قائلين: “يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟” (مر4: 38) .. كانت إجابته الشافية “ما بالكم خائفين؟” (مر4: 40) ومازال الله يردد نفس الكلمات لنا اليوم: “ما بالكم خائفين؟ كيف لا إيمان لكم؟” (مت 8 : 26)
في مرات كثيرة ونحن نجتاز الضيقات والآلام، تزداد مخاوفنا بمشاهدة الميديا والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي و بمطالعة الجرائد و الاخبار على صفحات الانترنت، ويظن البعض أن الرب تركنا نواجه الآلام وحدنا، ولكننا وسط كل هذه المخاوف لابد أن نثق أن يسوع موجود في سفينة حياتنا.. حتي وإن بدا أنه نائم .. إلا أنه ينتظر منا إيماننا لنوقظه.. فيهدأ كل شيء.
والخوف في حياتنا نوعان: خوف غريزي و خوف عدم الايمان، والخوف الذي يسببه عدم الايمان قد يفقدنا نصيبنا السماوي، نعم قد يؤمن البعض بالعنف لكن المسيحية تعلمنا أن نحل كل أمورنا بالسلام، وعدم خوفنا مصدره دائما الإيمان فنحن نعلم أن الله يرافق حياتنا باستمرار لأنه “إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي” (مز 23: 4 ) وبالإيمان نعلم أن أمرنا يهمه جداً..
و هذه بعض المخاوف التي تواجهنا والتي بالإيمان نجتازها بسلام..
- مخاوف من مواجهة الموت أو الرحيل من العالم .. كما حدث لأبنائنا الشهداء في الكنيسة البطرسية أو في طنطا والاسكندرية، لكنني أعلم أن جميعكم رغم الألم اجتزتموها بفرح.. فرح مقابلة الرب الذي نقول عنه في الكتاب “إن الموت ربح”(في 1: 21) فمن يخاف الموت هو من لا يستعد للأبدية فاستعدادنا الدائم للسماء يحفظ لنا سلامنا من جهة مواجهة الموت.. الذي به ننال الاكاليل والمجد السماوي.
- مخاوف من السلطان الزمني.. وهذه اجتازها قبلنا شعب الله تحت عبودية فرعون مصر، وكانت تشتد عليهم يده كلما طالبوا أن يخرجوا ليعبدوا الرب في البرية (سفر الخروج)، كما اجتازها أيضا مردخاي بمكيدة هامان صاحب السلطان الزمني (سفر استير)، لكننا نعلم كيف كان الصوم والصلاة هما مخرج شعب الرب دائما، فيده العزيزة كانت دائما تنجي من كل سلطان الملك.
- مخاوف من قوى الشر.. فالشيطان دائما كان يحارب شعب الرب من دور إلى دور.. وهكذا عير جليات شعب الرب قديما (سفر صموئيل الأول) وهكذا خاف الشعب من دخول ارض الموعد بسبب العمالقة الساكنين فيها لكننا في كل ذلك رأينا أن المقلاع الصغير بيد داود استطاع أن يهزم جليات ومقلاعنا ليس سوى الصوم والصلاة، والثقة أن الله الذي وعدنا أن يدخلنا إلى راحته هو يقودنا في وجه عماليق.
- مخاوف من معاناة الألم والمرض.. فكثير من أبنائنا في الأحداث التي واجهتها الكنيسة اصيبوا وعانوا آلام الجسد القاسية، ولكننا نعلم أن كل هذه الآلام تؤول إلى مجد، لأنهم حسبوا أهلا أن يصيروا بين صفوف المعترفين ، ولابد أن مجازاة الرب عظيمة لهم.. فها نحن قد سمعنا بصبر أيوب وعاقبة الرب قد رأيناها (سفر أيوب).
- مخاوف من غموض المستقبل .. فنحن في ظل هذه الأحداث قد يرى البعض المستقبل مظلما لكننا نثق أن كل أيامنا هي في يد الرب وليست في يد انسان لذلك عندما تهاجمنا الأفكار لنجعلها موضوع صلاة وليس موضوع خوف، فحياتنا وحياة أولادنا هي في يده وحده وهو قادر أن يحفظنا إلى التمام .
- مخاوف من إعلان إيماننا المسيحي .. في ظل حوادث الإرهاب قد يخشى البعض أن يعلن إيمانه فلا يسمي أولاده أسماء مسيحية ويخشى البعض علامة الصليب، لكننا نثق أننا جميعاً يجب أن نكون شهوداً للرب وسط العالم “تكونون لي شهودا” (اع 1: 8)، وإن كنا لا نستطيع أن نشهد بالكلمة فليس أقل من أن نشهد بحياتنا ومظهرنا وأسمائنا وسلوكنا ومحبتنا للجميع وسط العالم. فنحن يجب أن نفتخر بإيماننا وسط الضيقات لئلا نخسر الأرض ونفقد السماء أيضا.
- مخاوف من جهة مسئوليات واحتياجات الحياة اليومية.. فكل يوم نتواجه مع الضيقات في تدبير الحياة اليومية إلا أننا نعرف أن الرب قد عال شعبه في البرية قديماً.. كانوا بلا طعام ولا ماء لكن الرب الذي دعاهم ليسيروا خلفه لم يعوزهم لشيء.. وخلال أربعين عاما من السير ورائه اختبروا عمل عنايته بهم كل يوم.
- مخاوف من جهة تغير التيارات الاجتماعية.. فظهور بعض الأفكار المتطرفة الغريبة على مجتمعنا المصري والتي تؤمن بالعنف المسلح قد تصيب البعض بالخوف، ولكن لا تجعل هذه الأفكار تفقدك سلامك، فنحن نعيش كحملان وسط ذئاب، لا نتبنى أفكار الذئاب ولا نرد العنف بالعنف، نحتاط لحياتنا وسلامتنا، ولكن لا نجعل هذه المخاوف تتحول في حياتنا إلى مرض، فالله هو ضابط الكل وهو القادر أن يحفظ حياتنا بلا ضرر إلى النهاية.
- مخاوف من الوصول إلى الأبدية السعيدة.. فالبعض يتساءل: هل فعلاً يصل كل من اجتازوا الآلام إلى السماء.. وأحب أن أطمئنك فنحن ما دمنا نعيش في مخافة الرب ونجتهد ونجاهد في التوبة عن كل خطية والتقرب من الأسرار الإلهية نثق أن الله لابد أن ينظر إلى أمانتنا في الجهاد فهو قد مات عنا ووعدنا أن نكون معه في السماء، فقط لنلتزم بأمانة بجهادنا الروحي.
لذلك لا يجب أن نضع في قلوبنا المخاوف المحيطة بنا، بل لننظر إلى المستقبل بفرح فالرب هو الذي يضمن سلامنا و فرحنا، و نتذكر دائما:
- إن الرب يسوع لم يعدنا بحياة بلا متاعب “في العالم سيكون لكم ضيق” لكنه وعدنا أن يكون معنا وسط كل ضيق يهبنا غلبته “لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم “
( يو 16 : 23)
- إننا يجب ألا ننظر لحياتنا في ظل الضيقة الحاضرة بل بالإيمان في ظل وجود الرب وسط كل ضيقة يحولها لمجد أبدي لكل أولاده. فيسوع الذي سمر على الصليب ومات هو أيضا هزم الموت وقام إذ لم يكن للموت سلطان عليه .
- احرصوا أن تتصرفوا بكل حكمة.. فقد علمنا إيماننا ألا نجازي الشر بالشر ولا نواجه العنف بالعنف وقد علمتنا كنيستنا أن نعيش كحملان وسط الذئاب.
- لنتذكر دائما أننا لسنا من هذا العالم.. فلنجعل رجاؤنا دائما في السماء ونحسب العالم كلا شيء عندنا.
- اخيرا لنحرص أن نحيا بالإيمان فالإيمان يحفظ لنا سلامنا وفرحنا واطمئناننا فنحن نثق أن كل الأمور ستؤول إلى خيرنا وخير الكنيسة وخير الوطن.. فرصيد إيماننا رصيد غير محدود.
ولنعيش فرحين غير خائفين لأننا أصحاب سلام حتى مع مبغضي السلام مدركين أن وجود الرب دائم في حياتنا، ويقول “لي النقمة أنا أجازي يقول الرب”(رو 12: 19)