أغادر اليوم-إلي رجعة- ملف الأمور المسكوت عنها-لأن الأمر الذي سأتناوله ليس مسكوتا عنه,بل هو ملء السمع والبصر…إنه إسهام المصريين بكل حماس وفخر وفرح في تمويل مشروع قناة السويس الثانية,هذا المشروع الذي كتبت عنهوطني يوم إطلاقه الشهر الماضي:قناة السويس…حفرها أجدادنا بالسخرة…وأحفادهم يحفرونها بالكرامة نعم اليوم نعايش تقدم العمل في حفر المشروع العملاقتوأم قناة السويس الذي وإن كان طوله لايتجاوز ثلث طول القناة الأصلية(72كيلومترا مقارنة بنحو200كيلو متر) إلا أن مايضخه هذا التوأم في جسد قناة السويس من دماء جديدة تفتح آفاقا غير محدودة في حركة التجارة العالمية ومجالات ضخمة في مشروعات تنمية منطقة القناة,يصنع من تلك المسافة القصيرة نسبيا نواة لمعجزة اقتصادية واعدة تسجل ضمن الإنجازات العظيمة لشعب مصر.
لذلك لم يكن ممكنا التعامل مع هذا المشروع العملاق بالمعايير الاقتصادية وحدها أي بدراسة جدواه ورصد عناصر التكلفة والعائد منه والبحث عن سبل تمويله عبر قنوات التمويل المحلية والعالمية ثم إطلاق العمل فيه…لا لم يكن ذلك كافيا لمشروع يتجاوز المضمون الاقتصادي ليحمل معاني أسمي لما فيه من إضافة قيمة تقدمها مصر لحركة التجارة العالمية…مشروع سوف يسجله التاريخ كإنجاز حضاري عظيم لشعب مصر,فكان جديرا بهذا الشعب أن يعني بتمويله وتنفيذه ليضاف إلي رصيد إنجازاته عبر تاريخه المجيد.
من هنا أطلقت القيادة السياسية المصرية الدعوة للمصريين جميعا للإسهام في تمويل قناة السويس الجديدة,ففي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من الانكماش علي أثر ثلاث سنوات من الاضطراب الثوري وما أفرزه من عدم استقرار سياسي وأمني,وفي الوقت الذي تقصر فيه موارد الدولة عن توفير التمويل اللازم لهذا المشروع أمام ماينوء به كاهلها من أعباء الخدمات والدعم,كان البديل هو التوجه إلي شعب مصر لأداء هذا الشرف الوطني وتغطية هذا العبء التمويلي…والحقيقة أن استجابة المصريين لتلك الدعوة كانت عظيمة ومدعاة للفخر وتؤكد أن ما من مشروع قومي احتاج تكاتف واتحاد الشعب وراءه إلا وكان الشعب أهلا للتحدي وتفجرت فيه المشاعر الوطنية ولم يتردد في تقديم الغالي والنفيس لأجل رفعة بلده.
وبعد مفاضلة لم تستغرق وقتا طويلا بين صكوك التمويل المطلوب وهل تكون في صورة أسهم أو أوعية ادخارية تم الاستقرار علي تنحية فكرة الأسهم لما تحمله من متغيرات ومخاطر تخص العائد وهوية الملكية-فالإصرار من الجميع كان أن قناة السويس مصرية ويتحتم أن تظل مصرية-وبذلك انحصر الأمر في إصدار وعاء إدخاري محدد المدة ومضمون العائد في صورةشهادات استثمار قناة السويس التي صدرت علي النحو التالي:
00شهادات استثمار قناة السويس وعاء ادخاري مدته خمس سنوات يصدر لحساب هيئة قناة السويس عن طريق البنوك الأربعة:الأهلي-مصر -القاهرة-قناة السويس,وتطرحه هذه البنوك في جميع مقارها وفروعها المنتشرة في مصر وخارجها للمصريين فقط دون الأجانب,كذلك تطرحه وكلاء هذه البنوك بما فيها مكاتب البريد.
00من أجل تعظيم مبدأ مشاركة جميع المصريين في الإسهام في تمويل هذا المشروع الوطني العملاق,تصدر الشهادات في فئات ثلاث:عشرة جنيهات,مائة جنيه,ألف جنيه ليتاح لجميع المصريين طبقا لقدراتهم الشرائية الاستثمار فيها بناء علي هذه الفئات أو مضاعفاتها.
00تدر هذه الشهادات عائدا تبلغ نسبته12% سنويا وهو مايعد أعلي عائد محدد علي جميع الأوعية الادخارية المماثلة في السوق المصرفية المصرية وتصرف هذا العائد بشكل تراكمي أو بشكل دوري حسب فئات الشهادات:فالشهادات من فئة عشرة جنيها وفئة مائة جنيه ومضاعفاتها يصرف عائدها في نهاية مدة السنوات الخمس وتكون نسبته التراكمية 80% أي أن قيمة الشهادة الأصلية تصرف لصاحبها مضافا إليها80% من قيمتها في نهاية المدة…أما الشهادات فئة ألف جنيه ومضاعفاتها فيصرف عائدها كل ثلاثة شهور -وهو مايمثل ربع الفائدة السنوية المحددة أي نسبة3% من قيمتها عن الشهور الثلاثة-كما تصرف قيمتها الأصلية في نهاية مدة الخمس سنوات.
000لعل هذا المضمون الذي أطرحه اليوم يبدو مكررا أو بات معروفا للكثيرين…لكني في الحقيقة أطرحه تلبية لطلب الكثيرين أيضا الذين لم يفهموا كل الجوانب المتصلة بحقيقة شهادات استثمار قناة السويس حين الإعلان عن طرحها,واسترعي انتباههم الاندفاع الوطني الرائع للمصريين للإسهام فيها…فاتصلوا يستفسرون عنها وعن الفائدة المحققة منها وعن الضمانات الاستثمارية التي تتمتع بها…وأؤكد أن كل ذلك مريح ومضمون…لكن الأعظم منه كله ما نفعله نحن المصريين بتلك الشهادات من أجل مصر.
وها هم المصريون قد صنعوا المعجزة وغطوا ما تجاوز الستين مليار جنيه المطلوبة في نحو عشرة أيام مما دعا محافظ البنك المركزي المصري لإغلاق باب الإكتتاب بعد تحقيق الهدف منه…لكن الحقيقة الواجبة التسجيل أن المصريين بينما هم يعكسون قدرتهم المالية هذه يعكسون بشكل أعظم مقدار الحب الذي يحملونه لمصر.