قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(522)
الآن…والآن فقط تنشط الساحة السياسية وتستشعر مسئوليتها الجسيمة أمام تحدي الانتخابات البرلمانية…ما أن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات المسار الزمني لعملية الانتخابات حتي حدث استنفار في الساحة السياسية وهرع الجميع يهرولون لإنهاء استعداداتهم قبل فتح باب الترشح…كتبت في هذا المكان أكثر من مرة معربا عن قلقي من التلكؤ والتعثر الذي يعتري تكوين التحالفات القوية المؤهلة لخوض هذا السباق المصيري,وتوجسي-بل واستنكاري- للمساومات الجارية بين فرقاء الخريطة الحزبية والتي أدت إلي مشهد عبثي من التقارب ثم التباعد,الاتفاق ثم الاختلاف,الإعلان عن تأسيس تحالف ثم الإعلان عن فضه وبعثرة أطرافه….وكنت في كل مرة أحذر من أن تجئ ساعة الحسم وتجد هؤلاء الفرقاء أنفسهم عارين عن أي استعداد حقيقي فيندفعوا بشكل هستيري لتعويض مافاتهم والقبول صاغرين بما عزفوا عنه واستعلوا عليه قبلا!!
المشهد أشبه بالتلميذالبليد الذي أهدر الوقت ولم يستذكر دروسه,فإذا ما باغتته الامتحانات ارتبك وراح يحاول إدراك ما فاته متصورا أنه يستطيع حشد المعلومات واستيعابها وفهمها في ليلة الامتحان!!…فيكون مصيره معلقا في يد القدر إما أن يكون رحيما به فيخطف النجاح دون استحقاق أو يكون قاسيا عليه فيرسب ويخفق وينال النتيجة العادلة لتقاعسه.
إذا نحن نجلس في انتظار الإعلان عن السيناريو الأخير للتحالفات الانتخابية وبرامجها ومرشحيها,ولايجب أن نعد أنفسنا بتشكيلات قوية جادة لأن الحقيقة أنها كلها ستكون ناتجة عن سباق اللحظة الأخيرة,ولنا أن نتصور هامش التخبط بين أجنداتها وبرامجها واحتمال التنافر بين قياداتها ومرشحيها…ويبرز التساؤل الخطير:كيف يمكن لتلك التحالفات أن تتقدم للناخبين وتعرض عليهم برامجها وتستميلهم لمرشحيها وتحشدهم أمام صندوق الانتخابات ليحققوا لها الغلبة…إن الناخب الذي أعيته عملية متابعة التحالفات طوال العام الماضي وأصابه الإحباط يقف عاجزا عن الفهم فاقدا الثقة جاهلا بالمرشحين,فإما أنه سيهجر العملية الانتخابية برمتها-وذلك هو الدمار بعينه-أو أنه سيسعي لرأب الصدع بمحاولة الحصول عليبرشامة الإجابة في الامتحان أي أسماء مرشحي الفردي والقوائم الذين يتوجب عليه أن يعطيهم صوته دون فحص أو اقتناع!!
ويبقي وسط كل ذلك الصخب المهمومون بأمر أول برلمان يتولي المسئولية بعد30يونية وبعد الدستور الجديد ويحمل أعباء تشريعية جسيمة متوجسين مما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية…هل ستفضي إلي أغلبية مطمئنة وتشكيل متوازن يضمن الاستقرار السياسي لمصر في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها؟…أم إلي أغلبية هزيلة تكون عاجزة عن إدراك الإصلاح التشريعي المرتقب؟…أم إلي تبعثر مقاعد البرلمان بين أقليات متنافرة تدخلنا مرة أخري في مستنقع المشاحنات والمساومات من أجل تكوين أغلبية فيما بينها تحقق شكل الأغلبية فقط لكنها تخفي وراءها أغلبية هشة وليدة الصراعات وهستيريا تقاسم السلطة!!
وأعترف أن الخاطر المخيف المسكوت عنه والذي يطل يوجهه من خلف هذا المشهد هو احتمال استفادة أقل وأصغر القوي السياسية المنظمة من ذلك التشرذم ونجاحها في التسلل إلي البرلمان,ليس بفضل جدارتها أو استحقاقها,لكن بفضل تفوق حجمها الصغير علي الفتات السياسي المبعثر في الساحة الانتخابية…وفي تلك الحالة نسمح بتفرقنا وعجزنا أن تعود الأصوليات وقوي التطرف التي اختطفت مصر منذ ثلاثة أعوام لتحتل الصدارة-أو علي الأقل تشغل مساحة مقلقة-في التشكيل البرلماني مما يهدد بعرقلة مسار الإصلاح التشريعي والسلطة التنفيذية.
دأبت علي التحذير من مغبة هذا المصير دون جدوي…وها هي اللجنة العليا للانتخابات تعلن المسار الزمني للانتخابات البرلمانية…وكما توقعت أسقط الأمر في يد الفرقاء المتقاعسين فاندفعوا في كل اتجاه محاولين تعويض ما فاتهم فكانوا مثلالتلميذ البليد الذي يذاكر ليلة الامتحان…فهل ينجح؟…
هذا ما سنتابعه خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.