قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (607)
منذ شهر صدر قانون بناء وترميم الكنائس, وكما احتدمت المناقشات حوله قبل صدوره استمرت اختلافات الرؤي بشأنه بعد صدوره بين الترحيب به وبين التشكيك فيه.. تشكيك بلغ حد شجبه ونعته بالمؤامرة حتي قبل إخضاعه للاختبار. وقد حرصت في حينه أن أنحاز للتيار المتفائل رغم بعض التحفظات ودعوت لإخضاع القانون للتطبيق العملي الذي هو السبيل الحكيم لتقييمه, وكتبت: … البكاء علي القانون لن يفيد أحدا, واتهامه بالقصور في بعض جوانبه لن يغير واقعه, والدعوة لتعديله قبل الشروع في تطبيقه نوع من العبث!!.. الأحري بنا أن نتقدم في شتي محافظات مصر بأوراق لبناء كنائس جديدة وبمشروعات لتجديد كنائس قائمة وبطلبات لتقنين أوضاع كنائس غير مرخصة, وننتظر لنري كيف تستجيب السلطات لتطبيق القانون الجديد, وهل يتم تمرير الأوراق باليسر أم عرقلتها بالعسر؟.
الآن خفتت الأصوات المعارضة للقانون ولعلها تتربص للانطلاق مرة أخري لدي أي بادرة مشكلة تتصل بكنيسة.. لكني حريص علي رصد أية تطورات إيجابية تدعو للتفاؤل حتي لا نكون دعاة شجب وصراخ وعويل, وها هي الأخبار تحمل لنا الأسبوع الماضي تصريحات للمهندس مصطفي مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية حول موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة علي ثلاثة طلبات لبناء كنائس جديدة, هي:
- الموافقة علي طلب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر لتخصيص قطعة أرض لبناء كنيسة بخدمات المجاورة الخامسة بمدينة المنيا الجديدة.
- الموافقة علي طلب مطرانية الأقباط الأرثوذكس بالفيوم لتخصيص قطعة أرض بمساحة ألفي متر مربع لإقامة كنيسة بالامتداد الجنوبي لمدينة الفيوم الجديدة.
- الموافقة علي تخصيص قطعة أرض بمساحة 1650 مترا مربعا لإقامة كنيسة للطائفة الإنجيلية بمركز خدمات الحي الثالث بالمجاورة الرابعة بمدينة بدر.
وأورد الخبر أن الموافقات الثلاث الصادرة نصت علي الالتزام بالاشتراطات البنائية للمباني الدينية وأنه في حالة عدم التزام مقدم الطلب بالانتهاء من البناء في المدة المحددة يتم استرداد الأرض المخصصة طبقا للقواعد المعمول بها.
حرصت أن أتعرض لهذه الفقرة الأخيرة لأوضحها ولأقطع الطريق علي محترفي الشجب والرفض والصراخ.. فمن المهم علي مقدم الطلب في كل حالة الالتزام بالاشتراطات واليقظة في متابعة مسار الأوراق وإثبات كل تأخير يعترض صدور الموافقات والسعي رسميا لإضافة أي فترات زمنية لذلك التأخير إن حدث إلي المدة المحددة للانتهاء من البناء.. وتجدر الإشارة هنا إلي أن التلويح باسترداد الأرض في حالة عدم الانتهاء من البناء في المدة المحددة ليس تعنتا من جانب السلطات ولا هو تربصا بالكنائس موضوع الموافقات, لكنه تطبيق قانوني معروف في المجتمعات العمرانية الجديدة التي لا تباع فيها الأراضي بل يتم تخصيصها لإقامة شتي المشروعات ضمانا للجدية والالتزام, فإذا ما تمت المشروعات بنجاح في إطار المدة الزمنية المحددة لها يتم بعد ذلك تثبيت الملكية, أما إذا تقاعس المشروع وتعثر ولم يتم الانتهاء منه فيتم إلغاء التخصيص واسترداد الأرض.. تلك قواعد ثابتة وسارية في المدن الجديدة ولم يتم تشريعها لعرقلة بناء الكنائس, ومطلوب تبصير أصحاب الموافقات الصادرة بها بوضوح لأن الجهل بالقانون لا يعفي من الوقوع تحت طائلته.
وأرجو أن تكون هذه الأخبار بمثابة بداية طيبة لتفعيل قانون بناء وترميم الكنائس, كما أرجو أن نسمع عن موافقات تالية تخص كنائس جار ترميمها وكنائس قائمة جار تقنين أوضاعها طبقا لمواد القانون.. ولذلك فأنا أطلق من هذا المكان الدعوة للقائمين علي جميع الطلبات المتصلة بهذا القانون أن يوافونا بها في وطني وأن نشاركهم في متابعة مسار الأوراق والموافقات حتي يتاح لنا معايشة رحلة كل طلب وما يصيبه من موافقة أو رفض, وبالتالي نتمكن بعد فترة معقولة من تقييم القانون وهل أنتج يسرا أم عسرا. ولعلي أؤكد أن المتابعة المقصودة غير مقصورة علي مسار الأوراق وصدور الموافقات الرسمية, لكنها تمتد أيضا إلي جميع مراحل التنفيذ التي تعد الاختبار الحقيقي للقانون وقوته وهيبته ودور السلطة التنفيذية في الذود عنه, فالخبرة التراكمية لدي الأقباط تفيض مرارة ومهانة وقهرا إزاء تعثر مشروعات الكنائس الحاصلة علي موافقات وتراخيص رسمية, والتي تم الاعتداء عليها وإيقاف العمل فيها من جانب الرافضين لها في ظل تخاذل وخنوع بائس للسلطات المحلية والأمنية… إذا تفعيل القانون لن يكون قاصرا علي الأوراق فقط بل سيتم الحكم عليه بمدي ذوده عن تنفيذ المشروعات وحمايتها.
ويحضرني في هذا السياق توجس الأستاذ أحمد عبدالتواب الكاتب بالأهرام حين كتب تحت عنوان مشاعر الأغلبية المهددة للوطن بتاريخ 7 سبتمبر الماضي حيث قال: …. شاء البعض أن يكون الفيصل عند الخلاف ما يسمونه بمشاعر الأغلبية, ووضعوها في الممارسة العملية قبل كل مصادر التشريع, فتدهور الحال من الالتزام بروح الدستور ونص القانون إلي محاولة فرض الإذعان لاختراع مشاعر الأغلبية التي تنحي الدستور والقانون!!
*** يحدوني تفاؤل مشوب بالحذر مع بدء سريان قانون بناء وترميم الكنائس.