صدرت وطني الأسبوع قبل الماضي بمانشيت يتصدر صفحتها الأولي يقول: … في انتظار قانون بناء الكنائس وكانت التغطية المصاحبة للموضوع يسودها التفاؤل بشأن نص وروح القانون من حيث كفالة حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.. لكن صدرت وطني الأسبوع الماضي بمانشيت يقول: … قانون بناء وترميم الكنائس في مفترق طرق!! حيث عكست التغطية المصاحبة للموضوع ما يمكن وصفه بانتكاسة في مسار القانون حولت التفاؤل إلي توجس.. فهناك بيان صادر عن المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يصرح بأن الكنيسة فوجئت باشتمال القانون علي تعديلات غير مقبولة وإضافات غير عملية تعكس تعقيدات وتضع معوقات وتتنكر لحقوق المواطنة للمصريين الأقباط.. وهناك لغط حول تعنت الحكومة إزاء المشروع الذي سبق وأن وافقت عليه الكنائس بلغ درجة استفزاز واستنفار أكثر من كتلة برلمانية تستعد للدخول في مواجهة مع الحكومة إذا ما قدمت المشروع إلي البرلمان في شكله الحالي.
لا أتصور أن مشروع قانون بناء وترميم الكنائس سيتم إجهاضه- الأمر الذي إن حدث سيتسبب في أزمة دستورية- لكن أيضا لا أتصور أن الحكومة تستطيع تمرير مشروعها المتهم بالعوار رغما عن أنف الأقباط والكنائس لأن البرلمان سيقف أمامه بالمرصاد, وها هو كل من حزب الوفد وحزب المصريين الأحرار- علي الأقل حتي الآن- يعدان العدة للتقدم بمشروع بديل عن مشروع الحكومة يعالج من وجهة نظر كل حزب أوجه القصور التي رصدها في قانون الحكومة… كما أن مشروع قانون بناء وترميم الكنائس بعد أن خرجت نصوصه إلي النور بات مادة خصبة يتناولها الإعلام ويتابعها الرأي العام بدرجة يصعب تجاهلها من جانب الحكومة.. إذا يجب أن تدرك الحكومة أن عنادها في تقديم مشروعها للبرلمان بشكله الحالي سوف يضعها في مأزق المواجهة مع البرلمان والحرج أمام الرأي العام.
إن من يقرأ بنود مشروع القانون المقدم من الحكومة لكفالة حرية بناء وترميم الكنائس- أو كما ينص الدستور: لكفالة حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية- لن يفشل في التقاط إصرار الحكومة علي استمرار فرض الوصاية والتسلط علي الأقباط فيما يخص كنائسهم (!!).. فما تزال الاشتراطات والمعوقات والموافقات السياسية التي لا علاقة لها بقوانين البناء مدسوسة في مواد القانون, ولاتزال العبارات المطاطية التي يمكن استخدامها لتعويق مشروع الكنيسة موجودة ضمن النصوص, ولاتزال التفاصيل المقيدة لحرية تصميم مشروع الكنيسة مغروسة بدعوي توصيف مشتملاتها.. وكل تلك الأمور تمثل أرضا خصبة لاستغلالها مستقبلا من جانب المسئولين المقاومين لمشروع الكنيسة لرفض الموافقة عليه فقد أعطاهم القانون سلطة أن يقولوا لا مانع أو أن يقولوا هناك مانع (!!!).. والغريب أن القانون لم ينص علي حق صاحب الطلب- أي المتقدم لبناء أو ترميم كنيسة- في التظلم أمام القضاء المستعجل لنقض قرار السلطة!!
وتبلغ قمة التسلط في مشروع الحكومة وما يمثل ردة في إدراك الحريات المستهدفة في الدستور ما ينص علي أن موافقة المحافظ المختص تكون بعد التنسيق مع الجهات المعنية, ولم يتم تحديد الجهات المعنية بما يترك شكوكا حقيقية نحو نوايا مبيتة للاحتفاظ بدور السلطة الأمنية السابق علي القانون والتي كانت مهيمنة علي مقدرات بناء وترميم الكنائس والتي كانت تقاريرها الرافضة لبناء أو ترميم كنيسة بدعوي تهديدها للسلام الاجتماعي أو بدعوي إثارتها للفتنة الطائفية كفيلة بوأد مشروع الكنيسة.. إذا مشروع القانون كما وصفه المعارضون يستهدف تقنين الممارسات القديمة التي كانت تسلطية واستبدادية لتصبح مقننة (!!!)..
ثم نأتي إلي الكارثة الكبري حين ينص مشروع الحكومة علي أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة علي نحو يتناسب مع عدد وحاجة المواطنين المسيحيين في المنطقة التي تقام بها, مع مراعاة معدلات النمو السكاني.. وعلي رأي المثل: شر البلية ما يضحك!!!.. المادة تنص علي أن تتناسب مساحة الكنيسة وملحقها مع حاجة المواطنين المسيحيين للصلاة دون أن تحدد علاقات رقمية لاستيفاء ذلك (!!).. ثم تتحدث عن المواطنين المسيحيين في المنطقة التي تقام بها الكنيسة بمعني تعدادهم, ويتم ذلك في دولة لا تعلن تعداد المسيحيين بها لا علي المستوي القومي في التعداد الرسمي ولا علي مستوي إقليمي في أية محافظة أو مدينة أو مركز أو قرية.. فمن الذي سيعول عليه القانون في استيفاء عدد المسيحيين ليتناسب مع حاجتهم لبناء كنيسة؟!!.. وحتي إذا تم ذلك يظل القانون قاصرآ عن تحديد المعايير الرقمية لعدد المسيحيين المستحقين والمتأهلين لبناء كنيسة… ما هذه الديباجات الفضفاضة التي تزهو بأنها مانحة بينما هي مانعة؟!!.. إننا نعرف أن في مثل تلك الحالات ينص القانون علي أن تصدر السلطة المسئولة لائحة تنفيذية تفصيلية لتحديد جميع معايير تطبيقه, لكن في حالتنا لا يذكر القانون أي شئ من هذا القبيل!!
ثم يأتي سؤال مهم: في معرض توصيف مبني الكنيسة بجميع مشتملاتها بشكل غير مسبوق هل يعتبر سهوا عدم ذكر الصليب الذي يعلو مبني الكنيسة سواء فوق القبة أو برج الجرس أم أنه إسقاط متعمد؟!!.. الأمر الذي يترك الباب مفتوحا علي مصراعيه لرفض الصليب علي مشروعات الكنائس بدعوي عدم وروده في القانون!!!
هناك الكثير والكثير من العوار الذي يشوب مشروع قانون بناء وترميم الكنائس بما ينذر بمواجهة برلمانية بشأنه بين الحكومة والبرلمان.. ولا يفوتني أن أتندر بأننا أمام قانون يخلو من أي بنود للعقوبات التي توقع علي من يستهين به أو يخرقه!!!.
*** التقي ممثلو الكنيسة مع رئيس مجلس الوزراء الأربعاء الماضي لبحث نقاط الخلاف حول مشروع القانون, وبالرغم من حالة الترقب التي سادت أوساط المصريين المهمومين بأمر القانون علاوة علي دوائر الإعلام التي تعرضت للمشاكل التي تنطوي عليها مواده, إلا أن ما صدر عن اجتماع المجمع المقدس وعن مجلس الوزراء خلا من أية إشارة إلي ما تم التوافق عليه.. وذلك يتركنا أمام قدر من الغموض لن يجليه سوي طرح الحكومة لمشروع القانون أمام البرلمان.. وإلي أن يتم ذلك يظل مضمون هذا المقال قائما!!!.