قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (625)
من المحزن أن نصبح هدفا للإرهابيين لأننا مسيحيون في ظل غياب الأمن داخل المدينة, فالأمن يحتمي بالكمائن بالخارج وبمداخل الطرق ولا يتحرك داخل المدينة, ولذا يجد الإرهابيون الطريق سهلا لقتلنا إذا ما عجزوا عن استهداف رجال الشرطة والجيش.. نحن الآن في حالة هلع نتساءل: من الذي عليه الدور؟… أما أطفالنا وزوجاتهم ففي حالة بكاء مستمر.
هذا الكلام الذي جاء علي لسان أحد أقباط العريش يجسد المأساة الإنسانية التي يعيشها الأقباط هناك منذ عام 2012 لكنها تفاقمت في نهاية يناير الماضي وطوال فبراير الماضي بسلسلة بشعة من حوادث القتل المقترنة بسبق الإصرار والترصد حيث يقتحم المجرمون المنازل والمتاجر ويطلقون الرصاص علي رؤوس الرجال في الحال أمام زوجاتهم وأولادهم, وفي حالات أخري يستهدفونهم في الطريق العام لدي مغادرتهم منازلهم.
كلنا نعرف الأهداف الشيطانية التي تقف وراء هذه الجرائم, فالأقباط صاروا هدفا مرتين: مرة بسبب قبطيتهم التي يعاقبهم عليها الإرهابيون, ومرة بسبب سهولة النيل منهم لأنهم عزل وغير محصنين مقارنة بقوات الشرطة والجيش.. صحيح أن العناصر الثلاثة مستهدفين -الشرطة والجيش والأقباط- لكن الأقباط باتوا لقمة سائغة في فم الإرهاب ويعول عليها للإيقاع بينهم وبين المسلمين أولا وبينهم وبين الدولة ثانيا.
علي المستوي الوطني مهما بلغت بشاعة جرائم العريش التي تعرض ويتعرض لها الأقباط فمستحيل أن تنجح في الإيقاع بينهم وبين المسلمين, لأن المصريين كلهم في مواجهة الإرهاب سواء, وعلمتهم تجارب السنوات الماضية أن التلاحم الوثيق فيما بينهم هو الذي أنقذ مصر من محاولات كسرها وتفتيتها وتدميرها وهو الذي سيحميها من استمرار تلك المحاولات الدنيئة.
أما عن الإيقاع بين الأقباط وبين الدولة فتعالوا نتصارح.. لو صحت المعلومات عن ضعف سلطة الدولة وضعف التواجد الأمني داخل مدينة العريش مقارنة بصولجانها القوي ويقظة أمنها خارج المدينة وبمداخل الطرق, فإن ذلك يعد تقصيرا لا يغتفر من الدولة وأجهزتها الأمنية يصعب تفهمه أو قبوله… فالتحديات الجمة والمعارك الشرسة التي تخوضها قواتنا المسلحة والشرطة بلا هوادة ضد الإرهاب عبر سيناء بجبالها وكهوفها ودروبها الوعرة وأنفاقها, لا تعني إطلاقا التقليل من ذات المعايير للتواجد واليقظة داخل المدن ولا تعني ترك المواطنين داخل المدن أهدافا سهلة المنال للإرهابيين بلا حماية, ناهيك عما يترتب علي ذلك من التفريط في هيبة الدولة وكرامتها نتيجة اهتزاز سيادتها علي جزء من أراضيها واضطرار جزء من مواطنيها للنزوح خارج هذه الأراضي.
نعم… يجب أن نعترف أن عجز سلطات وأجهزة الدولة في العريش عن حماية مواطنيها الأقباط أدي إلي نزوحهم خارجها طلبا للنجاة بحياتهم وهم يرون أحدهم يقتل كل يوم… وبعد أن كانت مصر تستقبل اللاجئين السوريين والعراقيين والسودانيين وغيرهم القادمين من أماكن الصراع والقتال في بلادهم, ها نحن نري المدن المصرية وفي مقدمتها الإسماعيلية ملاذا للاجئين النازحين إليها من العريش هربا من الجحيم الذي انفتحت أبوابه هناك.. وها نحن نسمع منهم عن تفاصيل المآسي التي تعرضوا لها وبشاعة الجرائم التي راح ذووهم ضحيتها.. وها نحن ننشغل بأمور تسكينهم وتدبير شئون حياتهم وتحويل أولادهم وبناتهم إلي مدارس أخري ليواصلوا تعليمهم.
الإرهاب لن ينتصر.. ومن العسير أن يوقع بين الأقباط والمسلمين.. لكن يبدو أنه ليس من العسير أن يوقع بينهم وبين الدولة.. الدولة التي لم تقصر في رعايتهم وتسكينهم وحل مشاكل عملهم وتعليم أولادهم بعد نزوحهم… لكن يبقي السؤال يبحث عن إجابة: هل فعلت الدولة كل ما عليها لحمايتهم والحيلولة دون نزوحهم؟!!