قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(648)
ولكنه تهكم بطعم الحسرة والمرارة…نعم مرة أخري ألجأ لهذا العنوان في سلسلةالأمور المسكوت عنها فقد سبق أن كتبته في2015/8/23-منذ عامين بالضبط-يالسخرية القدر!!- وأنا أتعرض لكارثة احتراق سنترال العتبة آنذاك,حيث حفل مقالي بملابسات وتفاصيل متكررة كارثية تثبت أننا لا نتعلم إطلاقا من أخطائنا ونظل نسقط فيها مرة تلو الأخري دون أن نفعل شيئا أللهم إلا تكرار التصريحات عن الأخطاء وكيفية علاجها ونترك الأمور تتبخر رهانا علي رأي عام فاقد للوعي وللذاكرة لنعود نصحو مرة أخري عند تكرار ذات الحوادث فنعيد إنتاج نفس التصريحات والوعود…وهلم جرا!!!
اليوم نعيش آخر حلقة في سلسلة حوادث القطارات انفجرت في جوهنا الأسبوع الماضي,وإذا كنت أقول آخر حلقة فلست أعني الحلقة الأخيرة ولكن أحدث حلقة,ففي واقعنا المأساوي لا توجد الحلقة الأخيرة بل نستمر نتوقع المزيد…والمزيد…لذلك لم يعد يستقيم أن نقوللايلدغ المؤمن من جحر مرتين….كيف ونحن نرتضي بإهمالنا وفشلنا وتقاعسنا أن نلدغ من الجحر ألف مرة؟…..والمصيبة أننا درجنا علي تكرار نفس الكلام وذات التصريحات التي توحي أنها المرة الأخيرة التي نتعرض فيها لمثل هذه الحوادث لأن أوجه الخلل تم تحديدها وسياسات الإصلاح تم وضعها وميزانيات التحديث تم تدبيرها وعلي الرأي العام أن يمتص غضبه ويهدأ ويثق أنه لن ينكب بحادثة أخري…لكن يبقي الوضع كما هو عليه وينشغل الناس في مشاكل أخري حتي تنزل عليهم حادثة قطار تالية تعصف بهم ويترنحون ثم يفيقون من الصدمة ليتساءلوا:ولكنهم قالوا لنا إن حوادث القطارات لن تتكرر وأن التطوير والتحديث جار بكل همة وجدية!!!
حادث قطاري الإسكندرية الذي اصطدم فيه قطار سائر بكل سرعته بآخر متوقف أمامه علي نفس مسار القضبان,مرعب ومربك لكنه مخجل ومهين في نفس الوقت…هو مرعب ومربك ونحن نتابع تفاصيله في إعلامنا المحلي,لكنه مخجل ومهين ونحن نتابع تفاصيله في الفضائيات العالمية,لأنه حادث متخلف يدل علي تهرؤ الإدارة وفقدان كل أنظمة وآليات الأمان وضبط الأداء…ولعلنا أسرفنا في الأعوام الثلاثة الماضية في فضح مؤامرات الإعلام الخارجي التي تتعمد الإساءة لمصر وتشويه واقعها وتزييف الحقائق حول مايحدث فيها وماتتعرض له من ضربات,لكن مهلا…حادث قطاري الإسكندرية لا يندرج تحت تلك المؤامرات,فقد تابعت التغطيات الإخبارية والتحليلات التي تبثها عنه الفضائيات العالمية ووجدت فيها موضوعية ومصداقية….وشعرت بالكثير من الخجل والإهانة لما يحدث في بلدي!!!
وإذا كنا قد تبلدنا الحس ولم نعد ندرك فداحة الكارثة فلنتابع الإعلام الخارجي عندما يسجل أن ضحايا اصطدام قطاري الإسكندرية 42قتيلا و133 مصابا,لعلنا نفيق علي الهول الحقيقي المفزع للحادث…لكننا نمضي في إطلاق نفس التصريحات حول التحقيق مع جميع المسئولين(!!)…وتوجيه جميع أجهزة الدولة لمتابعة تطورات الحادث(!!)…واتخاذ الإجراءات الفورية تجاه كل من يثبت تقصيره أو إهماله(!!)…وأن العقوبات ستطال قيادات السكك الحديدية حتي رئيس الهيئة إلي حد الإعفاء من المنصب(!!)…هذا عن التلويح بالويل والثبور وعظائم الأمور وكأن منظومة السكك الحديدية مستكملة التطوير والتحديث وليس بها خلل!!!
لكن التصريحات تعود لتتحدث عن أن البنية التحتية للسكك الحديدية متهالكة ولم تشهد تطويرا منذ40 عاما وهو ما أدي إلي تدهور منظومة الأمن والسلامة التي تشمل شبكة الإشارات الإلكترونية الحديثة التي تؤمن حركة سير القطارات…وهنا يصاب المواطن بالجنون…فماذا يصدق؟…محاسبة المسئولين وإعفاؤهم من مناصبهم لأنهم مقصرون ومهملون…أم التماس الأعذار لهم لأن البنية التحتية متهالكة ولم تشهد تطويرا من40عاما؟!!…الحقيقية الكارثية أن المواطن لن يصاب بالجنون من جراء تناقض هذه التصريحات,لكن من جراء تكرار صدورها عبر سلسلة حوادث القطارات التي نكبنا بها في السنوات الأخيرة- والتي لاتزال عالقة بالذاكرة-مثل مأساة حريق قطار الصعيد عام2002 وهو القطار الذي كان متجها من القاهرة إلي أسوان واندلع فيه حريق هائل أمام مدينة العياط ليخلف نحو 350 قتيلا ونحو الألف مصاب…ومثل اصطدام قطارين يسيران علي نفس الخط أمام مدينة قليوب عام2006 مما أدي إلي مصرع 58وإصابة143…ومثل نفس سيناريو حادث الأسبوع الماضي الذي وقع عند العياط عام 2009 عندما تعطل أحد القطارات ووقف علي طريق القاهرة -أسيوط دون أي تحذير لقطار آخر قادم من خلفه ليصطدم به بكل شدة وعنف مما أدي إلي مصرع30 وإصابة المئات…ومثل حادث إطاحة القطار القادم من أسيوط إلي القاهرة عام2012 بحافلة مدرسة محملة بالتلاميذ عند عبورها مزلقان أمام قرية المندرة-مركز منفلوط-مما أدي لمصرع 50تلميذا بالإضافة إلي السائق والمدرسة…وهكذا تتوالي الحوادث الدامية وتتوالي التصريحات…ويتبلد إحساسنا …وتتآكل ذاكرتنا…فيعودون يقولون لنا نفس الكلام.
واستمرارا لعبث التصريحات نقرأ في اليوم التالي لحادث قطاري الإسكندرية هذا التصريح العنتري:تقرر تخصيص45مليار جنيه علي مدي السنوات الثلاث المقبلة لتحديث منظومة السكك الحديدية!!!…ويتساءل أي عاقل:مثل هذه المبالغ الهائلة من المفترض رصدها بجدية ضمن الخطط القومية وفي إطار ميزانيات الدولة,لكن لماذا نسمع عنها بهذه السهولة والعفوية في أعقاب كارثة؟!!…وكيف تقرر هذا الأمر بين عشية وضحاها؟!!…ومن أين أتي هذا المبلغ الهائل في ظل تحديات ومعوقات ومشاكل الإصلاح الاقتصادي وفي ظل تكرار تصريحات المسئولين عن السكك الحديدية بأن المرفق يعاني من خسائر هائلة وأن أيديهم مغلولة عن تعويض الخسائر طالما القرار السياسي يحول دون رفع قيمة تذاكر السفر بالقطار؟!!
للأسف الشديد نحن أمام سيناريو فاشل وكريه ومتكرر…ودعوني أقول إنه حالة صارخة مفجعة من حالات تخلف وتردي وتهرؤ الإدارة المصرية…حالة توقفت أمامها مرارا أتساءل:لماذا لا تواتينا شجاعة خصخصة مرفق السكك الحديدية والاستعانة بالخبرة والإدارة الأجنبية لضبطه؟-مثله مثل مرفق المرور- وغيره وغيره من معاقل الخدمات المتعثرة المرتبكة في بلادنا….لماذا نستمرئ استقدام الخبرة الأجنبية للبحث عن البترول والغاز؟…ولتدريب فرق كرة القدم وغيرها من الفرق الرياضية…وحتي لجمع وتدوير القمامة…ثم تثور كرامتنا الوطنية ونأبي الاعتراف بحاجتنا للخبرة الأجنبية في تطوير وتحديث وضبط مرافق أخري كارثية كالسكك الحديدية؟!!!