احتفل أبناء وتلاميذ ومحبي القديس القمص ثاوفيلس المحرقي بالذكري السنوية الثالثة عشر لنياحته والتي تناسب الثامن والعشرين من شهر يناير حيث تواجد منذ الصباح الباكر – كالعادة السنوية في ذكري نياحته – الآلاف بدير وكنيسة القديس الكبير أبو مقار بأبوتيج وهي التي خدم فيها القديس قرابة ربع قرن منذ عام 1979 وحتى نياحته في عام 2004 .
صلي القداس الإلهي تلاميذه القس مقار رزق راعي الكنيسة ومعاونه القس كيرلس عبيد وشارك لأول مرة بعد غياب القس مكاريوس الأنبا بولا تلميذ القديس القمص فانوس الأنبا بولا واحد أبناء القمص ثاوفيلس الروحيين .
صلي القس مقار اوشية الترحيم بصوته الروحاني ذاكرا كل من القديس المتنيح وشقيقه الأصغر مثلث الرحمات الأنبا أبراهام مطران القدس السابق والقمص فانوس والراهب اكسيوس المقاري ابن أبوتيج الذي تنيح منذ فترة قريبة إثر حادث أليم.
بعد صلاة القداس قام الآباء بتوزيع الهدايا السنوية التي تحمل صور وأقوال ومعجزات القديس الراحل.
وكالعادة السنوية أيضا قام نيافة الحبر الجليل الأنبا أندراوس أسقف أبوتيج وصدفا والغنايم باستقبال أسرة القمص ثاوفيلس والأنبا أبراهام في مقر المطرانية علي مائدة ” اغابي” وعلي رأسهم المقدس كمال سدراك وأبنائه الأساتذة اشرف وأنور وادوارد.
والي جانب أبناء ومحبي القديس المتواجدين في الصعيد حضر القداس مجموعة من ” أسرة القديس القمص ثاوفيلس المحرقي بالقاهرة ” وأبرزهم كل من المهندس هاني سعد والأستاذ اشرف برنابا، وهي رابطة من أبنائه تضم المئات وتمثل كيانا روحيا وتعليميا وخدميا.
شهد اجتماع الشباب الأسبوعي بكنيسة القديس العظيم مارمرقص الرسول بأبوتيج مساء أمس الخميس أمسية روحية عن سيرة القديس الفاضل بعنوان ” يوميات راهب” .
القديس والقدس
للقدس في حياة القديس القمص ثاوفيلس المحرقي محطات وذكريات بعد خمس سنوات من رهبنته سيم قسا ظل بعدها مثلا يحتذى في الخدمة والتواضع والتفاني وإنكار الذات فكان يجتذب كل النفوس التي تعاملت معه فذاع صيته إلى أن وصل لمسامع قداسة البابا كيرلس السادس الذي كلفه بالخدمة بالقدس فأطاع على الفور وسافر هناك ليعمل ويخدم بنفس الروح التى اعتاد عليها . ثم اضطر للعودة إلى مصر بسبب ظروف حرب 1967 .
شهدت رحلة عودته الكثير من أعمال الله معه ليعود إلى ديره سالما فعندما تحرك من القدس إلى نهر الأردن وجد شابا أمامه يقول له “اشيل” لك الشنطة يا أبونا فسمح له حتى يستطيع عبور النهر وعندما وصل الجهة الأخرى وضع الشاب الشنطة بجواره وعندها التفت إليه القديس ليقول له : ربنا يعوضك يا بنى فلم يجد اى شخص ، وفى الأردن سأل عن الحجز إلى لبنان فقال له موظف الحجز ان شابا حضر منذ قليل وقام بالحجز لك وقال انك ستأتي لتأخذ التذكرة ، وعندما وصل لبنان توجه إلى احد الفنادق ولم يكن معه اي أموال فكانت المفاجأة الثالثة عندما قال له موظف الحجز بالفندق أن شابا قد جاء وحجز غرفة لأحد الكهنة وقال ان الكاهن سوف يأتي بعد قليل؛ وبعد ان مكث فترة فى الغرفة شعر بالجوع فقال في نفسه : انزل المطعم يمكن أجد اكل؛ قالها بكل بساطة وتسليم وعندما نزل إلى المطعم تقدم إليه ” الجرسون ” قائلا تحب تأكل ايه يا ابونا ؟ “الشاب اللي هناك دفع فلوس وقال انزلك الاكل” فرفع القديس عينه إلى الجهة التي يشير إليها فلم يجد أحدا أما الجرسون فكان يؤكد له انه كان هناك شخص دفع مقابل الطعام فقال له ابونا : ” نزل يا ابني أكل على قد الفلوس اللي دفعهالك “
وهكذا كانت رحلة عودته من القدس رحلة اتكال وتسليم مليئة من رعاية ومعونة الرب .
كان يعتز جدا ويذكر دائما فترة خدمته بالقدس التي ارتبط بها روحيا وفي عام 1991 اختار قداسة البابا شنودة الثالث الراهب سدراك الأنبا بيشوي وهو الشقيق الأصغر للقديس وكان أيضا يعد من أبنائه الروحيين مطرانا للكرسي الأورشليمي بالقدس باسم الأنبا أبراهام. والمثير انه بعد نياحته تختار العناية الإلهية الراهب ثيؤدور الانطوني أحد أقرب الأبناء الروحيين للقديس خلفا لشقيقة المتنيح باسم الأنبا أنطونيوس مطرانا للكرسي الأورشليمي بالقدس .
ويشهد الكثيرين ومنهم كاتب السطور علي نبؤة القديس ثاوفيلس لنيافه الحبر الجليل الأنبا أنطونيوس باختياره لهذه المكانة الروحية المرموقة في الكنيسة القبطية .
نشأة وحياة القديس:
ولد هذا الأب البار في مركز المنشاة محافظة سوهاج فى يوم 6 ديسمبر 1927م من أسرة مسيحية تقية باسم “كامل ” والحقيقة التي عُرفت عن حياته انه كان كاملا في كل شيء .. رأت أمه البارة قبل ميلاده حلما شاهدت فيه ملاكا بمنظر روحاني جميل وقال لها الملاك : “اللي في بطنك ده مش ليكي ده بتاع ربنا ”
ونشأ كامل نشأة روحية في البيت والكنيسة وتعلم الالحان والمردات من صغره فكان محبوبا من كاهن كنيسته وخدامها ، وارتبط بالكنيسة ارتباطًا كبيرًا. وكانت له دالة كبيرة مع السيدة العذراء والقديسين والشهداء.
وكان رغم حداثة سنه يؤمن بشفاعتهم إيمانًا كبيرًا فقد حدث ذات مرة إن والده كلفه بحراسة أجران القمح وكان ذلك يوم الجمعة العظيمة ولم يحتمل أن يكون بعيدا عن الكنيسة في هذا اليوم الروحاني فصلى بإيمان شديد ثقة للرب وقال “يارب مارجرجس يحرس الجرن وأنا أروح الكنيسة ” وذهب للكنيسة وعندما حضر والده وجيرانه رأوا منظرا عجيبا فقد رأوا رجلا ذو طلعة بهية راكبا على حصان ويدور حول الأجران فوقفوا متأملين وخائفين من يكون هذا الرجل وبمجرد وصول ” كامل ” من الكنيسة اختفى هذا الرجل وحصانه ، فكانوا في ذهول إلى أن تيقنوا انه الشهيد مارجرجس عندما قال لهم “كامل” بمنتهى البساطة انه طلب من الرب أن يرسل القديس مارجرجس لحراسة الأجران حتى يعود هو من الكنيسة ..
وعندما اشتد عوده اشتعل في قلبه وذهنه فكر الرهبنة فأخذ يصلى إلى الرب متشفعا بالسيدة العذراء متمنيًا أن يكون راهبا بأحد أديرتها ، وعندما علم والده بذلك رفض أن يسمح له بالذهاب إلى الدير فأطاع والده ولكنه لم تفارقه رغبته وكان يصلى للرب بلجاجة إلى ان رأى ذات يوما حلما فيه السيدة العذراء ومعها راهب شيخ وكان هذا الراهب يمد له يده بقربانة .. وعندما اخبر أب اعترافه بهذا الحلم قال له : لقد قبلتك العذراء واختارتك في ديرها المحرق .. وبدأ في إقناع والده مرة أخرى الذي رفض إلى أن تدخل احد أقرباءه فوافق والده على أن يذهب للخلوة فقط وتم قبوله كطالب للرهبنة .
وبعد اختبارات عديدة وصلوات كثيرة زكاه أباء الدير إلى رئيس الدير فرسمه راهبا باسم الراهب ثاؤفيلس المحرقى فى 5 يناير سنة 1959م .
بعدما رأي رئيس الدير اشتياقه للعلم أرسله إلى كلية اللاهوت بحلوان للدراسة بها وبعد فترة الدراسة رجع للدير فكان مثالا وقدوة في الرهبنة محبا للجميع يهتم بكل المحتاجين وحريصا ومدققا فى كل شيء حتى اصغر الأمور .
وبعد عودته من القدس عاد ليخدم في الدير بمنتهى الأمانة وكان يشرف على عدة أعمال بالدير والأراضي التابعة له وكان يهتم بكل هذا اهتماما فائقا وكان في الوقت ذاته محافظًا على طقسه الرهباني بحب واشتياق ثم تمت ترقيته قمصا وأوكلت إليه خدمة القرى المحيطة بالدير .
دعوته للخدمة بدير وكنيسة القديس الأنبا مقار:
بعد نياحة الأنبا مرقص مطران أبوتيج السابق وفي عام 1979 كان يشرف على الايبارشية نيافة الأنبا ويصا أسقف البلينا – أطال الله حياته – ونظرا لقلة عدد الكهنة في ذلك الوقت فقد طلب نيافته من نيافة الأنبا ساويرس أسقف دير المحرق -أطال الرب حياته – أحد رهبان الدير للخدمة في مدينة أبوتيج في مدة أسبوع الآلام وعيد القيامة فقام نيافته بانتداب أبونا ثاؤفيلس للخدمة هناك ثم عاد إلى الدير .. وبعد سيامة الأنبا أندراوس أسقف أبوتيج – أطال الرب حياته – طلب نيافته ان يستمر أبونا ثاؤفيلس في خدمة بكنيسة ودير الأنبا مقار الأثري بمدينة أبوتيج وهذا الدير زاره القديس الأنبا مقار أثناء رجوعه من منفاه في جزيرة فيلة وعمره رهبان كثيرون وأقيمت فيه كنيسة ثم ابتدأ مسيحيي المدينة دفن موتاهم حول هذه الكنيسة .
لم يكن بهذا الدير قبل مجيء أبونا ثاؤفيلس له أي نشاط يذكر سوى صلاة القداس الإلهي يوم الأحد وكانت مباني الدير والكنيسة متهالكة ولم يكن فيه إنارة أو مياه أو أشجار وكان الحاضرون من الشعب قليلون جدا ومعظمهم من كبار السن فقام الأنبا اندراوس بتكليف أبونا ثاؤفيلس بالخدمة في الدير وذلك في سنة 1980
بدأ أبونا خدمة شاقة تكاد توصف بالمستحيلة ولكنه بدا الخدمة بالصلاة مستشفعًا بالعذراء والأنبا مقار بكل حب وعطاء وبدأ الناس يلتفون حوله والجميع يأتون إليه من كل مكان ويلتمسون المشاركة في إعمار الدير وبدأت ملامح تغيير كبيرا تطرأ على الدير وفى أثناء كل هذا كان ابونا ثاؤفيلس ينكر نفسه تماما بالتواضع والصلاة الدائمة وعلى الرغم من أن خدمته كانت في دير يقع في وسط المدينة ووسط العالم إلا انه لم ينسى يوما أنه راهبا مات عن العالم لكي يحيا مع المسيح ، فكان كل شيء يأتيه لا يقتنى منه شيئا بل يقوم بتوزيعه على المحتاجين وكان ناسكا من الطراز الأول كان دائما لا يسأل عن احتياجات الجسد حتى انه لم يكن يرتدى قلنسوة الرهبان الشهيرة بل عمة بسيطة حتى لا يعطيه أي احد التوقير اللازم للرهبان
ولان الصلاة هي صلة بيننا وبين الله كان يهتم بإقامة القداسات اليومية اهتماما بالغا لأنها كانت غذاء نفسه وشبع روحه .
اشتهر أبونا ثاؤفيلس المحرقي بشفافيته جدا لدرجة أذهلت كل ما تعامل معه فقد كان يعرف عن أشياء في حياة الناس لا يعرفها أي احد وينبأهم بأشياء ستحدث في المستقبل فكانت تحدث كما قالها بالضبط والي جانب الشفافية وروح النبؤة أعطاه الله موهبة إخراج الشياطين والصلاة لشفاء المرضي والراحة للمتعبين إلى جانب اهتمامه بالفقراء والشعب بكافة أعماره أطفال وشباب وشيوخ معلما وأبا غرورًا علي كنيسته.
تتلمذ علي يديه العديد من الأبناء الروحيين سواء من الشعب أو الاكليروس الذين نالوا نعمة درجات الكهنوت الثلاث الأسقفية والقسيسية والشماسية فمن أبوتيج فقط إلى جانب نيافة الحبر الجليل الأنبا انطونيوس مطران القدس والقس مكاريوس الأنبا بولا يوجد علي سبيل المثال لا الحصر كل من القمص ابيفانيوس الانبا بيشوي والقس متاؤوس الأنطوني والقس جورجيوس الانطوني والقس عبد المسيح أفا مينا والرهبان ثاوفيلس الشنودي وباخوميوس الرزيقي وأبادير الأنبا بولا وصليب الرياني والمتنيح اكسيوس المقاري والعديد من رهبان دير المحرق العامر.
والقس بيشوي كامل والقس إبرام معتمد والقس بولس عدلي والقس مقار رزق والقس صموئيل القمص تيموثاوس والقس تادرس القمص تيموثاوس وغيرهم.
احتماله صليب المرض.
عاني في السنوات الأخيرة من حياته من عدة أمراض وأجرى عدة عمليات جراحية وكان متقبلا الألم وصليب المرض بشكر بل كان يستخدمه الله في العديد من المعجزات لجموع الشعب الذين كانوا يجيئون له من مختلف الأماكن من مصر وخارجها وهو علي سرير المرض .
نياحته :
كان يوم نياحته في 28 يناير 2004 يوما تاريخيا ومشهودا في تاريخ أبوتيج والدير المحرق والمناطق المحيطة بهما .
كان أبونا ثاؤفيلس مشتاقا جدا ليوم الانتقال وفى ليلة نياحته جاءه احد أبنائه ليعطيه العلاج فقال له أبونا : “خلاص مش هاخد البرشام تاني”.
في فجر ذلك اليوم انطلقت روحه الطاهرة من قيود هذا الجسد لتبدأ حياتها في الأبدية حاملة معها أعمال عظيمة لرجل بار وهب حياته لمخلصه ولكنيسته فاستحق الإكليل السماوي المعد لأبناء الله .
بعد أن انتشر خبر نياحته في مدينة أبوتيج والبلاد المحيطة بها توافد الآلاف على الكنيسة التي وضع بها جسده الطاهر وبعد الصلاة عليه والتي كانت بمنتهى الصعوبة في ظل هذا الجمع الذي لم ترى له المدينة مثيلا من قبل بدأت رحلة عودة هذا الرجل البار إلى ديره كحسب وصيته أن يدفن في دير المحرق فتحركت السيارة التي تقل جسده بمنتهى الصعوبة حتى وصلت إلى الدير بعد وقت طويل للغاية رغم قرب المسافة بين أبوتيج والدير المحرق وهناك استقبل الرهبان جسد الأب البار بصلوات حزينة ممزوجة بالفرح لاستقبالهم ضيفا سماويا وبعد الصلاة عليه مرة أخرى في الدير حمل الآباء جسده الطاهر ووضعوه في طافوس أو مدفن الدير .
وبعد فترة وأثناء احتفال الدير بعيد نياحة القمص ميخائيل البحيري تم فتح الطافوس – مدفن الرهبان – والصندوق فوجد الآباء جسد أبونا ثاؤفيلس كما هو لم يطرأ عليه أي تغيير بل وتنبعث منه رائحة عطرة جميلة .. كذلك شاهد الكثيرون أنوار كثيرة تضئ على القبر من حين لأخر تشهد بأن الجسد الراقد في هذا القبر هو جسد لرجل أكرم الرب في حياته فأكرمه الرب بعد انتقاله .